كشفت القوات المسلحة اليمنية عن تفاصيل عملياتها العسكرية خلال الشهر الماضي منذ استئناف العدوان الأمريكي على اليمن بدعم إسرائيلي، حيث سجلت تصاعداً كمياً ونوعياً في الضربات الموجهة ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، في إطار دعم غزة وكسر الحصار عنها.
وأبرزت العمليات استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” والقطع الحربية المرافقة لها في 18 عملية، بالإضافة إلى اشتباكات في عرض البحر الأحمر. كما تم تنفيذ 11 عملية نوعية ضد العمق الإسرائيلي المحتل عبر الصواريخ والطائرات المسيرة، منها 6 عمليات استهدفت مطار “بن غوريون”.
كما أسقطت القوات اليمنية 4 طائرات أمريكية من نوع “إم كيو-9″ و”جي إيه إن تشارك إف-360” اخترقت الأجواء اليمنية، ليصل إجمالي الطائرات الأمريكية من هذا النوع التي تم إسقاطها منذ بدء معركة “الفتح الموعود” إلى 19 طائرة.
وشملت الضربات اليمنية استهداف قاعدة جوية إسرائيلية شرق “أسدود” المحتلة، والمعروفة باسم “سوده ميخا”، وهي قاعدة صاروخية تحتوي على مخزون لبطاريات صواريخ “هيتس”. كما تمت عمليات استهداف ناجحة لأهداف عسكرية في “يافا” المحتلة، وإرباك الملاحة الجوية في مطار “بن غوريون”.
وتواصل القوات المسلحة اليمنية عملياتها العسكرية المتصلة رغم العدوان الأمريكي، في وقت يواصل العدو الإسرائيلي جرائمه بحق أهالي قطاع غزة.
إحصائية عمليات القوات المسلحة اليمنية خلال شهر من العدوان الأمريكي
نوع العملية | عدد العمليات | الأهداف | ملاحظات |
---|---|---|---|
استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” | 18 | حاملة الطائرات والقطع الحربية المرافقة | استخدام صواريخ باليستية و”المجنون” |
ضرب العمق الإسرائيلي | 11 | أهداف داخل الأراضي المحتلة (بما في ذلك مطار “بن غوريون”) | 6 عمليات ضد المطار، استخدام الطائرات المسيرة |
إسقاط الطائرات الأمريكية | 4 | طائرات MQ-9 وGAIN CHARCK F-360 | وصول الإجمالي إلى 19 طائرة منذ “الفتح الموعود” |
استهداف القواعد العسكرية | 2 | قاعدة “سوده ميخا” وأهداف في “يافا” | تدمير مخزون صواريخ “هيتس” |
إرباك الملاحة الجوية | 1 | مطار “بن غوريون” | تعطيل الحركة الجوية (18 مارس) |
- جميع الأسلحة المستخدمة محلية الصنع
- العمليات مستمرة لدعم غزة وكسر الحصار
تراكم النتائج العكسية للعدوان على اليمن.. القاذفات الشبحية تنضمُّ إلى فضيحة انهيار الردع الأمريكي
لا تزال أصداءُ الفشل الأمريكي في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية لغزة، تتسعُ بعد مرور شهر كامل على بدء العدوان الذي شنته إدارة ترامب في منتصف مارس الماضي، توازيًا مع استئناف الإبادة الجماعية في غزة، حَيثُ أكّـدت تقارير أمريكية جديدة أن واشنطن لم تفشل فحسب في تحقيق أهدافها العملياتية التي تحولت إلى آمال تستنزف الموارد العسكرية بلا طائل، بل فشلت حتى في تحقيق الأهداف الاستعراضية من خلال حشد أساطيلها وقاذفاتها الشبحية؛ الأمر الذي يجعل الإخفاقَ أشدَّ تأثيرًا.
