في ظلِّ مشهدٍ دمويٍّ يُرسم بدماء المدنيين، تندفع سوريا نحو هاويةٍ جديدة من العنف الطائفي المُمنهج، حيث تُكشف الصور المُروِّعة عن تدنيسٍ صارخ لحرمة الحياة البشرية. فالأيام الأخيرة شهدت تصاعداً مفزعاً لأعمال القتل خارج إطار القانون، نفّذتها عناصر مسلحة تُحسب على السلطة الجديدة، بدعمٍ واضح من قوات الأمن التابعة لها، مستهدفةً بشكلٍ رئيسي أبناء الطائفة العلوية في ريف اللاذقية وحمص وحماة
هذه المذابح، التي بدأت في السادس من آذار/مارس، لم تكن مجرد “تجاوزات فردية” كما حاولت السلطة المؤقتة تبريرها، بل حملت بصمات عملية إقصاءٍ طائفيٍ مُمنهج، يعيد إنتاج ثقافة الانتقام التي غذّتها عقود من الاستبداد.
الأحداث لم تكشف فقط عن هشاشة البنية الأمنية للسلطة المؤقتة، التي فشلت في حماية المدنيين أو محاسبة الجناة، بل كشفت أيضاً عن اختلالات عميقة في المشهد السياسي السوري. فغياب الحوار الوطني الحقيقي، واستبعاد مكوناتٍ أساسية مثل العلويين والدروز والأكراد من مفاوضات المرحلة الانتقالية، حوّل البلاد إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لتصفية الحسابات الطائفية، تحت غطاء “محاربة فلول النظام السابق”. هنا، يتحوّل الخطاب السياسي إلى سلاحٍ ذي حدين: يُشرعن العنف ضد الأقليات، ويُعمّق الانقسامات المجتمعية التي تُغذيها جماعات متطرفة، مثل “هيئة تحرير الشام”، التي لا تزال تهيمن على دوائر صنع القرار.
في خضمِّ هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي، تطفو على السطح تساؤلاتٌ مُلحّة عن مصير الدولة السورية وهويّتها التعدّدية. فالصور المُسربة لعمليات الإعدام الجماعي، وسحب الجثث بالجرافات، وتجاهل السلطة لنداءات الضحايا، لم تعد قضيةً محليةً فحسب، بل تحوّلت إلى جرس إنذارٍ دولي. تصريحات الغرب الداعية إلى تحقيقاتٍ مستقلة، والمطالبات المتزايدة بحماية دولية للأقليات، تُشير إلى أن الأزمة السورية قد تجاوزت حدود الجغرافيا، لتصبح اختباراً لإرادة المجتمع الدولي في مواجهة جرائم الإبادة الطائفية. فهل تكون هذه المذابح نقطة التحوّل التي تُعيد سوريا من حافة الهاوية، أم ستكون فصلاً آخر في سردية الانهيار التي لا تنتهي؟
الإبادة الجماعية: جريمة دولية موثقة
ووفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، تُعرَّف الإبادة الجماعية بأنها أي فعل يُرتكب بقصد تدمير مجموعة قومية أو عرقية أو دينية كلياً أو جزئياً، وتشمل:
القتل الجماعي واستهداف أفراد المجموعة بشكل مباشر.
إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأفراد المجموعة.
فرض ظروف معيشية قاسية تؤدي إلى القضاء عليهم تدريجياً.
منع التناسل داخل المجموعة عبر العنف الجنسي أو التهجير القسري.
نقل الأطفال قسراً إلى جماعات أخرى بهدف طمس هويتهم.
ما يحدث الآن في سوريا، من مجازر جماعية واستهداف مبرمج للمدنيين العلويين والشيعة والمسيحيين ، يُشكِّل إبادة جماعية بكل المقاييس القانونية، حيث لا تقتصر عمليات الإبادة على القتل المباشر، بل تشمل محاولات ممنهجة لمسح الهوية الثقافية والدينية للأقليات.
التطهير العرقي: سياسة متعمدة أم فوضى الحرب؟
التطهير العرقي هو “إزالة مجموعة عرقية أو دينية من منطقة جغرافية محددة بوسائل العنف والإرهاب”، وهو ما يحدث الآن بشكل واضح في بعض المناطق السورية، حيث يتم تهجير الأقليات قسراً واستبدالهم بسكان جدد في إطار عملية إعادة هندسة ديموغرافية تهدف إلى فرض واقع طائفي جديد.
