الفكر الاستراتيجي عند الإمام الحسن (عليه السلام)


بعد أن تمكن الإمام (عليه السلام) من حشد وتجنيد ما أمكنه من أبناء الأمة لحرب جيش الشام بدأ الإمام الحسن (عليه السلام) مرحلة تعبئة الصفوف إلى الجبهات…

وكانت أول فرقة عسكرية بعث بها الإمام (عليه السلام) هي فرقة عبيد الله بن العباس والتي تتشكل من اثني عشر ألف مقاتل، وهذه أكبر الفرق العسكرية في جيش الإمام الحسن (عليه السلام)، وقبل أن تتحرك هذه الفرقة وجه الإمام (عليه السلام) وصايا هامة لقائد الفرقة عبيد الله بن العباس جاء فيها: (يا ابن عمّ: إني باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرّاء مصر… فسر بهم وألن جانبك، وأبسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، وسر بهم نحو الفرات، حتى تقطع بهم الفرات، ثم تصير بمسكن، ثم امضي حتى تستقبل معاوية فإن أنت لقيته، فاحبسه حتى نأتيك، فإني في أثرك وشيكاً، وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين ـ يعني قيس بن سعد ـ وسعيد بن قيس ـ فإذا لقيت معاوية فلا تقاتلنّه حتى يقاتلك، وإن فعل فقاتله، فإن أصبت فقيس على الناس، وإن أصيب قيس، فسعيد بن قيس على الناس).

القیع
البقیع

تضمن حديث الإمام (عليه السلام) مع عبيد الله بن العباس، مجموعة من الوصايا الضرورية للقائد العسكري والتي ترتبط بالصفات النفسية والأخلاقية عند القائد العسكري تجاه القيادة العليا للدولة من هذه الوصايا تنقسم إلى:

أولاً: أخلاقيات القائد العسكري:

فلقد سلط الإمام الحسن (عليه السلام) في وصاياه لعبيد الله بن العباس الضوء على بعد هام وهو البعد الأخلاقي في تعامل القائد العسكري مع عناصر فرقته هذا التعامل الذي ينعكس في طاعة جنود الفرقة واخلاصها لقائدها وتنفيذ القرارات الصادرة عنه بجدية وتفاني، وهذه بالتالي تترك آثارها في نتائج الحرب.

ومن الصفات الأخلاقية التي أوحى بها الإمام (عليه السلام) إلى عبيد الله بن العباس هي كالتالي:

إن طبيعة العمل العسكري والتدريبات البدنية الشاقة تتطلب من الجنود بذل جهود كبيرة حتى يتمكن الجنود من تأدية هذه المهمة على أحسن وجه، كقطع المسافات الطويلة، وصعود الجبال، والسهر في الليل، والبقاء فترة من الزمن دون غذاء أو شراب وغيرها…

غير أن المطلوب من القائد العسكري، ـ مع ضرورة هذه التدريبات في سبيل صقل شخصية الجندي وإعداده ـ أن لا يغفل هذا القائد قدرة تحمل الجنود والقابليات النفسية عند كل فرد من أفراد الفرقة خاصة إذا كان القائد يهدف من وراء كل ذلك تخريج كوادر عسكرية قادرة على القيادة في المستقبل، دونما الجمود على الأوامر، وتفريغ القرارات العسكرية من محتواها الأساسي.

ولذلك يوصي الإمام الحسن (عليه السلام) عبيد الله العباس بالرفق بالجنود (ألن جانبك).

قد تكون الصرامة والجدية المفرطة في الجهاز العسكري حائلاً دون إشاعة المودة والسرور بين الجنود وقيادتها. فإذا كان الجهاز العسكري يعمل في إطار تربية الجنود على أساس خلق روحية خشنة تناسب مناخ العمل العسكري لا يعني ذلك أن يتعامل القائد العسكري مع جنوده وأفراد فرقته بخشونة وبصرامة خارج فترات التدريب.

وفي سبيل تشذيب هذا الأسلوب عند القائد العسكري، أي في تعامله مع عامة الناس والذي بالتالي يؤدي إلى صناعة حواجز نفسية ما بين القائد وجنوده، فتكون حلقات الوصل بين القرار القيادي وطاعة الجنود متشنجة ومشدودة لهذا يدخل عنصر التواضع في تفتيت الحواجز النفسية بين القائد العسكري وبين الجنود، ممّا يشكل عاملاً مهماً في التزام واحترام الجنود للقائد وتنفيذ الأوامر العسكرية باخلاص وقبول تام ورضى.

من هنا فالإمام الحسن يوصي ابن عباس (وافرش لهم جناحك).