الفشل العملياتي يغذي مخاوف استنزاف الموارد:
نشرت مجلة “أمريكان كونسيرفاتيف” الأمريكية، اليوم الأربعاء، تقريرًا جديدًا سلطت فيه الضوء على المخاوف المُستمرّة من استنزاف موارد الجيش الأمريكي في العدوان على اليمن، بدون تحقيق أية نتائج، وخُصُوصًا الصواريخ والذخائر التي يصعُبُ تجديدُ مخزوناتها بسرعة؟؛ الأمر الذي يشير إلى أن استمرار العدوان بات يشكّل ضغطًا متزايدًا على واشنطن نفسها.
ووَفقًا للمجلة فقد “بات واضحًا أن الولايات المتحدة تستخدم صواريخها وتنفقها بوتيرة أسرع من قدرتها على إنتاجها” وعن المحلل الدفاعي مايكل فريدنبرغ، قوله: إنه بسَببِ ذلك فَــإنَّ “الولايات المتحدة بعيدة كُـلّ البُعد عن الاستعداد للانخراط بثقة في صراع مباشر مستدام مع منافس مثل الصين”.
وذكّرت المجلة بأن إدارة بايدن خلال محاولتها إيقافَ الحصار البحري على الملاحة الصهيونية “أنفقت من الصواريخ والذخيرة أكثر مما تم استخدامه في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية”، بما في ذلك أكثر من 3 % من ترسانة صواريخ (توماهوك) الأمريكية، وَفقًا للباحث جيم فين من مؤسّسة هيريتيج البحثية.
وقال فين: “في أية حرب ضد الصين، تُعد هذه الذخائر بالغة الأهميّة” مُشيرًا إلى أن اليمنيين “أثبتوا أنهم يُشكلون مشكلة مُلحة للولايات المتحدة وحلفائها، وَإذَا تطلب الأمر مئات الصواريخ لصد هجماتهم – بنجاح محدود – فسيتطلب الأمر المزيد لمواجهة التهديد الصيني” مُشيرًا إلى أن “المشكلة ستكون أخف لو كانت الولايات المتحدة تقوم بتجديد مخزوناتها من الذخائر المكلفة في الوقت المناسب، لكنها لا تفعل ذلك” حسب قوله.
ونقلت المجلة عن دان جرازيير، مدير برنامج إصلاح الأمن القومي في مركز “ستيمسون” الأمريكي للأبحاث، قوله: إن محاربة اليمن بترسانة تبلغ قيمتها تريليون دولار يشكِّلُ “حماقةً استراتيجيةً وهدرًا للموارد” معتبرًا أن هذه المشكلة أكبر في نظره من مشكلة الاستعداد للصراع مع الصين.
وقال جرازيير: “ننفق ثروةً على بناء قوةٍ لأسوأ الاحتمالات، فنحصل على جيشٍ ضخمٍ مُنتفخٍ بكل هذه الأسلحة المتطورة التي تكلف ثروةً طائلة ولا تعمل بالكفاءة التي توقعها أحد، ولكن ينتهي بنا الأمر إلى خوض سيناريو أقل شدةً بكثير مما خططنا له.. فهناك تفاوتٌ ماليٌّ كبير، حَيثُ نرسل صاروخًا بقيمة مليونَي دولار لهزيمة طائرةٍ مُسيّرةٍ بقيمة ألف دولار، وهذا أمرٌ مُثيرٌ للسخرية”.
وخَلُصَت المجلة إلى أنه، في ظل هذه المخاوف فَــإنَّ “ما يفعلُه الجيشُ الأمريكي في البحر الأحمر الآن ليس ذكيًّا على الإطلاق”.
وكما يتضحُ من خلال تقرير المجلة الأمريكية فَــإنَّ المخاوف بشأن استنزاف موارد الجيش الأمريكي لا تتمحور فقط حول ارتفاعِ التكاليف وعدمِ القدرة على تجديد المخزونات، بل يعتبر العامل الأَسَاسي في هذه المخاوف هو عدم تحقيق أية إنجازات عملياتية؛ لأَنَّ ذلك يعني استمرارَ العدوان لفترة أطولَ، وبالتالي استهلاك المزيد من الذخائر بلا طائل.