التهجير القسري للعلويين من بعض المناطق، وعمليات القتل العشوائي التي تستهدفهم، والاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم، ليست مجرد نتائج جانبية للحرب، بل هي سياسة ممنهجة تستهدف وجودهم بشكل مباشر.
جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية: انتهاكات بلا محاسبة
وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن جرائم الحرب تشمل:
القتل العمد والتصفية الميدانية للمدنيين.
التعذيب والمعاملة اللاإنسانية بحق الأسرى والمعتقلين.
استهداف التجمعات السكانية بالقصف العشوائي.
نهب الممتلكات وتدميرها دون مبرر عسكري.
الجرائم ضد الإنسانية
تشمل أي هجمات ممنهجة ضد السكان المدنيين، بغض النظر عن وجود نزاع مسلح.. ما نشهده اليوم في سوريا، من مجازر، وتهجير قسري، وتعذيب، وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين العزل، يضع هذه الجرائم في إطار قانوني واضح يجعل مرتكبيها خاضعين للمحاسبة أمام المحاكم الدولية.
الصمت الدولي: تواطؤ غير معلن؟
رغم الأدلة الدامغة، لم يتحرك المجتمع الدولي ولا المنظمات الدولية بشكل جاد، واكتفت بعض الدول بإصدار بيانات إدانة عامة دون اتخاذ إجراءات فعلية. هذا التجاهل الدولي لا يشجع فقط على استمرار العنف، بل يبعث برسالة خطيرة مفادها أن قتل الأقليات في سوريا يمكن أن يتم دون أي عواقب.
دعوات للتحرك العاجل
في ظل هذه الجرائم، يطالب الناشطون الحقوقيون والمجتمع المدني بـ:
فتح تحقيق دولي مستقل في المجازر الأخيرة.
فرض عقوبات على الأطراف المتورطة في عمليات الإبادة والتطهير العرقي.
ضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.
إحالة الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عنها.
هل يتحرك العالم قبل فوات الأوان؟
ما يحدث في سوريا ليس مجرد شبه حرب أهلية تستقوي فيها االكثرية على الاقلية، بل هو إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب ضد الإنسانية، يتم تنفيذها وسط تخاذل عالمي غير مبرر. استمرار تجاهل هذه الجرائم سيجعلها نقطة سوداء في تاريخ المجتمع الدولي، وسيترك تداعيات خطيرة على مستقبل حقوق الإنسان والعدالة الدولية. ويهدد الامن والاستقرار ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة ككل.
المطلوب تحرك فوري وقوي، لا يقتصر على التصريحات، بل يشمل إجراءات ملموسة لحماية الأقليات ومنع تكرار مثل هذه المجازر، وإلا فإن التاريخ سيحكم بقسوة على هذا الصمت المريب.
يعيش أبناء الساحل السوري ظروفاً لا إنسانية، في ظلّ انقطاع الكهرباء والمياه في اللاذقية وبانياس، وبدء نفاد المؤن و أمّا العائلات التي هربت إلى الجبال والبراري، فليس لديها طعام أو مياه، ولا سقف يقيها القصف المدفعي الذي بات هاجساً يضاف إلى خشية هؤلاء من وصول الفصائل المتشدّدة إليهم.
ومنذ بدء شلال الدم، تلتحف عائلة أبو مهند، والتي تنحدر من قرية البهلولية، أشجار البراري بين الجبال، بعدما فرّ أفرادها من منزلهم، «خوفاً من التنكيل بهم، وحيث رائحة الموت في كل مكان». ويعيش أبناء الساحل ظروفاً لا إنسانية، في ظلّ انقطاع الكهرباء والمياه ضمن اللاذقية وبانياس، وبدء نفاد المؤن. أمّا العائلات التي هربت إلى الجبال والبراري، فليس لديها طعام أو مياه، ولا سقف يقيها القصف المدفعي الذي بات هاجساً يضاف إلى خشية هؤلاء من وصول الفصائل المتشدّدة إليهم.