في سبيل إعداد كادر عسكري مخلص وقوي يتطلب من القائد العسكري أن يكون قادراً على توفير الإمكانيات النفسية الفاعلة في الجيش وهذا لا يتم إلا بالتعرف على المشاكل التي تكتنف مسيرة أفراد الجيش وتعميق نموهم واستقامتهم هذا ويلزم على القائد العسكري أن يضع في عين الاعتبار أن الجندي ليس آلية عسكرية جامدة تتحرك بفعل المؤثرات الخارجية، بل هو روح تنقبض وتنبسط له هموم ورغبات كغيره من أفراد المجتمع، وأن انتمائه في السلك العسكري لا ينفي أي من تلك الهموم والرغبات.. بل إن وظيفة القائد هي تشذيب تلك الهموم والرغبات والتعامل معها بواقعية معتمداً في ذلك على قاعدة (لا إفراط ولا تفريط) وهذا إنما يتم عبر تعرف القائد العسكري على هموم ومشاكل الجنود من خلال عقد اللقاءات الودية والحوار المشترك حتى يكون هذا القائد على علم بما يجري في داخل أفراد الفرقة ومدى الاستعداد النفسي عند كل فرد ومستوى التفاعل مع قرارات القائد العسكري فالإمام يقول (وأدنهم من مجلسك).


ثانياً: إدخال الرعب وإنزال الهزيمة النفسية بالعدو كون أن هذه الفرقة كانت تشكل خطورة بالغة على جيش الشام، حيث كان لها دوراً فاعلاً في إنزال ضربات ساحقة في معركة صفين حتى تكبد معاوية في ليلة الهرير تسعين ألف قتيل والتي اعتبرت أكبر هزيمة عسكرية قبل أن يستخدم معاوية خدعة رفع المصاحف لإيقاف مسلسل هزائمه في هذه المعركة.

لذلك الإمام الحسن (عليه السلام) في هذه الفرقة أراد أن يذكّر جيش الشام بصفين لإضعاف معنويات أفراد العدو.

ثم، وبعد مغادرة أول فرقة عسكرية بقيادة عبيد الله بن العباس والتي نزلت مسكن والأنبار وجواريها، واصل الإمام الحسن (عليه السلام) نداءاته في استنفار الجماهير للتعبئة العسكرية العامة، بينما بعث حجر بن عدي إلى العمال والولاة لكي يأمرهم باستنفار الناس والمسير بهم نحو معسكرات الإمام الحسن (عليه السلام) خارج الكوفة. وتمكن حجر أن يجند مجموعة من الناس للحرب مع الإمام (عليه السلام) ضد معاوية ويذكر الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد أنه (سار معاوية نحو العراق ليقلب عليه ـ أي على الإمام (عليه السلام) ـ فلما بلغ جسر منبج (عشر فراسخ عن حلب) تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير، واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفّوا معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة لأبيه، وبعضهم محكمّة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكّاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين). وهذا المزيج من الناس التي خرجت مع الإمام (عليه السلام) كانت تشكل (2/5) من جيش الإمام (عليه السلام) ـ أي ثمانية آلاف رجلاً ـ وليس كما ذكر بعض الكتّاب المؤرخين على أن كل جيش الإمام الحسن (عليه السلام) تشكل من هذا المزيد ـ وذلك لأن حديث الشيخ المفيد (رحمه الله) يتعلق فقط بالفرق العسكرية التي خرجت مع الإمام الحسن (عليه السلام) بعد مغادرة فرقة عبيد الله بن العباس والتي بعثها بها الإمام (عليه السلام) في أول الأمر.

وهنا يمكن أن نتوقف قليلاً للتعرف على طبيعة الفرق العسكرية التي تحدث عنها الشيخ المفيد (رحمه الله) والتي خرجت مع الإمام الحسن (عليه السلام) وهي كالتالي:

وهذه تؤمن بحق الإمام الحسن (عليه السلام) المشروع في ولاية المسلمين وتقف إلى جانبه كما وقفت إلى جانب أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذه الفئة هي قليلة قياساً بغيرها من الفئات الأخرى في الفرق العسكرية لجيش الإمام الحسن (عليه السلام).

وسُميت بهذا الاسم لأنها قبلت بالتحكيم في حرب صفين وطلبت من الإمام علي (عليه السلام) القبول بذلك، ثم تظاهرت على الإمام علي (عليه السلام) بعدان أكرهته على التحكم. وهذه الفئة تكيد العداوة لمعاوية وتسعى لحربه بأي صورة كانت وتحت أية لواء كان طالما ضد معاوية إلا أن هذه الفئة لا تحمل ولاءً حقيقياً للإمام الحسن (عليه السلام)، وإنما أرادت أن تحارب مع الإمام (عليه السلام) ضد معاوية لأنها وجدت في الإمام (عليه السلام) لواءً يمكنها الانضواء تحته في الحرب ضد عدوها.