ومن خلال استمرار التعبير بصراحة عن المخاوف، يتضح أن دعايات إدارة ترامب حول تحقيق إنجازات مزيَّفة في اليمن، لا تحظَى بأي تصديق داخلَ الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن استمرارَ العدوان سيشكِّلُ ضغطًا متزايدًا على واشنطن نفسها، بدلًا عن الضغطِ على صنعاء والقوات المسلحة اليمنية؛ لأَنَّ تزايُدَ الانتقادات وانكشاف التكاليف الهائلة (التي بلغت أكثرَ من مليار دولار في أَقَلَّ من ثلاثة أسابيعَ) سيُجبِرُ الإدارَةَ الأمريكية على تقديم إجابات، ولن تكون إجاباتٍ مقنعةً؛ لأَنَّها لا تنطوي على تحقيق الأهداف المعلَنة.
وقد عبرت تقارير أمريكية نشرتها مجلتا “ناشيونال إنترست” و”اتلانتك” الأمريكيتان مؤخّرًا عن مخاوفَ صريحة من تحول العدوان الأمريكي على اليمن إلى “فضيحة” وإلى “نكسة جديدة” تشبه ما حصل في أفغانستان؛ بسَببِ غياب الإنجازات مع تراكم التكاليف والخسائر وإنهاك القوات الأمريكية.
القاذفات الشبحية تنضمُّ إلى حاملات الطائرات في فضيحة سقوط الردع الأمريكي:
والحقيقةُ أن ملامحَ هذه “الفضيحة” وَ”النكسة” قد برزت فِعْلًا، من خلال هزيمة البحرية الأمريكية في الجولة السابقة أمام اليمن، لكنها تزايدت الآن مع محاولة إدارة ترامب ترميمَ تلك الهزيمة، حَيثُ انضمَّت قاذفاتُ الشبح (بي-2) إلى حاملات الطائرات والسفن الحربية في قصة سقوط الردع الأمريكي أمام اليمن، وفتح الفشل الجديد البابَ أمام مناقشات غير مسبوقة بشأن فعالية القاذفات الشبحية، مثلما فتح الفشلُ السابقُ بابَ الحديث عن انتهاء عصر حاملات الطائرات.
وقالت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أمس الثلاثاء: إن “إرسالَ سِتِّ قاذفات (بي -2) إلى قاعدة “دييغو غارسيا” في المحيط الهندي واستخدامها في العدوان على اليمن، كاستعراض للقوة، فشل في إيصال رسائل “الردع” التي أرادت إدارةُ ترامب توجيهَها لصنعاء”، مشيرة إلى أن “الحقيقَة الثابتة هي أنه بعد أكثرَ من عام ونصف عام من التدخل البحري الأمريكي، لا يزال اليمنيون أقوياء” الأمر الذي يجعلُ وجودَ القاذفات الشبحية “مُجَـرّدَ فرصة باهظة الثمن لالتقاط الصور” حسب تعبير المجلة التي أضافت أَيْـضًا أن “الأمرَ أشبهُ بوجود هذه القاذفات في متحف؛ لأن الرسالة لم تصل”.
ويشكِّلُ هذا التناولُ نتيجةً عكسيةً مهمةً للعدوان الأمريكي الجديد الذي كان من أهدافه إعادةُ ترميم سُمعة البحرية الأمريكية وحاملات الطائرات التي انهارت سُمعتها خلال العام الماضي، وهو ما يعني أن إدارةَ ترامب لم تستطع فعلًا الخروجَ من المأزِق الذي عاشته سابقتها بل إنها تساهمُ في توسيعِ ذلك المأزِق وتداعياته بشكل أكبر، حَيثُ يشكّل سقوطُ هيبة القاذفات الشبحية ضربةً مهمةً لن يمر وقتٌ طويلٌ قبل أن يبدأ المحللون الأمريكيون بالحديث بصراحة عن خطر استفادة خصومِ الولايات المتحدة منها؛ الأمر الذي يؤكّـد أن العدوانَ على اليمن يتحول بالفعل إلى “فضيحة” و”نكسة” تأريخيةٍ لأمريكا.
