الشيخ نعيم قاسم: من يطالب بتسليم السلاح يخدم المشروع الصهيوني”

في كلمةٍ حاسمة خلال الحفل التأبيني للقائد الجهادي السيد فؤاد شكر (السيد محسن)، وجه الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تحذيراً صارخاً لكل الأطراف الداخلية والخارجية التي تطالب بنزع سلاح المقاومة، مؤكداً أن “كل من يرفع شعار تسليم السلاح إنما يخدم أجندة المشروع الصهيوني”، في إشارةٍ واضحة إلى الضغوط الأمريكية والإقليمية لاستسلام لبنان أمام الشروط الإسرائيلية.

وأوضح الشيخ قاسم أن “سلاح المقاومة خط أحمر وضمانة لتحرير الأرض وحماية السيادة”، مشدداً على أنه “لن يُسلّم لإسرائيل أو لأي طرفٍ يتستر خلف الشعارات السياسية الزائفة”، معتبراً أن المطالبة بنزع السلاح في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي “خيانةٌ للدماء التي ضحّت من أجل تحرير الجنوب وصمود لبنان”.

كما كشف النقاب عن “المخطط الإسرائيلي الذي يهدف إلى تحويل لبنان إلى ساحةٍ مفتوحة للابتزاز تحت غطاء الاتفاقات الدولية”، محذراً من أن “أي تنازل عن سلاح المقاومة يعني فتح الباب أمام الاحتلال لابتلاع ما تبقى من الأرض اللبنانية”.

هذا وجدد الشيخ قاسم التأكيد على أن “المقاومة ليست بديلاً عن الدولة، بل هي رديف للجيش والشعب في معركة الدفاع عن الوطن”، داعياً إلى “وحدة الموقف اللبناني لمواجهة العدوان ورفض الوصاية الأمريكية”.

قال الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم “نحن نعمل على مسارين: مسار المقاومة لتحرير الارض بمواجهة اسرائيل، والمسار الثاني مسار العمل السياسي لبناء الدولة”، وتابع “لا نغلّب مسار على مسار ولا نختار بينهما بل نعمل على المسارين بشكل منفصل بالتالي لا يمكن المقايضة بين المسارين”.

القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر (السيد محسن)

وأشار الشيخ قاسم في كلمة له خلال الحفل التأبيني الذي أقامه حزب الله الأربعاء في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر(السيد محسن) إلى ان “انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون حصل بعد سنوات من وضع الدولة المهترئ بشكل كبير، حيث أثبتت المقاومة انها دعامة اساسية من دعائم بناء الدولة بتسهيل انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة وما بعدها”، وتابع “هناك سؤال طبيعي ان يطرح كيف يتم بناء الدولة في لبنان؟ البعض في طروحاتهم لا تفهم اذا كانوا سيبنوا الدولة او يريدون السرقة او الغاء احد المكونات؟”.

وقال الشيخ قاسم “هذه المقاومة كيف نشأت في لبنان؟ نشأت كردة فعل على الاحتلال وسدت فراغا في قدرة الجيش اللبناني وأنجزت تحريرا مضيئا في سنة 2000 وتتابع موضوع ردع اسرائيل وحماية لبنان ببركة هذه المقاومة وقلنا مرارا وتكرارا هي ليست وحدها هذه المقاومة مع الجيش والشعب ولا تصادر مكانة احد ولا عطاء احد ولا مسؤولية احد”

وتابع ان “الجيش اللبناني مسؤول ونحن نحييه على أعماله والشعب مسؤول ونحييه على هذا الالتفاف العظيم الذي أعطى قوة بهذه المقاومة”، واكد ان “المقاومة مسؤولة لانها خيار، الكل مسؤول نحن لا نتحدث عن قاعدة او عن ثلاثية لمجرد الشكل نحن نتحدث عن مسؤولية حقيقية ونؤمن بأنه كلما قويت هذه الاطراف الثلاث وتعاونت مع بعضها أفضل تعاون كلما حققت انجازات افضل وهذا ما رأيناه في حياتنا العملية”.