واستباحت الفصائل المسلحة قرى ريف بانياس والقدموس بعد انسحابها من بانياس. وأكّد مصدر محلي في قرية حمام واصل، لجريدة «الأخبار»، أن القرية أُحرقت ونُهبت بالكامل، فيما عدد الناجين منها يكاد يُعدّ على أصابع اليد. وأشار المصدر إلى أن الهجوم على القرية بدأ مع دخول أرتال من آليات عسكرية وسيارات بيك آب، بالتزامن مع إطلاق نار عشوائي من الرشاشات. وفي هذه الأثناء، بدأت بعض العائلات الفرار في اتّجاه الجبل، فيما من بقي قُتل داخل منزله، بحسب المصدر الذي رجّح أن تكون الفصائل قد أحرقت المنازل بعد قتل مَن فيها، كما فعلت بعدد من المنازل والمحالّ في مدينة بانياس.
وقالت سالي، وهي ناجية من المجازر، لـ«الأخبار»، إن العناصر الذين اقتحموا منزلهم يتكلّمون لغة عربية فصيحة، ويبدو أنهم ليسوا سوريين، لافتةً إلى أن عناصر من الأمن العام السوري أخرجوهم من المكان الذي لجأوا إليه بعد اقتحام الفصائل المسلحة منزلهم. واستذكرت سالي، خلال حديثها إلى «الأخبار»، أول جملة قيلت لعائلتها لدى دخول المسلحين إلى المنزل: «بالذبح جيناكم». وتابعت: «سألوا العائلة بدايةً عن طائفتها، ثم عن وجود البنزين، والسبب، بحسب ما قال أحد العناصر، بلهجة غير سورية: كي نحرقكم». وبعد توسّل العائلة، اكتفى هؤلاء بسرقة سوار والدتها وبعض المال وقطع الأثاث من المنزل وهواتف محمولة، وغادروا وتوعّدوا بالعودة مساءً. وقالت: «نحن مدنيون عُزّل، لا سلاح لدينا ولسنا فلول النظام السابق، كل المجازر التي ارتُكبت هي بحقّ المدنيين».
من جهته، لفت الشاب محمد، وهو من حي العسالية في جبلة، إلى أن الفصائل المسلحة التي دخلت الحي كانت ترفع أعلاماً ورايات مختلفة، بعضها تشبه تلك التي يحملها تنظيم «داعش». وقال، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الفصائل عمدت إلى قتل البشر والشجر وحرق كل شيء أمامها وسرقة المنازل والمحالّ والسيارات»، مشيراً إلى وجود مئات الجثث في الشوارع المنكّل بها بأبشع الطرق. وقالت نُعمة من قرية صنوبر، بدورها، لـ«الأخبار»، إن «كل رجال الضيعة تمّت إبادتهم بالكامل، لم يبق فيها سوى النساء ولا قدرة لهن على دفن جثامين أبنائهن».
ووفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن عدد ضحايا المجازر بلغ 1311 (بينهم 830 مدنياً)، فيما أكدت المصادر المحلية التي تواصلت معها «الأخبار» من مختلف قرى ومدن الساحل السوري على مدار ثلاثة أيام، أن الأعداد الحقيقية تتجاوز ذلك بكثير. وكان فريق من الأمم المتحدة دخل مساء إلى جبلة، وجال في أحيائها، من دون أن يلتقي مع أيّ من الأهالي فيها، بحسب ما أفاد به مصدر محلي في المدينة، تحدّثت إليه «الأخبار»
المذابح الطائفية في سورية: تداعيات الأزمة السياسية والأمنية على مستقبل البلاد
شهدت سورية في الأيام الأخيرة أحداثاً دامية ومروعة، حيث قامت عناصر مسلحة محسوبة على السلطة الجديدة غير الشرعية بارتكاب مذابح طائفية أدت إلى سقوط مئات الضحايا، إن لم يكن آلافاً. هذه الأحداث، التي بدأت يوم الخميس الماضي (6 آذار/مارس)، كشفت عن عمق الأزمة السياسية والأمنية التي تعاني منها البلاد بعد سقوط النظام السابق. بينما تنأى السلطة بنفسها عن هذه الأعمال، متهمة “عناصر ليس لها مهام عمل”، تشير الأدلة المصورة إلى مشاركة قوات الأمن في عمليات إعدام مدنيين بشكل ممنهج.