اليمن وكسر أسطورة الهيمنة الأمريكية: من الدفاع عن فلسطين إلى إعادة تشكيل موازين القوى العالمية
في زمنٍ ظنّ الكثيرون أن الهيمنة الأمريكية قدرٌ لا يُردّ، وأن التحدي العسكري لواشنطن وحلفائها ضربٌ من الخيال، خرج اليمن ليُعيد كتابة قواعد اللعبة. لم تكن العمليات العسكرية اليمنية مجرد ضربات موجعة للكيان الصهيوني في عمق وجوده، ولا مجرد تحدي للسياسات الأمريكية في المنطقة، بل كانت ثورةً على “المسلمات” الاستعمارية التي كرّستها عقود من البروباغندا والترهيب. لقد كسر اليمن حاجز الخوف، ودحض خرافة التفوق الغربي المطلق، وكشف أن القوة الأمريكية ليست سوى “عملاق من ورق” يُمكن اختراقه بإرادة شعوب تؤمن بعدالة قضيتها.
هذه المقالة تتتبع كيف تحوّل اليمن من دولة تُوصف بـ”الأضعف” في المنطقة إلى لاعبٍ رئيسي يُعيد رسم خريطة الصراع، ليس فقط عبر مواجهته العسكرية غير المسبوقة، بل أيضاً بإسقاطه الأيديولوجي للخطاب الاستعماري الذي ظلّ يروّج لاستحالة المقاومة. كما تتناول تناقض النخب العربية التي استسلمت للتماهي مع الثقافة الغربية، بينما يقف اليمن وحده كحارسٍ للقيم الإنسانية والأخلاقية في مواجهة آلة القتل الصهيونية.
من حصار البحر الأحمر إلى إرباك الأساطيل الأمريكية، ومن فضح زيف “النظام العالمي” إلى كشف تواطؤ الأنظمة العربية، يظهر اليمن كقوةٍ غيرت المعادلة ليس بالسلاح فحسب، بل بإثباتها أن الأمة قادرة على صنع نصرها حين تتخلى عن عقدة الخوف وتستعيد ثقتها بنفسها. فكيف نجح اليمن في تحويل نفسه من ساحة حربٍ مُهمّشة إلى فاعلٍ جيوسياسي يُحسب له ألف حساب؟ وما الذي يعنيه صمود اليمن لمستقبل الصراع مع المشروع الصهيوني؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه
لم تكن العمليات اليمنية -فقط- ضرب العدو الإسرائيلي في عُقر كيانه، وليس -فقط- إنهاء حقبة الهيمنة الأمريكية، وإنما أيضا كسر التوقعات، وإثبات الجدارة، وكشف حقيقة العدو. فمنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم يجرؤ ولم يتوقع أحد أن يكون هناك من سيواجه أمريكا بالتصريحات فما بالك بالمواجهة العسكرية، وفي مسألة ليست ثانوية وإنما مسألة تعتبرها واشنطن مصيرية، وهي التي تعني هيبتها وهيمنتها، وتعني الكيان الإسرائيلي مندوبها في المنطقة العربية، ومصالحها في المنطقة.
اليمن يتجاوز “البروبجاندا” والتهويل
بمواجهته الكائن الأكبر في الإجرام والنهب وإزعاج استقرار الشعوب. أثبت اليمن بأن القوة الأمريكية ليست أكثر من عُقدة زرعتها المخططات الاستعمارية في قناعات العالم لتثبيطهم عن قتالها، ضف إليه الكثير من ادعاءات الطفرة العلمية التي تفوق الخيال بما يجعل من أمريكا كائناً استثنائياً، ومتفوقاً على الجميع، حتى الكائنات الفضائية لم تكن تحط إلا في الأراضي الأمريكية، وهو من الادعاءات التي يدحظها العجز عن نشر صور كافية ثابتة ومتحركة لهذه الكائنات. وفي كل الأحوال كان اليمن البلد الوحيد الذي تجاوز “بروبجاندا” التهويل، وعُقدة التفوق الأمريكي، ووقف قولا وفعلا في مواجهة الأمريكان والصهاينة عندما تطور الأمر للاستفراد بشعب مسلم هو الشعب الفلسطيني، وعندما أصبح الأمر هو الدفاع عن السيادة الوطنية من انتهاكات الدولة المارقة وقصفها الأعيان المدنية في اعتداء سافر.