سلاح المقاومة الإسلامية حزب الله

واشار الشيخ قاسم الى انه “في معركة أولي البأس، واجهنا العدوان وحصل بعد ذلك اتفاق وانا اصر ان هذا الاتفاق الذي طلبته اسرائيل”، وتابع “بمعنى ان اسرائيل اعتبرت مجرد ان يقبل حزب الله ان ينسحب من جنوب نهر الليطاني هو مكسب بالنسبة اليها وان يستلم الجيش اللبناني هذه المنطقة هذا مكسب تريده اسرائيل”، واضاف “بالنسبة لنا بمجرد ان تقول الدولة انها مسؤولة عن متابعة حماية الوطن هذا مكسب لنا وأن تقول الدولة أنها سترعى اتفاق وقف اطلاق النار وستكون مسؤولة عن الاهل وكل من هم في هذا البلد ايضا هذا مكسب لنا”

واوضح “بمعنى اخر الاتفاق كان له مكسب لنا ومكسب للعدو الاسرائيلي وهذا امر طبيعي، الدولة وافقت ونحنا ساعدنا الدولة لكن اسرائيل لم تنفذ وهذا الاتفاق حصراً في جنوب نهر الليطاني”، ولفت الى انه “اذا ربط البعض بين السلاح والاتفاق، أقول له السلاح شأن لبناني داخلي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالعدو الاسرائيلي”.

وقال الشيخ قاسم إنه “بعد معركة أولي البأس، استمر العدوان الاسرائيلي لكن بوتيرة منخفضة من اجل أن يضغط علينا وعلى لبنان، بدأوا يروجون أن حزب الله اصبح ضعيفا، على قاعدة انه لا يرد على هذه الاعتداءات”، وتابع “نحن قلنا وعبّرنا بشكل واضح عندما اصبحت الدولة مسؤولة وتعهدت بأن تتابع، لم نعد نحن مسؤولون بأن نتصدى نيابة عن الجميع في مواجهة هذا العدوان، الدولة كلها مسؤولة يعني القوى السياسية كلها مسؤولة، هذه مرحلة جديدة”

واضاف “اعتقدوا ان حزب الله اصبح ضعيفاً لكنهم فوجئوا بحضور حزب الله السياسي في تركيبة الدولة وحضوره الشعبي سواء في الجنوب أو في التشييع المهيب لسيد شهداء الامة السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي الشهيد هاشم صفي الدين وكان تشييعا مليونيا باهرا”، واوضح “فوجئوا بالانتخابات البلدية وحجم الحضور الموجود لحزب الله وحركة امل، أي للمقاومة وفي النتائج التي حصلوا عليها”، واشار الى ان “كل ما حصل خلال هذه الفترة يدل على قوة وعنفوان ووجود لهذه المقاومة بكل الابعاد السياسية والاجتماعية والصحية والايواء والبذل والمساعدة حتى يعود كل الناس الى بيوتهم”.

واشار الشيخ قاسم الى ان “العدو الاسرائيلي خرق الاتفاق وهدد تهديدات مستمرة وهذا كله في رأينا مسؤولية اسرائيل واميركا معاً لانهما متواطئتان مع بعضهما وان كل المطالبات التي حصلت بتنفيذ اسرائيل الاتفاق فضحت اميركا واسرائيل”، وتابع “هوكشتاين أعطى ضمانات واضحة بأنه مسؤول عن متابعة تنفيذ الاتفاق من الجانب الاسرائيلي”

واضاف “جاءت اميركا الى لبنان بارسال مندوب الذي تبين أن وظيفته هي أن يصنع مشكلة للبنان وأن يقلب الحقائق”، وأكد ان “أميركا لا تساعدنا بل تدمر بلدنا من اجل مساعدة اسرائيل”، ولفت الى انه “بدل من أن تكون المشكلة هي اسرائيل اردوا ان يقولوا ان المشكلة هي المقاومة وحزب الله ولبنان مع العلم أن المطلوب ايقاف العدوان والمطلوب تنفيذ الاتفاق لكن هم ارادوا ان يحدثوا مشكلة لنا في داخل لبنان”.

