الشهيد عز الدين سليم: سيرة مُلهِمة لرائد الفكر والتحرر في العراق

ما تقرأهُ في هذا الخبر 🔻

Toggle


لم يكن عز الدين سليم مجرد سياسيٍ عابرٍ في تاريخ العراق المضطرب، بل كان مفكرًا ثوريًا جمع بين عمق الفلسفة الإسلامية وواقعية النضال السياسي، ومصلحًا اجتماعيًا سعى لبناء “حكومة الإنسان” لإنقاذ شعبٍ عانى لعقود من الظلم والاستبداد.

من سجون البعث إلى منفاه الإيراني، ومن كتاباته الفكرية إلى رئاسة مجلس الحكم الانتقالي، تُختصر مسيرته في كونه صوتًا للعدالة تجاوز الطائفية، وجسرًا بين الماضي والمستقبل، ترك بصمةً لا تُمحى في ذاكرة العراقيين، حتى اغتياله عام 2004، الذي حوَّله إلى رمزٍ للكفاح ضد كل أشكال التسلط والانقسام.

المقدمة
في خضمّ صراعات العراق الحديث، برزت شخصية عز الدين سليم (عبد الزهراء عثمان محمد الحجاج) كأيقونة للنضال الفكري والسياسي، جمعت بين العمق الديني والرؤية الإصلاحية. اغتيل عام 2004 وهو يرأس مجلس الحكم الانتقالي، تاركًا إرثًا من الكفاح ضد الاستبداد وحلمًا ببناء “حكومة الإنسان” لإنقاذ الشعب من الظلم.

وُلد عبد الزهراء عثمان، المُلقب بـ”عز الدين سليم”، عام 1943 في قرية الهوير بمحافظة البصرة، وسط عائلة متدينة تمجد القيم الشيعية. تلقى تعليمه المبكر في الكتاتيب، ثم التحق بـ”دار المعلمين” بالبصرة عام 1964، وعمل مدرسًا للغة العربية والتاريخ، دون أن يغفل عن مواصلة دراسته الدينية تحت علماء الشيعة.

  1. النضال المبكر ضد البعث:
    انضم إلى حزب الدعوة الإسلامية في ستينيات القرن العشرين، وساهم في تأسيس خلاياه بالبصرة. اعتُقل عام 1974 بسبب معارضته لنظام صدام حسين، وقضى 4 أعوام في السجن تعرّض خلالها للتعذيب، ليُطلق سراحه عام 1978، ثم يُجبر على الهجرة إلى الكويت وإيران لاحقًا.
  2. في المنفى: قلمٌ يقاوم
    خلال إقامته في إيران (1980–2003)، حوّل المنفى إلى منصة للإشعاع الفكري:

عاد إلى العراق بعد سقوط نظام صدام عام 2003، وانخرط في بناء الدولة الجديدة:

رغم محاولات طمس أفكاره، بقي عز الدين سليم رمزًا للعطاء:


عز الدين سليم لم يكن مجاهدًا بالسلاح فحسب، بل مفكرًا رأى في القلم سلاحًا لأمة تئن تحت وطأة الاستبداد. اليوم، وبعد عقدين على استشهاده، تزداد الحاجة إلى إحياء مشروعه الذي يجسّد الاعتدال والوحدة، كبديل عن صراعات الهوية التي تمزق العراق. تُختصر سيرته بعبارة كان يرددها: “العراق وطنٌ يُستحق أن يُضحى لأجله بالغالي والنفيس”.


عز الدين سليم في سطور:

عز الدين سليم موسوعية التأليف وجذور الفكر الإصلاحي


عُرف الشهيد عز الدين سليم (1943–2004) ليس فقط بوصفه قائدًا سياسيًا ورئيسًا لمجلس الحكم العراقي، بل أيضًا كمفكرٍ موسوعي أثرى المكتبة العربية والإسلامية بعشرات الكتب التي تجمع بين العمق الديني والرؤية السياسية والاجتماعية. تنوعت مؤلفاته بين السيرة النبوية، التاريخ الإسلامي، الفكر السياسي، وقضايا المجتمع، مما جعله أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر في العراق والعالم العربي.


