الجسر البري (دبي- حيفا) يوسع دائرة الغضب في الأردن

تعتبر معركة “طُـوفان الأقصى” معركةَ وجود للفلسطينيين وللعدو “الإسرائيلي” على حَــدٍّ سواء، وكشفت هذه المعركةُ الوجهَ الحقيقيَّ للنظام الرسمي العربي والإسلامي، الذي أخذ معظمه جانب الحياد السلبي، وأخذت بعض الدول موقف المؤيد علناً أو ضمناً للعدو وللسياسة الأمريكية في المنطقة.

بــقــلــم ✍️ عبد القوي السباعي

طريق دعم احتلال الاسرائيلي

واتّخذت هذه الدول موقفاً يريحُ العدوّ ويجعله يتفرغ لمعركته مع المقاومة الفلسطينية، كما تعمل بكل جهدها على تعطيل أية محاولة إسنادٍ للمقاومة من محورها، ويبدو أن نفس هذا الموقف يتطابق مع المطالب الأمريكية؛ وهي جعل العدوّ “الإسرائيلي” متفرغاً فقط للتوحش على غزة.

ومن أكثر الدول المتورطة بما يمكن تسميته الدعم الحيوي لكيان العدوّ هي: الأردن والإمارات والبحرين ومصر وتركيا، غير أن اللافت في هذه الأدوار أنها متناغمة، ومن يطالع المواقف مثلاً “الأردنية والتركية”، “الإماراتية والمصرية” تجاه الاتّهامات التي توجّـه إليهم في الإعلام العربي والأجنبي؛ يجد أن أجهزة دعاية هذه الدول تنفذ ما يمكن تسميته بدعم إعلامي متقابل، حَيثُ تمتلئُ وسائل الإعلام الأردنية والتركية بمحتوى دعائي ضخم، يقوم بوظيفتين الأولى الدفاع عن النفس ونفي الاتّهامات بمساعدة العدوّ، والثانية تشاركية، حَيثُ تقوم وسائط الدعاية في تركيا بالدفاع عن الأردن، وكذلك تقوم وسائط الدعاية الأردنية، والأمر ينسحب كذلك على “مصر والإمارات”.

ومن خلال استقراء واستشراف مواقف واتّجاهات هذه الدول، يظهر لدينا تطابقاً ملفتاً في عددٍ من المؤشرات المرتبطة، التي تقود بالنهاية إلى نتيجةٍ موحدة؛ وهي أن أوضاعها متطابقة في كيفية التصرف مع معركة “طُـوفان الأقصى” ومن خلالها مع كيان العدوّ، وعليه فَــإنَّ دراسة الساحة الأردنية والإماراتية وتفاعلها مع المعركة ستؤدي بنا حتماً إلى نفس الخلاصة مع الأُخرى.

البري غضب دبي حيفا

دلائل التورط في تخفيف الضغط على كيان العدو:

مسألة إثبات مساهمة الأردن والإمارات والبحرين بدعم المجهود الاقتصادي والتجاري لكيان العدوّ “الإسرائيلي” مما يخفف عنه الضغوطَ التي ينفذها محور المقاومة، وعلى رأسها الإجراءات التي تقوم بها القوات المسلحة اليمنية في مضيق باب المندب ضد الملاحة البحرية الصهيونية، لا تحتاج إلى أدلة.

إذ تؤكّـد معظم وسائل الإعلام العالمية (bbc – euro newswashigton post- sky news)، على وجود خطاً برياً يبدأ من ميناء جبل علي في دبي ويمر عبر السعوديّة وعبر ثلاثة معابر في الأردن وينتهي في ميناء حيفا في فلسطين المحتلّة، استعاض به العدوّ مؤقتاً عن الخط البحري الذي يمر من مضيق باب المندب إلى موانئ العدوّ (عسقلان –أشدود –حيفا).

واللافت أن الإمارات والأردن تعاملتا مع هذا الخبر على أنه مُجَـرّد تسريبات لا أَسَاسَ لها من الصحة؛ حتى أغلقت الأجهزة الأمنية الأردنية، الجمعة، الطرق المؤدية إلى منطقة جسر الشيخ حسين المخصص لنقل البضائع إلى كيان العدوّ “الإسرائيلي”، وذلك في ظل الدعوات لإقامة فعالية احتجاجية قرب الحدود الأردنية الفلسطينية، وأظهرت صورٌ جرى تداولها، تكدس مئات المركبات على الطرق المؤدية إلى منطقة جسر الشيخ حسين.