وقال الشيخ قاسم “جاء براك بالتهويل والتهديد بضم لبنان الى سوريا وأن لبنان لن يبقى على الخارطة ولن يكون محل اهتمام العالم مستخدماً في الوقت نفسه العدوان والتهديد بتوسعة العدوان”، وتابع “فوجئ أن الموقف اللبناني الرسمي الوطني المقاوم الذي يحرص على مصلحة لبنان كان موقفا موحداً: فليتوقف العدوان وبعد ذلك نناقش كل الامور”، واضاف “هو تفاجأ حيث اعتبر انه اذا ضغط على الرؤساء يفتعل مشكلة وفتنة”

وأضاف “هو لا يعرف ان هؤلاء الرؤساء يعرفون خصوصية لبنان وتركيبة لبنان وهم جاؤوا من اجل ان يبنوا البلد، لكن لا يقدروا ان يعمروا بلد والعدوان مستمر، كما انهم لا يستطيعون إعمار البلد والاميركي يفرض الوصاية على لبنان”، وأكد ان “من يريد ان يساعد لبنان فليدفع اموال لاعمار لبنان لمساعدة الاقتصاد فيه، لكن المشكلة ان الاميركي يريد ان ياخذ من لبنان لتحقيق مصلحة اسرائيل”.

ولفت الشيخ قاسم الى انه “من غير الممكن تطبيق الاتفاق من جهة لبنان ما ادى لتحقيق الامن في شمال فلسطين منذ 8 أشهر”، وتابع “حققوا لنا الامن في لبنان كي نرى هل قطعت مرحلة معقولة تبين ان اسرائيل لا أطماع لها في لبنان، لكن اليوم العدوان مستمر ولم يتوقف”، واضاف “العدو الاسرائيلي يقف عند النقاط الخمس وينتظر مساعدة الاميركي للضغط على اللبنانيين كي يسلموا سلاحهم، بحيث يصبح لبنان بلا قدرة ومن ثم يتم توسيع النقاط الخمس حتى يصبحوا عدة قرى وينتشروا فيها وتدريجيا يقيموا مستوطنات لاحقا ويتدخلوا بالسلطة السياسية في لبنان من أجل أن يفرضوا عليها ما يريدون، هذا هو المخطط الاسرائيلي”

ورأى ان “العدو يريد البقاء في هذه النقاط كمقدمة للتوسع وليست نقاط من اجل المساومة ولا التفاوض عليها”، وأوضح “لدينا تجربة سوريا، ماذا فعل الأميركيون في سوريا؟ خرّبوا سوريا وتركوا الإسرائيلي يأخد راحته”، وتابع “الاميركي شجع على عملية القتل والاغتيال ومجازر السويداء وقتل العلويين وكل الاعمال المشينة بطريقة أو بأخرى”.

وعن الشأن اللبناني، قال الشيخ قاسم “نحن في لبنان اليوم معرضون لخطر وجودي، ليس على المقاومة بل على كل لبنان وكل طوائف لبنان وكل شعبه، خطر من اسرائيل ومن الدواعش ومن الاميركيين الذين يسعوا ان يكون لبنان آداة طيعة ليندمج في مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يريدونه”، ولفت الى ان “هذا الخطر يتجاوز مسألة نزع السلاح بل المسألة مسألة خطر على لبنان خطر على الأرض”، وسأل “لماذا يقومون بتجريف الاراضي وتدمير البيوت ويمنعون الاهالي من العودة الى قرى الحافة الامامية”.

بلدة لبنانية تتعرض لإطلاق نار وقذائف

واكد الشيخ قاسم “لن نقبل بأن يكون لبنان ملحقاً باسرائيل”، وتابع “والله لو تجتمع الدنيا كلها من أولها لآخرها والله لو قتلنا جميعا لن تستطيع اسرائيل أن تهزمنا ولن تستطيع اسرائيل أن تأخذ لبنان رهينة ما دام فينا نفس حي وما دمنا نقول لا اله الا الله وما دمنا نؤمن بأن الحق يجب ان يُحمى وأن دماء الشهداء يجب أن تُحمى”.

وشدد الشيخ قاسم ان “السلاح الذي معنا هو لمقاومة اسرائيل، وليس له علاقة بالداخل اللبناني، هذا السلاح هو قوة للبنان ونحن حاضرون لنناقش كيف يكون هذا السلاح جزءا من قوة لبنان”، وتابع “لن نقبل أن يسلم السلاح لاسرائيل، واليوم كل من يطالب بتسليم السلاح يطالب بتسليم السلاح لاسرائيل”، وتابع “اميركا تقول سلموا الصواريخ والطيران المسير، وبراك قال إن هذا السلاح يخيف اسرائيل، اسرائيل تريد امنها، أي ان الاميركي يريد السلاح من أجل اسرائيل”.

