في مشهد معقد يجسد تراجع القوة الإقليمية، تواجه إسرائيل أزمات وجودية متعددة المستويات. بينما يقف جيشها على حافة الهاوية بسبب أزمة القوى العاملة الاستراتيجية، تتهاوى واحدة من أكبر صفقاتها الاقتصادية مع مصر تحت وطأة المناكفة السياسية.
هذا التراجع الداخلي يقابله عزلة أكاديمية دولية متصاعدة، في وقت تواصل فيه حكومة اليمين المتطرف تعزيز تعاونها العسكري السري مع المغرب، مما يرسم صورة لكيان يبحث عن منفذ للهروب من واقعه المأزوم
موقع آماج الإخبارية – تقارير استراتيجية

الأوضاع السياسية: القيادة تدفع بالجيش والاقتصاد إلى الهاوية
تكشف التقارير عن فشل منهجي للقيادة السياسية في التعامل مع الملفات الحيوية. فبدلاً من معالجة الأزمات الاستراتيجية، حوّلت الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو صفقة الغاز مع مصر إلى أداة للمناكفة السياسية، في محاولة لإرضاء اليمين المتطرف الذي يخشى من دعم اقتصاد القاهرة ويعتبرها حجر عثرة أمام التهجير القسري للفلسطينيين من غزة. هذا التوظيف السياسي للمصالح الاقتصادية الحيوية يعكس أولويات متعارضة مع متطلبات الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي.
الوضع العسكري: جيش الكيان المحتل وأزمة القوى العاملة الاستراتيجية
انهيار الرغبة في الخدمة واستنزاف النخب
يواجه الجيش الإسرائيلي واحدة من أخطر الأزمات منذ تأسيسه، وهي أزمة لا تبدأ ولا تنتهي في جبهات القتال. فالأزمة الحقيقية تكمن في الجمهور، حيث تتضح حقيقة مقلقة: تراجع حاد في الرغبة في الاستمرار في الخدمة الدائمة (التطوع)، وتزايد في استنزاف الضباط والجنود، وموجة من الرحيل تُلحق الضرر تحديدًا بالنواة المهنية التي يُفترض أن تقود الجيش لسنوات قادمة.

الأرقام المفزعة: ضربة مباشرة لقلب النظام العسكري
تشير البيانات الداخلية إلى:
- انخفاض الاستعداد للخدمة بين الضباط برتبة رائد من 58% إلى 37% فقط في غضون بضع سنوات.
- بين المجندين المنتظمين، انخفضت النسبة من 83% إلى 63%.
- حتى في المجند الأولي، هناك انخفاض مستمر: من 44 إلى 38 في عدد المجندين، ومن 28 إلى 25 بين الضباط.
- زيادة حادة في الشعور بالإرهاق: 18% بين الضباط برتبة مقدم، و5% بين العقيد.
- الرقم الأكثر إثارة للقلق هو أن 11% من أولئك الذين يغادرون طواعية هم بالتحديد أولئك الذين تم تصنيفهم على أنهم متميزون.
انقسام الميدان والشعور بالتخلي
يُلمس هذا الانقسام في الميدان، حيث يُبلغ المقاتلون والقادة عن تراجع في دعم عائلاتهم، واحتياجات غير مُلباة، وشعور بالتخلي بين مُؤيدي القتال والجبهة الداخلية. يقول مسؤول رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي: “يشعر من يخدمون بأنهم لم يُقدّروا بما فيه الكفاية. إن تراكم الأعباء الهائلة، وأحكام المحكمة العليا بشأن إكمال سنوات الخدمة، وتضرر المعاشات التقاعدية، وعدم الاستقرار، كلها عوامل تُولّد استياءً وتُضعف الدافع”.
الفجوة القتالية والتهرب من الخدمة
يحتاج الجيش الإسرائيلي حاليًا إلى 7500 مقاتل إضافي وعدد مماثل من مُؤيدي القتال لمواجهة التحديات المُستمرة في غزة ولبنان وسوريا و21 كتيبة في يهودا والسامرة (التسمية العبرية للضفة الغربية)، وليس لديه من يُوفر لهم الدعم. قانون التهرب من الخدمة العسكرية، الذي كان من المفترض أن يكون حلاً، هو في الواقع خدعة كبيرة؛ فمعدل عدم التجنيد بين النساء يقترب من 50%، ومعدل التسرب أثناء الخدمة مرتفع للغاية، ويصل إلى 15%. القوة التي بنتها إسرائيل على مر السنين لم تكن ببساطة مهيأة لحرب متعددة التهديدات.
التحليل الاقتصادي: صفقة الغاز الإسرائيلي على حافة الانهيار
التسييس والتهديد بالانهيار
تتجه واحدة من أكبر صفقات الغاز الإسرائيلي الطبيعي بين مصر والكيان الصهيوني إلى حافة الهاوية، بعد أن تحولت إلى إحدى أدوات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة في المناكفة السياسية لمصر. الصفقة، التي تهدف إلى توريد 130 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 35 مليار دولار، دخلت نفقًا سياسيًا معقدًا داخل إسرائيل، وسط مشاكل فنية وتنظيمية.