وفي السياق، أشَارَت مصادرُ أردنية أن هذا الإجراءَ أظهر تخوفاً من قبل السلطات من “اتساع النقمة الشعبيّة على العدوّ الصهيوني وعلى النظام، بعد تزايد التأييد الشعبي الكبير للمقاومة”، وعلى الرغم من منع قوات الأمن الأردنية المتظاهرين من الوصول إلى منطقة جسر الشيخ حسين، إلا أن حشودًا كبيرة تجمعت في مناطقَ قريبة من الأغوار؛ لإقامة صلاة الجمعة، وفعالية التضامن مع غزة، ورفضًا لنقل البضائع إلى كيان الاحتلال.

وفي وقتٍ سابق، كانت الحركة الإسلامية والملتقى الوطني لدعم المقاومة في الأردن قد دعيا، إلى المشاركة في فعالية شعبيّة حاشدة “انتصارًا للمرابطين في غزة، في وجه حرب الإبادة ورفضًا لإقامة جسر بري يصل إلى الاحتلال”.

وأعلن نشطاءُ تنظيمهم للفعالية الحاشدةِ؛ تعبيراً عن التضامن مع أهل غزة، وللمطالبة بوقف العدوان الذي يشنه الاحتلال، مؤكّـدين رفضهم إقامة جسر بري يمرّ من خلال الأردن إلى كيان الاحتلال، في ظل الحرب الوحشية التي يتعرض لها قطاع غزة، وتداول النشطاء صوراً للحشود وهي تؤدي صلاة الجمعة، في المعبر.

محطاتٌ مهمةٌ في المشروع الجديد “الرديف”:

في الـ6 من ديسمبر 2023م، وبعد تفاقم أزمة النقل البحري في كيان العدوّ وقّعت شركة “تراكنت” “الإسرائيلية” اتّفاقية مع شركة “بيور ترانز” الإماراتية للخدمات اللوجستية ليبدآ تسييرَ الشاحنات المحملة بالبضائع من ميناء دبي مُرورًا بالأراضي السعوديّة ثم الأردنية، وُصُـولاً إلى ميناء حيفا في فلسطين المحتلّة.

وذكرت صحيفة “معاريف” العبرية، في عددها الصادر في اليوم نفسه، أنه في “ظل الحرب المُستمرّة على قطاع غزة، تم توقيع اتّفاق مع شركة “بيور ترانس” للخدمات اللوجستية التي تتخذُ من دولة الإمارات مقرًّا لها، والتي تعمل بالتعاون مع موانئ دبي العالمية، يتم بموجبه تشغيل جسر بري لنقل البضائع على طريق يربط دبي والمملكة العربية السعوديّة والأردن بميناء حيفا والعكس”.

وأضافت، “من المتوقع أن يوفر المعبر البري، الذي حصل على موافقة وزارة الدفاع والحكومة الإسرائيلية، 80٪ من الوقت على الطريق البحري، ويوفر بديلاً أسرع للمرور عبر قناة السويس، ويحقّق حلاً للمشاكل الأمنية عن طريق البحر، بسعر منافس.

ونوّهت الصحيفة، أنهُ “كجزءٍ من الاتّفاقية، سيتعاون الطرفان في مجال النقل البري للبضائع على طريق “الجسر البري”، بحيث يمكن لوكلاء الشحن ومقدمي خدمات النقل استخدام منصة “Trucknet” لتبسيط النقل على الطريق، ويهدف الجسر البري، إلى تجاوز التهديد بقطع الممرات الملاحية في الطريق إلى إسرائيل”.

بحسب التقرير الذي نشره موقعُ “واينت”، سيسمحُ الربطُ البري للشاحنات بنقل البضائع مع تقليل تكاليف النقل بشكل كبير وتقصير وقت نقل البضائع مقارنة بالوضع الحالي، ووفقًا لتقدير الموظفين في وزارة الخارجية والحكومة الأمريكية، فَــإنَّ هذا يتعلق بتقصير الوقت من عدة أسابيع إلى يومين أَو ثلاثة أَيَّـام وتوفير ما يصل إلى 20٪ في تكاليف الشحن.

دورُ “الخط البري” في فكِّ الحصار البحري اليمني عن العدوّ:

التسريعُ الهائلُ بعد العام 2021م، في تنفيذ مشروع “بوابة الأردن” المعلق منذ العام 1994م، الذي ضمنته ملحقات اتّفاقية وادي عربة بين الأردن وكيان العدوّ يمكن للعدو الاستفادة من تسهيلات المناطق الحرة التي بنتها الإمارات في الأردن وفلسطين المحتلّة لتنظيم سلس لعملية الترانزيت والتبادل التجاري “الإماراتي –الأردني –الصهيوني”، وقد بُنِي لهذا الهدف جسرٌ في شمال غور الأردن، فوق المنطقة الواقعة عند التقاء نهر الأردن ووادي شوباش، والذي يجري تطويره، حَيثُ من المتوقع أن يصلَ طوله إلى 352 متراً.