وقال الشيخ قاسم “لا أحد يطلب منا اعتراف او صلح او استسلام للعدو، نحن قوم باعوا جماجهم من اجل العزة والكرامة ونطالب بتحرير ارضنا وخروج المحتل ونعيش على ارضنا ونموت على ارضنا، نحن تربية الامام الحسين(ع) الذي كرر وقال هيهات من الذلة”، وتابع “نحن في موقع دفاعي ولكن نقول ان هذا الدفاع لا حدود له عندنا ولو ادى ذلك الى الشهادة”، واكد ان “الاحتلال لن يبقى والوصاية لن تبقى ونحن سنبقى”، وشدد على انه “لدينا الايمان بالله تعالى وهذه قوة عظيمة، لدينا الارادة والتصميم على المقاومة، لدينا حقنا بأن نعيش على أرضنا سندافع بما نملك من قوة وهذا خيارنا ولن نعدّل في اختيارنا وليعلموا اننا نبقى لاننا اصحاب حق”.

ولفت الشيخ قاسم الى ان “الخطر الداهم هو العدوان الاسرائيلي، هذا العدوان يجب ان يتوقف والخطاب السياسي يجب ان يكون لايقاف العدوان وليس لتسليم السلاح الى اسرائيل”، وتابع “في هذا المرحلة كل دعوة لتسليم السلاح والعدوان مستمر هي دعوة لاعطاء اسرائيل سلاح قوة لبنان”، واضاف “لا احد يلعب معنا هذه اللعبة لانه لن نعطي السلاح لاسرائيل والسلاح ليس اولوية الآن بل الاولوية للاعمار وإلغاء العدوان”.

وقال الشيخ قاسم إن “الدولة لها حقوق وعليها واجبات، كل شي يقوي الدولة قدمناه، حتى السلاح الموجود هو لقوة الدولة وليس إضعافها”، ولفت الى ان “على الدولة ان تقوم بواجبين أساسيين وهما ايقاف العدوان بكل السبل الدبلوماسية العسكرية ووضع الخطط لحماية المواطنين”، وتابع “من غير الممكن القول للمواطنين لا استطيع ان احميكم وتجردوا من سلاحكم حتى تكونوا عرضة للقتل والتوسع الاسرائيلي”

واضاف “أول مهمة ايقاف العدوان وثاني مهمة هي الاعمار وهي مسؤولية الدولة”، ولفت الى انه “اذا كانت اميركا تضيّق علينا وتمنع دول العالم ان تساعدنا، هنا على الدولة ان تفتش عن طرق اخرى لان هذه مسؤوليتها”، واشار الى ان “الإعمار عملية مربحة وحتى اقتصاديا وعليكم تقوموا بواجباتكم الاجتماعية تجاه هؤلاء المواطنين، نحن لا نقبل الابتزاز”.

وشدد الشيخ قاسم على انه “لن نسلم السلاح لاسرائيل وكل من يطالب اليوم بتسليم السلاح داخليا او خارجيا او عربيا او دوليا هو يخدم المشروع الاسرائيلي مهما كان اسمه او صفته أو عنوانه”، وتابع “اذهبوا واوقفوا العدوان وامنعوا الطيران من الجو واعيدوا الاسرى ولتنسحب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها، وبعد ذلك نتناقش”.

وقال الشيخ قاسم “اليوم يوجد لدينا خيارين لبنان: خيار السيادة يعني حماية الوطن والاستقلال وعدم الوصاية والتحرير يعني رفض الاحتلال، وخيار ثاني اسمه الوصاية والاستعباد والاحتلال مقابل التحرير والاستقلال”، وتابع “بين الخيارين نحن مع خيار السيادة والاستقلال والتحرير وسنعمل للوصول الى هذه النتيجة وندعو الدولة الى ان تحزم أمرها اكثر في مواجهة العدوان واعادة الاعمار”.