3ـ المصلحيّون والمحاربون للمغنم:

وهذه الفئة لا تحمل هدفاً مقدساً أو غرضاً سامياً وإنما تستخدم الحرب كوسيلة لاكتساب المغانم وتحقيق المصالح والرغبات الشخصية. وهذه الفئة لا يمكن أن تدخل صراعاً حقيقياً بل لديها القابلية لانقلاب على الإمام الحسن (عليه السلام) والانحياز إلى جانب معاوية في حالة لو تعرض جيش الإمام (عليه السلام) للانكسار والتقهقر.

4ـ الشكّاكون والمتذبذبون:

هذه الفئة لا تقف على أرض ثابتة وليس لها قدم راسخ فهي كالماشي على رمال متحركة، لا يقر لها قرار، ولا يهدأ لها بال، فقد يطفح كيل الشك بها فتترك الموقع التي هي فيه وتنزح إلى الأعداء وهذه الفرقة من الصعب الاعتماد عليها أو إيلائها الثقة في حال السلم فكيف في حال الحرب التي فيها امتحان الإرادات.

5ـ أتباع الفكر القبلي:

أما هذه الفئة فينحصر ولاؤها لزعماء القبيلة، فهي تتلقّى أوامرها من هؤلاء الزعماء، فتقدم طاعة رؤساء القبيلة وزعاماتها على طاعة الإمام الحسن (عليه السلام)… وعليه فإن هذه الفئة غير قابلة لأن تتبع استراتيجية الإمام (عليه السلام) في حربه مع معاوية إلا بما يمكن زعماء القبيلة عليها.

وهنا يطرح السؤال التالي: إذا كان هذا حال الفرق، إذن لماذا جندهم الإمام الحسن (عليه السلام) في حربه ضد معاوية؟

والجواب على ذلك: لعل هناك سببين رئيسين في ذلك وهما:

أولاً: أراد الإمام (عليه السلام) توجيه كافة الحراب نحو معاوية، ولوجود جبهات معارضة في داخل الكوفة ضد جبهة الشام، لذلك استفاد الإمام (عليه السلام) من حركات المعارضة في الحرب مع معاوية بالرغم من اختلاف أهدافها وتطلعاتها.


هذه كانت مجموعة من الوصايا التي وجهها الإمام الحسن (عليه السلام) إلى عبيد الله ابن العباس الذي نصبه الإمام (عليه السلام) قائداً عسكرياً على الفرقة الأولى المتوجهة إلى معسكر النخيلة وترتبط هذه الوصايا بالبعد الأخلاقي.

وهناك مسؤوليات هامة على القائد العسكري تجاه القيادة العليا للدولة، ذكرها الإمام الحسن (عليه السلام) لعبيد الله بن العباس ومنها.

أولاً: الالتزام بالقرارات العليا:

هناك مجموعة من الحدود الثابتة التي لا يحق للقائد العسكري أن يتجاوزها، أو يبت فيها كونها تختص بالاستراتيجية العامة للدولة ومن تلك الحدود هي قرار بدء الحرب أو تقرير مصيرها والتي هي من صلاحيات القائد الأعلى للدولة وإن كان له فرصة التشاور ولكن لا يحق له أن يتخذ قراراً فردياً في هذا الشأن، حيث أن مثل هذا القرار يرتبط بالخطة الاستراتيجية العامة في الدولة.

هذا إضافة إلى أن تعاليم الإسلام توحي بأن لا يبدأ المسلمون الحرب من جانبهم حتى يبدأ العدو وفي ذلك لإتمام الحجة عليه ويقول الإمام الحسن (عليه السلام) لابن عباس (فإن أنت لقيته فاحبسه).

ثانياً: رفع التقارير اليومية واطلاع القيادة العامة على مجريات الحرب:

للمهمة الصعبة والخطيرة التي يقوم بها الجيش ـ بكل فصائله ـ في الحرب ضد العدو، والتحركات التكتيكية والاستراتيجية الحساسة والتي تؤثر في مستقبل ومصير الحرب وبالتالي مستقبل الدولة وجوداً وعدماً، يلزم ذلك على القائد العسكري رفع التقارير اليومية للقيادة العليا، يشرح فيها سائر الأوضاع على جبهات الحرب بما فيها تحركات العدو وإعداداته ومواقعه، كل ذلك بصورة تفصيلية، والتي تساعد القيادة العليا على ضوء تقارير القائد العسكري في أن تضع الخطط الكفيلة والمناسبة في مواجهة تحركات جيش العدو، ومعرفة احتياجات قوات الجيش.