تسلط هذه الأحداث الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه سورية، لا سيما في ظل غياب الحوار السياسي الحقيقي وانتشار الخطاب الطائفي الانتقامي. كما تكشف عن هشاشة البنية الأمنية للسلطة المؤقتة، التي فشلت في وقف المذابح أو تقديم ضمانات حقيقية لحماية الأقليات، خاصة الطائفة العلوية التي تعرضت لعمليات إقصاء وتصفية جسدية واسعة النطاق.
في هذا السياق، تبرز تساؤلات حول مستقبل سورية في ظل تصاعد العنف الطائفي وغياب الإرادة السياسية لإيجاد حلول شاملة تعيد الاستقرار إلى البلاد. كما تثير هذه الأحداث مخاوف من تداعيات إقليمية ودولية، خاصة مع تصاعد المطالبات بحماية دولية للأقليات وتعزيز النفوذ الخارجي في المنطقة.
تكشّفت أحداث سورية التي بدأت الخميس الماضي (6 أذار الجاري) عن مذابح مروعة قامت بها عناصر مسلحة محسوبة على السلطة الجديدة غير الشرعية، وأدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا يتراوح بين مئات وعدة آلاف. ونأت السلطة بنفسها عن هذه الأحداث معتبرة أنها تمت من جانب “عناصر ليس لها مهام عمل”. لكن العديد من صور الفيديو تُظهر أن قوات الأمن كانت مشاركة في هذه العملية التي تخللتها عمليات إعدام بحق المدنيين.
وتشير هذه الأحداث إلى عظم التحديات التي تواجه سورية بعد سقوط النظام السابق. وبينما تعزو السلطة الجديدة جذور اندلاع المواجهات الأخيرة إلى “فلول النظام السابق”، فإن العديد من المؤشرات تفيد بأن المشكلة الأساسية تكمن في سببين مهمين: إقصاء سياسي، وانتقامي طائفي.
غياب الحوار السياسي
لم تنطلق الأحداث الأخيرة من فراغ، إذ سبقتها مجموعة ممارسات بحق أبناء الطائفة العلوية، بعدما تم تحميلهم المسؤولية عن كل مساوئ النظام السابق. وجرت في مرحلة ما بعد سقوط النظام عمليات إقصاء من الوظائف العامة لآلاف الموظفين المدنيين، فضلاً عن حل أجهزة الأمن والجيش التي تضم الكثير من أبناء الطائفة، ما أوجد مشكلة اجتماعية حقيقية. فضلاً عن ذلك، قامت مجموعات مسلحة مؤيدة للسلطة الجديدة باستفزازات متكررة في مناطق الوجود العلوي.
وثمة مشكلة عامة تتمثل في إصرار السلطة المؤقتة التي يرأسها أحمد الشرع (أحمد الجولاني زعيم جبهة النصرة المصنفة سابقًا منظمة إرهابية) على رسم مستقبل سورية بشكل أحادي تقريباً. وعُقد الشهر الماضي على عجل “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في دمشق في محاولة لإرساء طابع وطني للقاءات التي تديرها السلطة المؤقتة، لكن غاب عن لجنته التحضيرية ممثلون عن الدروز أو العلويين وهما من الأقليات الكبيرة في سورية، إضافة الى “مجلس سوريا الديمقراطية” الذي يمثل الإدارة الذاتية الكردية، فيما اعتذر مدعوون آخرون عن الحضور بسبب توجيه الدعوة في آخر لحظة. علماً أن اللجنة التحضيرية ضمت خمسة أعضاء من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) أو محسوبين عليها من أصل سبعة أعضاء.