وأكد الشيخ قاسم ان “حزب الله مصرّ على بناء الدولة وتمكين المؤسسات وتقوية الجيش وتحمل الدولة لمسؤوليتها في الحرب والسلم وبناء استراتيجية أمن وطني واستراتيجية دفاعية”، وتابع “نحن ندعو الدولة وكل الشرفاء للعمل على كف يد دعاة الفتنة وخدام المشروع الصهيوني وليعلم الجميع أن لبنان وطن نهائي لكل ابنائه ونحن من أبنائه ولن يكون لفئة دون اخرى ولن نقبل أن يخطط احد لجعل لبنان ملحقا بإسرائيل”، واضاف “فلنخرج اسرائيل بوحدتنا ولنعمر بلدنا بتكاتفنا، فاذا استطعنا ان نقوم بهذا الامر نكون قد نجحنا ولنقل للعرب والأجانب أهلا بكم داعمين لإخراج اسرائيل وإعمار البلد وبهذا تحققون مصالحكم ومصلحة لبنان وليس مرحباً بمن يريد خدمة اسرائيل ومشروع اسرائيل”.

وعن الشهيد القائد السيد فؤاد شكر، قال الشيخ قاسم “السيد فؤاد هو من بلدة النبي شيت البقاعية سنة 1961 عاش في الأوزاعي وقاد مجموعة من الأخوة عددهم 10، كانوا يسمون أنفسهم مجموعة الميثاق أو عهد العشرة لانهم تعاهدوا ان يواجهوا اسرائيل وان لا يبقوا خارج الميدان، وجمعيهم استشهدوا (التاسع في هذه المجموعة استشهد منذ 35 سنة وهو الاستشهادي اسعد برو) اي انه منذ تلك السنة والسيد محسن كان ينتظر دوره في ساحة العطاء والبذل والجهاد، كان عاشقا لمحمد وال بيته ومن الذين امنوا بالثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني وكان متعلقا به وبعد رحيل الامام الخميني تسلم الامام الخامنئي وايضا السيد محسن كان مسلما بهذه القيادة العظيمة”.

واضاف الشيخ قاسم ان “السيد محسن هو من الرعيل الأول في تأسيس حزب الله وهو اول مسؤول عسكري لحزب الله بعد سنة 1982، دائما كان مع القادة الكبار العظام الحاج عماد مغنية والسيد مصطفى بدر الدين، الحاج ابراهيم عقيل والحاج علي كركي وجميعهم من مدرسة واحدة، يظللهم سماحة سيد شهداء الامة السيد حسن نصر الله، الذي كان يقودهم ويتشاور معهم في المجلس الجهادي ويقدم التوجيهات اللازمة”.

ولفت الشيخ قاسم الى ان “السيد محسن قاد مواجهات كفرا وياطر اثر اغتيال السيد عباس الموسوي وهو الذي قاد مجموعة أرسلها حزب الله الى البوسنة”، وتابع “كان اليد العسكرية لسماحة السيد حسن نصر الله في عمليتي 1993 و1996 في مواجهة العدوانين الاسرائيليين على لبنان، هو مؤسس الوحدة البحرية في حزب الله وقاد ملف الاستشهاديين وكان مسؤولا عن التخطيط لمواجهة اميركا في المنطقة”، واضاف “السيد محسن “واكب العمل الجوي وأدار عملية تبادل الاسرى في عملية الاسيرين وطوّر القدرات الاستراتيجيية لحزب الله، ومن الاساسيين الذي عملوا لتحرير الجنوب ويشهد له في تموز 2006 بقي في غرفة العمليات 33 يوما دون ان يغادره، ومن اول طوفان الاقصى كان يتابع ويدير العمليات في معركة الإسناد”.

وقال الشيخ قاسم “السيد محسن كان يتواجد بين الناس في مختلف المناسبات خاصة في عاشوراء كان يحب ان يتواجد في هذه الاجواء الايمانية، يتميز بصلة رحمه واهتمامه بوالديه وبعلاقة خاصة مع عوائل الشهداء”، وتابع “السيد محسن كان كريم النفس وارتباطه بالزهراء(ع) والامام الحسين(ع) اهتمام مميز ، قوي صلب متين جريء لديه غنى بالافكار ويقترح اقتراحات كثيرة بغزارة وبتسلسل ونقاش منطقي وموضوعي”، واضاف “أقول للسيد العزيز الذي حمل هذا اللقب المشرق، اقول للسيد فؤاد رحمك الله ورفع مقامك مع الشهداء والقديسين ومع كل من احببت واعزي وابارك لكل من احب ولعائلته ولحزب الله”.