يقول الإمام الحسن (عليه السلام) لابن عباس، (وليكن خبرك عندي كل يوم).

ثالثاً: إقرار الشورى مع الكفاءات العسكرية في الجيش:

كون الفرقة العسكرية لا تقتصر تركيبتها على قائد عسكري وجنود اعتياديين ـ فضلاً عن داخل الجيش ـ بل هناك رتب عسكرية متفاوتة وفي أوساط هذه الرتب توجد كفاءات قادرة على التخطيط والمشاركة في صياغة القرار العسكري المخوّل بيد القائد العسكري ـ لاعتبارات مختلفة منها الخبرة والتجربة الطويلتين عند أفراد هذه الرتب خلال فترة العمل العسكري، والتي ساعدتهم في الوصول إلى مستوى متقدم في ميدان العمل العسكري.

ولهؤلاء الحق على القائد العسكري أن يشركهم في التفكير والمشاورة فيما يرتبط بمهام القائد العسكري فيوصي الإمام (عليه السلام) عبيد الله بن عباس ويقول له: (وشاور هذين قيس بن سعد وسعيد بن قيس).

رابعاً: اعتماد النوّاب:

يمثل القائد العسكري الرأس من الجسد، لذلك فهو أكثر حساسية وخطورة، وغالباً ما يقوم العدو بشل الجسد العسكري عبر اقتناص الرأس المتمثل في القائد العسكري، وذلك بهدف إثارة البلبلة والتخبط بين أفراد الجيش، ممّا يؤدي إلى شلّ التحرك العسكري وشقّ صفوف الجيش، وبالتالي القضاء على مفعول العمليات التي ينفذها عناصر الجيش كونها غير خاضعة لإشراف ونظر القائد العسكري أو تعرضه للتصفية.

ولذلك جاءت ضرورة تعيين نواب يكونوا على درجة من الكفاءة والخبرة في المجال العسكري للحيلولة دون إصابة الجيش بحالات من التدهور والانهيار في حال غياب القائد العسكري أو تعرضه للتصفية.

وهناك نقطة ضرورية وحساسة هي أن تعيين النواب في داخل الفرقة الواحدة يدفع خطر الانشقاق العسكري والتمرد والذي يسبب إثارة النزاعات والخلافات بين أفراد الفرقة في سبيل الاستئثار بمنصب القيادة… فالإمام (عليه السلام) يوصي ابن عباس: (فإن أصبت فقيس على الناس وأن أصيب قيس فسعد بن قيس على الناس).

وهنا قد يتساءل البعض عن ماهية الدوافع الرئيسية التي أدت بالإمام الحسن (عليه السلام) لأن يبعث في المرحلة الأولى بأكبر فرقة عسكرية وهي فرقة عبيد الله ابن العباس التي يبلغ عددها اثني عشر ألف جندياً والتي تضم أفضل الكفاءات العسكرية في جيش الإمام (عليه السلام) وكان لها دور فاعل وبارز في حرب صفين مع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حربه ضد جيش معاوية؟

والجواب على ذلك أن الهدف من وراء إرسال فرقة عبيد الله بن العباس بهذا الحجم والكيفية إنما كان لسببين وهما:

أولاً: إن الإمام الحسن (عليه السلام) أراد أن يظهر جانب القوة في جيشه أمام جيش الشام لذلك كانت فرقة عبيد الله بن العباس هي أقوى فرقة في جيش الإمام (عليه السلام) من حيث الكم والكيف، ومن جهة ثانية، الإمام (عليه السلام) إنما قدم أصحابه وطليعته لإثارة الحماس في نفوس الناس الذين تثاقلوا عن نصرة الإمام (عليه السلام)، وبعث فيهم روح الحماس والشجاعة للخروج مع الإمام (عليه السلام) في حربه ضد معاوية.


ثانياً: لم يكن الإمام يأمن غائلة هذه الفرق خاصة وأن فيها من هي على استعداد تام لشهر السلاح ضد الإمام فيما لو لم يتم استغلالها وتوجيه سهامها نحو عدو آخر لها، من جهة ثانية أن بعض هذه الفئات لديها القابلية للحرب مع معاوية ضد الإمام وإذا لم يستفد منهم الإمام في حربه ضد معاوية، من الممكن أن يغريهم معاوية ويجندهم لصالحه، وفيهم من يركع لبريق المعدن ويسجد لطعم المال والشهوة والمنصب.

حرم النبوي
حرم النبوي الشریف
Exit mobile version