ولفتت مصادر إعلامية إلى أنَّ أعمال إقامة منطقة التجارة الحرة المشتركة للصناعة والأعمال بدأت على مساحة 700 دونم في الجانب الأردني قرب بلدة “المشارع” وتشمل المصانع والمخازن الضخمة، وعلى مساحة 245 دونماً في الجانب “الإسرائيلي” في منطقة كيبوتس “طيرات تسفي”، حَيثُ ستُقام مكاتب الدعم اللوجيستي؛ ونقل البضائع، وجباية الضرائب، وغيرها.

وأشَارَت إلى أن المنطقة تُسمّى “مقاطعة مشتركة”؛ لأَنَّها لن تكون تابعة لأي من الدولتين، ولن يحتاج “الإسرائيليون” والأردنيون إلى استخدام جوازات سفر لدخولها، ولكنها لن تشكل معبراً للانتقال بين البلدين، بحيث تمول الإمارات كُـلّ الأعمال والبنى التحتية، من بينها نحو 15 مليون دولار لبناء الجسر فقط، ويصل إجمالي الميزانية إلى أكثر من 50 مليون دولار، والملفت أن مدير المشروع في الجانب الأردني هو محامٍ فلسطينيّ يتمتع بالجنسيتين “الإسرائيلية والأردنية” يدعى راني حاج يحيى، بحسب المصادر.

وأكّـدت تقارير صحفية، أن المنطقة تشهد منذ الحصار اليمني البحري تنقلاً حراً لرجال الأعمال، والبضائع، والمواد الخام، وتمنح الكثير من المزايا والتسهيلات، وأهمها، الإعفاء الضريبي، ومن جهة “إسرائيل”، فَــإنَّ الأفضلية الأهم هي التكلفة المنخفضة لتشغيل العمال الأردنيين؛ إذ إن تكلفة تشغيلهم أقل ثمناً بكثير مقارنة بالعمال الفلسطينيين.

ثمة دور ووظيفة كبيرة لحساسية الجغرافيا الأردنية لاعتبارها أهم حلقة في مشروع الربط، حَيثُ يتم تزويد العدوّ بكل ما يحتاج من خلال أسطول ضخم من شاحنات النقل الأردنية التي تقطع الطريق بين ميناء جبل علي في الإمارات وبين ميناء حيفا بدون توقف أَو محطات ومراكز التخزين الصهيونية في تل أبيب وغوش دان وعسقلان وغيرها.

وتقع منطقة التجارة الحرة في المجلس الإقليمي “عيمك همعايانوت” وسط الطريق إلى ميناء حيفا، الذي يربط كيان العدوّ مع دول الخليج ومع دول أُورُوبا والغرب، وبين عمان، وهي قريبة من “أربد” المدينة الثانية في الأردن، مما سيتيح نقل البضائع من الإمارات والبحرين عبر الأردن إلى كيان العدوّ ومن كيان العدوّ إلى خليج العقبة وآسيا كلها.

خطورةُ الطريق البديل لفك الحصار اليمني البحري عن العدوّ “الإسرائيلي”:

في هذا السياق، أكّـدت تقارير عبرية أن “طريق فك الحصار” يتجه في مسارين؛ إذ يربط المسار الأول بين ميناء جبل علي في دبي وميناء حيفا في فلسطين المحتلّة، مُرورًا بمدينتي الرياض في السعوديّة وعمان في الأردن، وتقطع الشاحنات عبر هذا المسار مسافة 2550 كيلومتراً على مدار 93 ساعة، كما يربط المسار الثاني للخط البديل بين مدينة المنامة في البحرين وميناء حيفا، ويمر أَيْـضاً عبر الأراضي السعوديّة والأردنية، وتقطع الشاحنات مسافة أقصر تقدر بحوالي 1700 كيلومتر والذي تستغرق الرحلة عليه 50 ساعة.

الجديرُ بالذكرِ أنهُ في الـ15 من ديسمبر 2023م، وصلت الدفعة الأولى من الشحنات التجارية المحملة بالمواد الغذائية الطازجة من دبي إلى كيان العدوّ “الإسرائيلي”، من خلال الخط البري الجديد البديل للبحر الأحمر، عبر موانئ دبي مُرورًا بالسعوديّة والأردن.

وعليه، وكما يرى مراقبون فَــإنَّ خطورة هذا الطريق البري بين الإمارات وكيان العدوّ تتمثل في أنه الطريق الوحيد حَـاليًّا الذي يغذي العدوّ بكافة أنواع البضائع والأغذية والمواد الأولية التي تستخدمها المصانع الصهيونية، وبالتالي هو الرئة الوحيدة التي يتنفس منها كيان العدوّ حَـاليًّا، وأن نجاح تطوير هذا الشريان الحيوي يُضعِفُ كَثيراً المبادرة اليمنية بقطع إمدَاد العدوّ البحري عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب ويجعلها محدودة الجدوى.

Exit mobile version