وعن استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، قال الشيخ قاسم “هذه الشهادة كانت تعبر عن هذا المسار الفلسطيني الرائد الذي استطاع ان يرفع القضية الفلسطينية الى المقام الاول في العالم اليوم”.

وتابع الشيخ قاسم “هنا لا بد من ان نذكر غزة التضحية والصمود والعطاء، مقابل الاجرام الوحشي البشري الذي يمارس على الهواء مباشرة بشكل منظم، الاميركيون والصهاينة يقتلون الاطفال والنساء والابرياء ويجوعون الناس “، وسأل “أين يوجد مثل هذا الاجرام في العالم؟ قتل الحوامل؟ تجويع الاطفال؟ قتل الناس في خيمهم وبيوتهم؟”، وشدد على ان “كل ذلك يتم بتأييد كامل من اميركا”، واكد ان “هذا الشعب الفلسطيني لن يستسلم “، وسأل “أين الدول والمنظمات التي تدعي حماية حقوق الانسان؟”، ولفت الى ان “البيانات ما عادت تنفع وانما يجب تقديم ضمانات لوقف العدوان ومنع اسرائيل عن طغيانها”.

وحيا الشيخ قاسم “الاسير المناضل المحرر جورج عبد الله، الذي وقف شامخا 41 سنة ، هذا المناضل هو جزء لا يتجزأ من مسيرة المقاومة من كل المكونات والاطياف والتي تجتمع على تحرير فلسطين”.

الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم

بِسْمِ اللَّـهِ الرحمن الرَّحِيمِ

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في احتفال بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الجهادي الكبير الحاج فؤاد شكر (السيد محسن) في ثانوية الامام المهدي(عج) – الحدث بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت 30 – 7 – 2025

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبى القاسم محمد، وعلى آل ‏بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا اللقاء هو في الذكرى السنوية الأولى لشهادة القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر، السيد محسن رضوان الله تعالى عليه.

سأتحدّث عن السيد بالمناسبة، وكذلك في النهاية سنتعرض إلى الأوضاع السياسية العامة في بلدنا، مع بعض الملاحظات الصغيرة التي ستمر في الأثناء.

السيد فؤاد هو من مواليد بلدة النبيّ شيت البقاعية في سنة 1961، عاش في منطقة الأوزاعي فترة طويلة، وقاد مجموعة من الإخوة عددهم عشرة، كانوا يسمّون أنفسهم “مجموعة الميثاق” أو “مجموعة عهد العشرة”.

قبل سنة 1982 تعاهدوا على أن يواجهوا “إسرائيل”، وتعاهدوا على أن لا يبقى أحد منهم خارج الميدان، وأن يستشهدوا قُربة إلى الله تعالى، أي أن يكونوا في المواقع الأمامية التي يتعرض فيها الإنسان للشهادة.

الإخوة التسعة استشهدوا قبل السيد محسن، التاسع يعني يوجد ثمانية استشهدوا قديمًا، والتاسع استشهد منذ حوالي 35 سنة، وهو الاستشهادي الشيخ أسعد برو. وبالتالي، فمنذ 35 سنة والسيد محسن ينتظر دوره في درجات الرقي والعلو في ساحة الميدان وساحة العطاء.

هذا الإنسان العظيم كان وَلائيًّا، عاشقًا لمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن الذين آمنوا بالثورة الإسلامية المباركة بقيادة الولي الإمام الخميني قدَّس الله روحه الشريفة، وكان متعلّقًا به أشد التعلّق، متعلّقًا بأفكاره، بقناعاته، برسالته، بجهاده، بعطاءاته.

وبعد رحيل الإمام الخميني قدَّس الله روحه الشريفة، تسلّم القيادة الإمام الخامنئي دام ظله، ولي أمرنا جميعًا، ولي أمر المسلمين في هذه المرحلة وفي هذا الواقع، وهو كان أيضًا مسلمًا ومؤمنًا بهذه القيادة العظيمة.

السيد فؤاد هو من القادة المؤسسين في حزب الله، يعني يمكننا أن نقول هو من الرعيل الأول. وعندما نقول “رعيل أول”، يعني من الذين كانوا موجودين قبل عام 1982، وفي 1982 بدأوا يشاركون في تكوين وتشكيل حزب الله.