الموقف الذي لفت أنظار العالم
ومن وراء المحيطات تواترت الأصوات، تُقر وتثني على اليمن، أولا لوقفته الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني الذي تتم إبادته ببطء، وثانيا لشجاعته في الوقوف في وجه أعتى جبابرة وبلاطجة العصر، أمريكا والكيان الصهيوني، وثالثا لقدرته فعليا على التأثير، إذ فرض حصارا بحريا خانقا على كيان العدو الإسرائيلي، وأربك وهدد وضرب البحرية الأمريكية، وأدخل الإدارة الأمريكية بمؤسساتها العسكرية والسياسية في حسابات يائسة تدفعها باستمرار لإخراج المخزون الاستراتيجي من الأسلحة، فضلا عن تسبُب الزلزال اليمني في تآكل هيبتها التي بنتها على مدى عقود بممارسة صنوف الإجرام.
بالتوازي أيضا، كانت الأصوات الأجنبية وهي تشيد بالموقف اليمني، تستهجن وتستنكر على العرب والمسلمين هذه السلبية المقيتة في تسجيل أي موقف يعبر عن واحدية الانتماء للعروبة والإسلام واللغة والتاريخ المشترك.
ثم في المقابل، لا تزال أنكر الأصوات تستنكر فعل اليمن الإنساني، وهي الأصوات التي ظلت دائما تجلد ذاتها بالتهكم على الواقع العربي الغارق في الخنوع والضعف عن مواجهة أعداء الأمة، وهي الأصوات التي كانت تتغنى بالقضية الفلسطينية، وبرموز القومية العربية، وتتحسّر على خلو الساحات من أي تحرك يعيد للأمة أمجادها أو على الأقل يضع حدا لهذا الانحدار الذي جعل منها أرضا وشعوبا، مستباحة للقوى الإمبريالية، وأعجزها عن الانتصار للمقدسات الإسلامية، وللقضية التي عرّت زيف كل الشعارات والمواثيق القائمة على مبادئ الحرية والقيم الإنسانية.
عندما تماهت النُخب العربية مع الثقافة الغربية
لم تكتفِ أنكر الأصوات بالإساءة إلى القومية العربية والانتماء الإسلامي لدى الآخرين بهذه السلبية، ولكنها ذهبت إلى نقد أي تحرك عربي يرفع راية الحقوق قولا وفعلا.
في منتصف الخمسينيات والستينيات بلغ الشعور القومي العربي أوجّه، ثم بدأ هذا الشعور بالانحدار، وتراجَع زخمه من بعد (1967م)، ولم يدفع مرور عقود إلى الوقوف لمراجعة هذا المآل البائس، وعلى العكس من ذلك ظهر من يدافع ويجعل من التماهي مع ثقافة الخنوع فعلا حضاريا، يؤهل كي نكون كالمجتمعات الغربية.
الشعور بحجم هذه المشكلة يتعاظم مع إدراك أن أجيالا جديدة تلد على واقع مسلوب من الإرادة ومن القرار، وعلى واجهات ونُخب وأنظمة تتحرك في فلك “أمريكا” وتعمل في حب “إسرائيل”، تنكرت لمبادئها، وبدأت تنظر للعالم بالعين الغربية، وتحاول محاكاة ثقافة الآخر بكل تفاصيلها حتى ذابت الهوية العربية، وتلاشت مقولات “الهم العربي المشترك” و”بلاد العرب أوطاني”، وبلغ الأمر حد النظر إلى مسألة الهوية والقومية كنوع من التخلف، والتنكر للقضية العربية وتبني طرح الأعداء الذي لا يعترف للفلسطينيين بوطن أو هوية.
يقول الكاتب الغربي الدكتور حذيفة المشهداني “كنا أغبياء نهتف طيلة مئة عام بتحرير الأقصى، كنا نهتف للجيوش، واكتشفنا أنها مجرد قطعان من المافيات تحمي حدود الصهاينة”.
