الحاج قاسم سليماني في كلام الإمام الخامنئي
1– الشّجاعة والتّدبير:
أولاً كان الشّهيد سليماني شجاعاً ومدبّراً على السواء. لم يقتصر الأمر على الشجاعة؛ بعضهم لديهم الشجاعة لكنهم لا يمتلكون التدبير والعقل اللّازمين لاستخدام هذه الشجاعة. الآخرون هم من أهل التدبير لكنهم ليسوا أهل الإقدام والعمل، ولا يتحلّون برباطة الجأش اللازمة للعمل. شهيدنا العزيز كان يمتلك رباطة الجأش. يقع في فوّهة الخطر غير آبه. ليس في أحداث هذه الأيام فقط، بل خلال «الدّفاع المقدّس» أيضاً، وفي قيادة لواء «ثار الله». كان أيضاً صاحب تدبير؛ كان يفكّر ويدبّر. وكان ذا منطق في أعماله. الشجاعة والتدبير توأمان ليس في الساحات العسكرية فقط بل كذلك في الساحة السياسية. قلت هذا مراراً للأصدقاء الناشطين في المجال السياسي، وكنا نشاهد سلوكه وأعماله. في الميدان السياسي أيضاً، كان شجاعاً ومدبّراً في الوقت نفسه. وكلامه كان مؤثّراً ومقنعاً وفعّالاً.
كان يتمتع بالدراية والذكاء. كان فطناً جداً. هناك عدد من النقاط. لقد توقّع منذ زمن بعيد ظهور تيار ديني في الظاهر يميل إلى إحدى الفرق المعادية للمقاومة، وأخبرني بذلك. وقال: ما أراه في أوضاع العالم الإسلامي – سمّى بعض البلدان – أن هناك تياراً سوف يظهر بعد وقت، وبعد مدّة ظهر «داعش». كان شخصاً حكيماً وذكياً. ويتصرف بأقصى درجات العقلانية والدراية في إدارة الشؤون المتعلقة بالبلدان التي يعمل فيها، وشعرت بذلك جيّداً. فقد كنا على تواصل دائم بشأن مجموعة متنوعة من القضايا، وكان ذا دراية.
2– الإخلاص
فوق كل هذا إخلاصه، فقد كان مخلصاً ينفق أداتي الشجاعة والتدبير هاتين في سبيل الله. ولم يكن من أهل التظاهر والرّياء وما إلى ذلك. الإخلاص مهمّ جدّاً. لندرّب أنفسنا على الإخلاص.
أعزائي، أيها الإخوة والأخوات المصلون، الإخلاص فيه بركة. أينما كان الإخلاص يبارك الله تعالى في إخلاص عباده المخلصين، وتكون في العمل بركة ورشد ونموّ، وتصل آثاره إلى الجميع، وتبقى بركاته بين الناس. هذا ناجم عن الإخلاص. ونتيجة ذلك الإخلاص هو هذا العشق والحبّ والوفاء من عند الشعب، وهذه الدّموع والآهات والمشاركة الشعبية وتجدّد الرّوح الثّورية لدى الشعب.
اعلموا أن الناس عرفوا قدر والدكم، وهذا يرجع إلى الإخلاص. هذا إخلاص. إن لم يكن هناك إخلاص، فلن تلاحظه قلوب الناس بهذه الطريقة. القلوب بيد الله. حقيقةً إنّ ملاحظة القلوب له بهذه الطريقة دلالة على إخلاص كبير في ذلك الرجل. لقد كان رجلاً عظيماً. أسأل الله أن يرفع درجاته، إن شاء الله. اللهم إنك توفّيتهم متلطخين بدمائهم في سبيل رضاك مستشهدين بين أيديهم مخلصين في ذلك لوجهك الكريم.
3– الروحانيّة
كان من أهل المعنويّة والإخلاص والسعي وراء الآخرة. كان معنويّاً حقاً، ومن أهل المعنويّة حقاً، ولم يكن من المتظاهرين بذلك. حسناً هذه مجموعة مكارم الأخلاق، وهي مكارم قيّمة. الناس رأوا هذا. فلقد تبلورت في هذا الإنسان. ذهب إلى صحاري البلد الفلاني والبلد الفلاني… وعلى الجبال ومقابل الأعداء شتّى، وقد جسّد بالفعل هذه القيم الثقافية الإيرانية وبلورها وأظهرها.
4- الانسانيّة والتضحية
ومن ناحية أخرى، كان لديه روح التضحية والإنسانية، أي لم يكن مطروحاً لديه هذا الشعب وذاك الشعب وما شابه. كان إنسانياً ويضحّي بنفسه حقاً من أجل الجميع.