هو من الرعيل الأول، وهو أول مسؤول عسكري لحزب الله بعد سنة 1982، أي عندما بدأت التشكيلات وبدأت القيادة، أصبح لدينا شورى، وأصبح لدينا إدارة لهذا العمل، واتفقنا على ذلك، وهو كان أول قائد عسكري.

كان دائمًا مع القادة الكبار العظام: الحاج عماد مغنية رضوان الله تعالى عليه، السيد مصطفى بدر الدين رضوان الله تعالى عليه، الحاج إبراهيم عقيل رضوان الله تعالى عليه، الحاج علي كركي رضوان الله تعالى عليه.

كلهم كانوا مجموعة متعاونة مع بعضها، وكلهم من جيل واحد تقريبًا، ومن مدرسة واحدة، من رؤية واحدة، من إيمان واحد، يُظللهم السيد العزيز، العظيم، الأسمى، الأكبر، سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه.

هو القائد، وكان يقودهم، وكان دائمًا يتشاور معهم، ويجلس معهم في المجلس الجهادي، وكان يقدّم التوجيهات اللازمة والإدارة اللازمة.

قال تعالى في كتابه العزيز:

“أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.

هؤلاء القادة، والشهيد السيد فؤاد شكر رضوان الله تعالى عليه، هؤلاء من أولياء الله تعالى، ارتقوا، قدّموا ما عندهم، وصلوا إلى الرفيق الأعلى بما رغبوا وبما تمنّوا، يعني هم انتصروا حقيقة، ونالوا وفازوا ما أرادوا أن يحصلوا عليه.

قاد الشهيد السيد محسن مواجهات كفرا وياطر إثر اغتيال السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه، وهو الذي قاد مجموعة من المجاهدين عندما قرر الحزب أن يرسل مجموعة إلى البوسنة من أجل أن يُساند أصحاب الحق هناك، في سنة 1992.

نستطيع أن نقول إنه كان اليد اليمنى العسكرية لسماحة السيد رضوان الله تعالى عليه في عمليتي سنة 1993 وسنة 1996 في مواجهة العدوانين “”الإسرائيليين”” على لبنان.

هو مؤسس الوحدة البحرية في حزب الله، وشارك في إدارة ومتابعة ملف الاستشهاديين والتخطيط لهم، ومنهم هيثم دبّوق، وأسعد برو وآخرون.

هو مسؤول لمعاونية التخطيط العام في حزب الله، وكان مسؤولًا عن التخطيط لمواجهة أميركا في المنطقة، ضمن لجنة ثقافية سياسية تعمل على هذا الاتّجاه، واكب إدارة العمل الجوي، أي صناعة المُسيّرات ومتابعة هذه المُسيّرات.

أدار عملية تبادل الأسرى في عملية الأسيرين، وقاد عملية بناء القدرات الخاصة والإستراتيجية لحزب الله، وطوّرها بعد استشهاد الحاج عماد مغنية رضوان الله تعالى عليه.

من الأساسيين الذين عملوا لنصر تموز، ومن الأساسيين الذين عملوا لتحرير الجنوب، وكذلك يُشهد له في مواجهة تموز 2006، حيث بقي في غرفة العمليات 33 يومًا دون أن يغادرها، وكان دوره أساسيًّا في هذا الأمر.

منذ بدء “طوفان الأقصى” هو يتابع ويدير العمليات اليومية.

منذ عشرة أشهر، كان على تواصل دائم مباشر مع سماحة السيد رضوان الله تعالى عليه، سيد شهداء الأمة، لأنه كان القائد العسكري المباشر، بمثابة رئيس الأركان في مواجهة هذا التحدي، إلى شهادته في 30 تموز سنة 2024، أي السنة الماضية.

نحن استعرضنا بعض ما كان يتميّز به على المستوى العسكري، وعلى المستوى القيادي، لكن هناك ملاحظة مهمّة يجب أن نعرفها:

هؤلاء القادة، لولا ميزاتهم الإيمانية، الثقافية، الرسالية، الولائية، لما وصلوا إلى هذا المستوى في العطاءات الجهادية والعسكرية.