انطلقت مسيرة سليم التأليفية مبكرًا عام 1969 بكتابه “الزهراء فاطمة بنت محمد”، الذي فاز بالجائزة الثانية في مسابقة عالمية عن سيرة السيدة فاطمة الزهراء . توسع لاحقًا في سرد سير الأئمة الشيعة، مثل:


مجزره سبايكر في العراق

شكَّل الفكر السياسي محورًا رئيسيًا في كتابات سليم، حيث طرح رؤىً إصلاحية مثل:


لم يغفل سليم القضايا الاجتماعية، فكتب:


أثبت سليم تمكُّنه من العلوم الدينية عبر مؤلفات مثل:


إلى جانب التأليف، أسس سليم مؤسساتٍ ثقافية مثل:


ترك عز الدين سليم إرثًا فكريًا يتجاوز 90 كتابًا وبحثًا، جمع فيها بين الأصالة الإسلامية والرؤية التنويرية. لم تكن كتاباته مجرد سرد تاريخي، بل مشروعًا متكاملًا لإصلاح المجتمع العراقي عبر استلهام القيم الإسلامية ومواجهة الاستبداد. اليوم، تُعد مكتبته الشخصية – التي أُهديت إلى “المكتبة الحيدرية” في النجف – مرجعًا للباحثين، وتظل أفكاره حول الوحدة الوطنية والفيدرالية حاضرة في النقاشات السياسية العراقية .


مصادر مختارة من أعماله:

الشهيد طالب قاسم الحجامي سيرة نضال في ظلّ التحولات العراقية

في 17 مايو/أيار 2004، اهتزت بغداد بانفجار سيارة مفخخة أودى بحياة رئيس مجلس الحكم العراقي الانتقالي عز الدين سليم، ورئيسه بالإنابة طالب قاسم الحجامي، في حادثةٍ عبّرت عن شراسة التحديات التي واجهتها العراق في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين. إذا كان سليم رمزًا للفكر الإصلاحي، فإن الحجامي كان الرفيقَ الذي شاركه التضحيات حتى لحظة الاستشهاد، مُخلّدًا اسمه في سجلّ الشهداء الذين سعوا لبناء عراقٍ جديد .


وُلد طالب قاسم عنبر الحجامي، المُلقب بـأبو محمد العامري، في العراق، وعُرف بانتمائه إلى التيارات السياسية الشيعية التي عارضت نظام الملعون صدام حسين. لم تُذكر تفاصيل دقيقة عن مولده أو نشأته في المصادر المتاحة، لكنّ دوره برز بعد عام 2003، حين انخرط في العمل السياسي ضمن مجلس الحكم الانتقالي لإدارة المرحلة الانتقالية.


في صبيحة 17 مايو 2004، بينما كان موكب عز الدين سليم يمرّ قرب أحد مداخل المنطقة الخضراء في بغداد، انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من سيارته، مما أسفر عن مقتله مع الحجامي وعدد من مرافقيهما.


رغم قصر فترة وجوده في السلطة، ترك الحجامي إرثًا يتجاوز سيرته الشخصية:

  1. التضحية المشتركة: أصبح استشهاده مع سليم رمزًا لوحدة المصير بين قيادات حاولت تجاوز الانقسامات، حتى لو اختلفت الرؤى حول شرعية مجلس الحكم .
  2. تذكيرٌ بالمخاطر: كشفت عملية الاغتيال عن هشاشة الأمن العراقي آنذاك، وعن استهداف أي محاولةٍ لبناء consensus وطني .
  3. الذاكرة الجماعية: يُذكر الحجامي اليوم في الخطاب السياسي الشيعي كواحدٍ من “شهداء السلطة”، الذين دفعوا حياتهم ثمناً لانخراطهم في العملية السياسية رغم مخاطرها .

طالب قاسم الحجامي لم يُكتب له أن يترك مؤلفاتٍ أو خطبًا تخلّد اسمه، لكنّ استشهاده جنبًا إلى جنب مع عز الدين سليم جعله جزءًا من سردية العراق المعاصر، حيث تتداخل التضحيات الفردية مع تعقيدات المشهد السياسي. اليوم، وبعد عقدين من الحادث، تبقى سيرته تذكيرًا بثمن الدماء التي أُريقت في سبيل عراقٍ لم يكتمل بناؤه بعد.

Exit mobile version