5- مراعاة الحدود الشّرعية في ميدان الحرب
خصوصية أخرى كانت أنّه قائد مقاتل بارع في المجال العسكري. في الوقت نفسه، كان دقيقاً جدّاً في مراعاة الحدود الشرعية. قد ينسى الأفراد أحياناً الحدود الإلهية في ساحة الحرب. فيقولون مثلاً ليس الآن وقت هذا الكلام… أما هو، فلا؛ كان حذراً. في الموضع الذي لا ينبغي فيه استخدام السلاح، لم يكن يستخدمه. كان يحذر من أن يحدث اعتداء أو ظلم على أحد. فيحتاط ويلتزم في أمور لا يرى كثيرون أنها ضرورية في الميدان العسكري. فيلتزم ويحتاط. يقع في فوّهة الخطر لكنْ يحفظ أرواح الآخرين ما استطاع. كان حذراً على أرواح من معه وجنوده وزملائِه من الشعوب الأخرى ممن كانوا إلى جانبه.
6- الثّورة خطّ أحمر
نقطة مهمة أخرى هي أنه لم يكن في إطار القضايا الداخلية في البلد من أهل الأحزاب والأجنحة (السياسية) وما شاكل. تلك الأمور تتعلق غالباً بكفاحه ونشاطاته الإقليمية. لكنه كان ثوريّاً بشدة. الثّورة والنزعة الثورية خطه الأحمر الحاسم. فلا يحاولنّ أيّ كان صرف الأنظار عن هذا الأمر. هذا هو واقعه. كان ذائباً في الثّورة. والنزعة الثورية خطه الأحمر. لم يكن مهتماً بعوالم التقسيمات إلى أحزاب متنوعة وأسماء مختلفة وفئات وتيارات شتى وما شابه. أما في ما يخص عالم النزعة الثورية، فنعم يهتمّ. كان ملتزماً بالثّورة أشدّ الالتزام، ملتزماً بالخطّ المبارك النوراني للإمام الخميني الراحل (رض).
7- لا يضع نفسه تحت الأضواء وأمام الأنظار
في الاجتماعات التي غالباً ما نعقدها مع هؤلاء المسؤولين ممّن لهم علاقة بأعماله ومهمّاته – الاجتماعات الرسمية العادية – كان الحاج قاسم يجلس في زاوية لا يُرى فيها أصلاً. وفي بعض الأحيان، يريد المرء أن يستوضح أو يستشهد بشيء، فيجب عليه أن يبحث ليعثر عليه؛ لم يكن يضع نفسه تحت الأضواء وأمام الأنظار ولا يتظاهر بشيء.
8- روحيّة الشباب
هذا الشّهيد العزيز الذي ذكرتم اسمه – الشّهيد قاسم سليماني، وأنا أذكره ليلاً ونهاراً – كان في الستين ونيف، فهو لم يكن شاباً جداً. لو عاش عشر سنوات أخرى، وأنا أيضاً بقيت حياً، وكان ينبغي أن أحدّد مصيره، كنت سأحتفظ به هنا، أي لم أكن لأتركه.
9- لا يأبه بالمخاطر في طريق الجهاد
الحاج قاسم عرّض نفسه للشهادة مئة مرة. لم تكن هذه المرة الأولى، ولكن في سبيل الله، وأداء واجبه، والجهاد في سبيل الله، لم يكن لديه أيّ خشية. لم يخشَ من أيّ شيء. لم يكن يخشى من العدو، ولا من هذه الكلمة أو تلك، ولا من تحمّل المشقّة. تصوّروا أنه قضى أربعاً وعشرين ساعة في البلد الفلاني وعمل خلالها تسع عشرة ساعة! مع هذا، مع ذاك… يجلس، يجيب، يقنع، يتحدث… لماذا؟ من أجل إيصالهم إلى النتيجة المطلوبة. فلم يكن يعمل لنفسه، بل من أجلهم. هكذا كان الحاج قاسم.
10- ظافر في الجهاد الأكبر
أنتم أيضاً تحمّلوا، تحمّلوا، فهذا التحمّل بحدّ ذاته له أجر وثواب.
الجهاد في سبيل الله يعني الجهاد الداخلي. فكل جهاد خارجي يعتمد على الجهاد الداخلي. أي أن الرجل الذي يواجه العدو بلا خشية ولا يهمّه التّعب والبرد والحرّ في جميع الميادين، لو لم ينتصر في ذلك الجهاد العظيم داخل نفسه، ما واجه العدو على هذا النحو. لذلك، يعتمد الجهاد الخارجي على الداخلي.
11- الشّوق إلى الشّهادة
فطوبى له، طوبى له، طوبى له! لقد حقّق أمنيته. كان لديه أمنية. وكان يبكي من أجل أن يستشهد. فقد رحل العديد من رفاقه وكان مفجوعاً بهم، لكن لديه شوق شديد للاستشهاد إلى حدٍّ يجعله يذرف الدموع. لقد حقّق أمنيته. أتمنى – إن شاء الله – أن تحقّقوا أمنياتكم أيضاً، وأن نحقّق أمنيتنا أيضاً، وأسأل الله تعالى أن يعوّضكم عن هذا الفقدان.
12- تربية مدرسة الإمام الخميني (رضوان الله عليه )
لقد كان نموذجاً بارزاً للناهلين من فيض الإسلام ومدرسة الإمام الخميني، فقد أمضى جُلّ عمره بالجهاد في سبيل الله. الشّهادة كانت جزاء مساعيه الحثيثة طوال هذه الأعوام كلّها.