مذبحة
جاءت التطورات الأمنية يوم الخميس لتشكل ذروة التوتر السياسي ولتشير إلى هشاشة البنية الأمنية السياسية للسلطة المؤقتة. فبعد ساعات من انتشار صور قتلى العناصر الأمنية التابعين لها على مواقع التواصل، بدأ الحديث عن إرسال تعزيزات مؤازرة لها من فصائل مختلفة من محافظات عدة، وهي فصائل تعدّ ضمن الائتلاف العسكري للسلطة، ومشكلتها أنها تنظر إلى المجتمع العلوي من منطلق عقائدي طائفي وتعتبره كتلة واحدة مسؤولة عن أداء النظام السابق في العقود الماضية. وفي تسجيلات مصورة وزعتها بعض هذه الفصائل قبل التوجه إلى مسرح القتال، توعد المشاركون بقتال العلويين، من دون تمييز بين مقاتل ومدني أو بين متعاون مع السلطة الجديدة أو من هو على خلاف سياسي معها.
وبناء على ذلك، لم يكن مفاجئاً أن تقوم هذه العناصر بعمليات تصفية جسدية خارج إطار القانون لكل من هو علوي في ريفي اللاذقية وحماة ومدينة حمص، بعدما كانت تطرق أبواب المنازل وتستجوب ساكنيها حول هويتهم قبل الشروع بقتلهم بدم بارد. لكن المفاجئ أن الحملة اتخذت طابع القضاء على جميع الشباب والرجال، في ما لم يُعفِ مسلحون النساء في حوادث عدة. كما جرت عمليات سلب ونهب و”تعفيش” لحلي النساء والسيارات والمنازل والمحلات في هذه المناطق.
ولم يُلحظ أي دور يذكر للقوى الأمنية الجديدة (الأمن العام) في وقف هذه المذبحة التي وثقتها أشرطة فيديو سجّلها القتلة وقاموا ببثها لغاية المباهاة بالانتقام، ما ساعد على امتداد الأحداث لثلاثة أيام متتالية على الأقل. وتشير مصادر متابعة على الأرض إلى وقوع ألف قتيل مدني كحصيلة أولية، ولا تستبعد وصول العدد إلى أربعة آلاف نظراً إلى وجود عدد كبير من المفقودين، فيما سارعت السلطة الى إزالة الجثث المنتشرة في الشوارع بالجرافات، وفق ما أظهرت صور وُزعت على مواقع التواصل.
وحاول رئيس المرحلة الانتقالية في سورية أحمد الشرع استيعاب الموقف، بعدما وصلت صور المجازر المروعة إلى الخارج وصدرت مواقف غربية تدعو لتحقيق مستقل في ما جرى، فأعلن يوم الأحد تشكيل “لجنة وطنية مستقلة” للتحقيق في “أحداث الساحل السوري”. وقال بيان عنه إن اللجنة ستقوم بـ “الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت لوقوع هذه الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها، والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها”. وفي اعتراف بوقوع انتهاكات على يد عناصر رسمية، تعهّد الشرع بمحاسبة كل من “تورط في دماء المدنيين ومن تجاوز صلاحيات الدولة أو استغل السلطة لتحقيق مأربه الخاص”.
لكنَّ وصف ما جرى بأنه تجاوزات لا يعكس بدقة ما حصل على أرض الواقع، لناحية حجم الانتهاكات ورقعة انتشارها وعدد الضحايا. ويُعتقد أن ما جرى سيخلّف تبعات كبيرة على العلاقة بين السلطة المؤقتة من جهة والمجتمعات الأخرى التي امتنعت حتى الآن عن تقديم الولاء لها. ذلك أن أزمة الثقة قد تعاظمت خاصة في ضوء عدم قدرة السلطة المؤقتة على تقديم ضمانات سياسية لهذه المكونات وتقليل هيمنة “هيئة تحرير الشام” على المشهد السياسي السوري وإبعاد العناصر المتطرفة التي تقوم بأدوار أمنية تسيء إلى التنوع القائم في المجتمع السوري.
كما قد تعزز هذه الانتهاكات الجسيمة المطالبات بحماية دولية للأقليات، في ضوء سيادة خطاب التكفير لدى الجماعات المتشددة وتهديدها بالانتقام من الأقليات الدينية، ولا سيما الطائفة العلوية، محملين إياها وزر تجربة النظام السابق ومستعيدين أدبيات تاريخية طائفية ترفض الاعتراف بها أو التعايش معها. ويسهم هذا التمزق في تعزيز الحضور “الإسرائيلي” في سورية، والذي ينتعش الآن بذريعة حماية بعض الأقليات، مضافاً إلى عناوين أمنية.