التبريرات الإسرائيلية والاتهامات بالتجميد
بينما برر الجانب الإسرائيلي عدم زيادة تدفقات الغاز بوجود مشاكل فنية، كشفت حكومة تل أبيب، وبدعم من لجان في الكنيست، عن رغبتها في تجميد الصفقة الإضافية لوجود خلافات مع مصر حول ملفات غزة والوجود العسكري المصري في سيناء، وتجميد الاتفاق لأسباب سياسية وإعادة تعديل أسعار التوريد في المستقبل.
تحركات مصرية سريعة لتأمين البدائل
كرد فعل، تسارع الحكومة المصرية لتأمين بدائل:
- طرح هيئة البترول مناقصة لاستيراد ثلاث شحنات من الغاز المسال من السوق الفورية.
- الاتفاق مع شركات سعودية وفرنسية وهولندية وأذربيجانية لتوريد 20 شحنة غاز مسال قبل نهاية العام.
- توقيع اتفاقات لشراء نحو 125 شحنة غاز خلال عام 2026.
- التحول إلى طرح مناقصات شهرية لضمان أفضل سعر ممكن، بعد أن أصبحت مصر أكبر مستورد للغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط.
هشاشة الموقف الإسرائيلي وضغوط الشركاء
يؤكد خبراء أن الحكومة الإسرائيلية قد تلغي الصفقة دون توابع مالية لأنها مذكرة تفاهم غير ملزمة. ومع ذلك، فإن حكومة نتنياهو تواجه ضغوطًا من الشركاء المالكين لحقل ليفاثان، بقيادة شركة شيفرون الأمريكية، الذين يتطلعون إلى تحقيق عائد قيمته 20 مليار دولار ولا يملكون بديلاً واقعياً عن الشبكة المصرية. وقد قدموا للحكومة موعدًا نهائيًا في 30 نوفمبر للحصول على موافقة لتنفيذ الصفقة، مع تحذيرات من أن عدم الالتزام يهدد بإهدار استثماراتهم وتعطيل التصدير لسنوات.
الوضع الأمني ومستجداته: التوسع العسكري والتعاون السري
افتتاح مصنع للطائرات الانتحارية في المغرب
في تطور أمني بالغ الدلالة، كشف موقع “ديفنس بوست” الأمريكي أن شركة “بلو بيرد” التابعة للصناعات الجوية الصهيونية افتتحت منشأةً جديدةً في المملكة المغربية لإنتاج طائرات “سبايكس” الانتحارية المسيّرة. المصنع، الواقع في مدينة “بن سليمان” قرب الدار البيضاء، هو الأول من نوعه للشركة في المنطقة خارج الكيان الصهيوني، وسيمكن من تدريب مهندسين مغاربة على التجميع والصيانة محليًا.
تعزيز التعاون العسكري الإسرائيلي-المغربي
شهد التعاون العسكري توسعًا لافتًا منذ توقيع اتفاقيات التطبيع، حيث أصبح المغرب أحد أبرز زبائن الصناعات العسكرية الإسرائيلية على حساب الشركات الفرنسية. وشملت المشتريات:
- قمر الاستطلاع “أوفيك 13”.
- 36 وحدة من نظام المدفعية “أتموس”.
- منظومتي الدفاع الجوي “باراك 8″ و”سبايدر”.
هذه التحَرّكات تأتي في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، والتي خلفت –بحسب التقديرات– أكثر 70 ألف شهيد، وما يزيد على 170 ألف جريح ونحو 10 آلاف مفقود.
العزلة الدولية: مقاطعة أكاديمية واسعة للكيان المحتل
استمرار المقاطعة رغم وقف إطلاق النار
تستمر العزلة الدولية لكيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث أكد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن أكاديميي الكيان يجدون أنفسهم اليوم معزولين دوليًا، رغم وقف إطلاق النار في غزة. فقد تضاعفت حالات مقاطعة الجامعات الصهيونية في أوروبا بشكل كبير منذ بداية الحرب، ولا تزال مستمرة بعد وقف إطلاق نار “هش”.
اتهامات بالإبادة الجماعية تدفع بالمقاطعة
مسؤولون في جامعات أوروبية يبررون المقاطعة بسبب اتهامات لجنة تابعة للأمم المتحدة والعديد من منظمات حقوق الإنسان لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وقال راؤول راموس، نائب رئيس جامعة برشلونة: “كانت التكنولوجيا من الجامعات الإسرائيلية تُستخدم لقتل الشعب الفلسطيني”.
الأرقام والتأثير
تم جمع أكثر من 700 حالة مقاطعة أكاديمية، شملت وقفًا تامًا للتعاون بين الجامعات، وإنهاء برامج التبادل الطلابي، ورفض تقديم منح بحثية لأكاديميي الكيان المحتل، ويُقدّر أن العدد تجاوز الآن 1000 حالة. وتتركز المقاطعة على مستوى المؤسسات في بلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا.
خاتمة: أزمة استراتيجية شاملة
الخلاصة التي ترسمها هذه التقارير تكشف أن إسرائيل تواجه أزمة استراتيجية شاملة تتجاوز جبهات القتال. جيش يعاني من نزيف بشري حاد، وصفقة اقتصادية كبرى على وشك الانهيار بسبب التوظيف السياسي قصير النظر، وعزلة أكاديمية دولية تتفاقم كرد فعل على اتهامات بالإبادة الجماعية. هذه العوامل مجتمعة تضع الكيان المحتل على حافة الهاوية، حيث تثبت القيادة السياسية فشلها في إدارة الملفات الحيوية، مما يهدد بانهيار المنظومة العسكرية والاقتصادية التي بُنيت على مدى عقود. التحدي الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل في حروب المستقبل لن يكون في عدد الطائرات أو الدبابات، بل في أزمة القوى العاملة الاستراتيجية، وهي مشكلة لا يمكن لأي قدرة تكنولوجية أن تعوّضها.