ذهب الأمر أيضا إلى معاداة أي صوت أو تحرك يهدف إلى استنهاض الأمة ضد محاولات السلب ومصادرة الحقوق، وبتنا نرى ونسمع من يناهض مقاومة الاحتلال، ومن يعترض على عمليات الإسناد اليمنية لأهالي غزة الذين حاصرهم العدو بآلة القتل والجوع.
ويحدث هذا رغم أن المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة قد أسقط وبكل جدارة النظرية الأمنية الإسرائيلية، ورغم أن دولا عديدة في العالم غير عربية وغير إسلامية قطعت علاقاتها بالكيان الإسرائيلي أو علّقتها وسحبت سفراءها، كما فعلت بوليفيا وكولومبيا وتشيلي والبرازيل وجنوب إفريقيا ونيكاراجوا وغيرها، فضلا عن ساحات عالمية لا تهدأ رفضا لهذا الانتهاك السافر للحقوق الإنسانية في غزة، إلا أن نُخبنا السياسية العربية ترى في الفعل المقاوم عملا عنيفا يزعزع الأمن والاستقرار.
شواهد من التنكُّر للقيم الإنسانية
بشاعة الجرائم الإسرائيلية باتت تفرض على الجميع التحرك انتصارا للإنسان وللقيم، لأنها تعني كل المجتمع البشري، والسكوت على توجهات ترامب ونتنياهو سيقود إلى وصول المد العبثي إلى الجميع.
تنقل صحيفة “الغارديان” البريطانية عن مصدر استخباراتي عسكري رفيع، قوله: إن الوحدة العسكرية المتورطة في قتل 15 مسعفا وعامل إنقاذ فلسطينيا في رفح كانت تحت قيادة جنرال إسرائيلي سيئ السمعة، سبق أن اتهمه بعض جنوده بـ”ازدراء الحياة البشرية”، فيما تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية، بكل بجاحه، أن المساعدات الإنسانية ستتدفق إلى قطاع غزة في حال أقدمت حركة حماس على نزع سلاحها وأطلقت سراح الرهائن الصهاينة.
في هذا الوقت يتحدث مراسل قناة “i24NEWS “الصهيونية بأن: تركيا وقطر تقودان عملية لنقل سكان غزة إلى مخيمات اللاجئين في شمال سوريا، مقابل حصول الإدارة السورية الجديدة على اعتراف دبلوماسي. من جانب آخر اتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة العدوَ الصهيوني بمواصلة جريمة التعطيش الممنهجة بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، وأنه يحوّل المياه إلى أداة إبادة جماعية وسلاح قتل بطيء.
وكل تلك ماهي إلا ملامح لشكل الانتهاك لحق الحياة، يمارسها رائدا الفوضى في العالم “ترامب ونتنياهو”، كما أنها شواهد على الخطر المحدق بالحياة البشرية على الأرض.
اليمن حين صنع فارقا أذهل الجميع
مع شروع العدو الإسرائيلي في جريمة الإبادة الجماعية ضد أبناء غزة، اتخذ اليمن الموقف المعبر عن تمسكه بالقيم والثوابت الدينية والأخلاقية والإنسانية، فجاءت عملياته مؤلمة للصهاينة والمتصهينين، لإحباطها المخططات الهادفة إلى فرض الهيمنة الكاملة على الأمة، انطلق اليمن وصنع فارقا أذهل الجميع وبات يواجه أعتى إرهابيي العالم، أمريكا و”إسرائيل”، لا يحيد عن موقفه ولا يتنازل عن ثوابته، فأكد أنه بمقدور الأمة أن يكون لها الصوت الأقوى واليد الأعلى إن هي شدت العزم وتوكلت على الله وعملت بالأسباب. يقول السيد القائد: الخيار في اليمن مختلف، الخيار هنا قرآني إيماني إنساني، خيار الشرف والإيمان.
نجح اليمن العظيم في تقزيم القوة الأمريكية وإظهارها كقوة بطش تمارس البلطجة ونهب العالم بقوة السلاح، كما نجح في تعرية زيف الأقاويل التي ظلت القوى الإمبريالية تُخدر بها دول العالم الثالث، وتتخذ منها منصات لاستهداف من يخالفها، بدواعي الانتهاك وعدم احترام حقوق الإنسان.