السيد محسن كان لديه وعي ديني وسياسي، لديه ثقافة دينية واسعة، خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة، حيث حاول أن يحصل بشكل إضافي في تفسير القرآن، في قراءة الكتب، في تحصيل المعلومات الثقافية المختلفة، في المسائل العقائدية والأخلاقية.

يتميّز بأنه كان يعرض المحاضرات المختلفة: السياسية والثقافية والتحليلية في مواقع مختلفة داخل الحزب، وحتّى مع الجامعات والجامعيين والدكاترة والمهندسين، كان يهتم بعرض هذه المفاهيم.

هو كان يتواجد بين الناس، يحضر عاشوراء في مجمع سيد الشهداء، يلطم مع الذين يلطمون، يبكي مع الذين يبكون، يحضر في باحة عاشوراء، يرتاد المسجد بين الحين والآخر، كان يُحب أن يتواجد في هذه الأجواء الإيمانية.

هو يتميّز بصلة رحمه، باهتمامه بوالديه، وكذلك كانت له علاقة خاصة مع عوائل الشهداء.

دائمًا يستحضر الموت والشهادة في كلماته، ولا يسأل عن الدنيا.

السيد كان كريم النفس، وكان ارتباطه بالزهراء سلام الله تعالى عليها، وبالإمام الحسين عليه السلام، ارتباطًا مميزًا.

هو صَلب، ثابت، قوي، متين، جريء، لا يهتز، لديه معنويات عالية.

من مميزاته الخاصة أن فكره فكْر إستراتيجي، لديه غنى بالأفكار والقناعات، ويطرح اقتراحات كثيرة، يعني إذا أردت أن تتحدث معه وتناقشه، يُجلسك ساعة وساعتين وثلاثة وأربعة بغزارة. وبالتالي، بتسلسل وبنقاش منطقي وموضوعي. سماحة السيد الأسمى قال في تأبينه: في النهاية الشهيد نال ما أحب، ولكننا عطَّلنا الهدف. هذا لن يمسّ بإرادتنا، ولا بعزمنا، ولا بقرارنا، ولا بتصميمنا، ولا بمواصلتنا الطريق.

أقول للسيد العزيز، السيد الذي حمل هذا اللقب المشرق، لقب الشهادة، أقول للسيد فؤاد: رحمك الله ورفع مقامك مع الشهداء والقديسين، مع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، ومع كلّ من أحببت. وأعزي وأبارك لعائلته وإخوانه وأحبته، ولحزب الله، وللولي، ولكل من يعرفه ويؤمن بهذا الخط. إلى روحه وأرواح الشهداء نُهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.

لا بد أن نذكر الشهيد القائد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الحاج إسماعيل هنية رضوان الله تعالى عليه، لأنه استشهد في اليوم نفسه، يعني الشهيد السيد فؤاد مساءً، الشهيد إسماعيل هنية في طهران تقريبًا بعد الفجر، بعد منتصف الليل. وبالتالي، هذه الشهادة أيضًا كانت تعبّر عن هذا المسار الفلسطيني العظيم الرائد الذي استطاع أن يُغيّر في واقع الأمة، واستطاع أن يرفع القضية الفلسطينية إلى المقام الأول في العالم اليوم. إلى روح الشهيد هنية أيضًا نُهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.

وهنا لا بد أن نذكر غزّة: غزّة الصمود، غزّة الإباء، غزّة العطاءات، غزّة التضحية. هناك درجة كبيرة جدًّا من الإجرام الوحشي البشري الذي لم يتبيّن مثله للعالم، وعلى الهواء مباشرة.

إسرائيل وأميركا تمارسان الإجرام المنظّم يوميًا. يقتلون الأطفال والنساء، أكثر من 17 ألف طفل قُتل حتّى الآن خلال هذه الفترة، خلال السنتين تقريبًا. هناك عمل إجرامي منظَّم بالتجويع: يدعون الناس إلى أخذ التموين ويقتلونهم، وهم لا يملكون شيئًا، وليس معهم شيء. أين يوجد مثل هذا الإجرام في العالم؟

قتل الأطفال، الضرب على الخيام، قتل الآمنين في بيوتهم، قتل النساء الحوامل، تجويع الأطفال، حليب الأطفال ممنوع. هذا عمل إجرامي كبير يُمارسه هذا العدوّ “الإسرائيلي” بدعم كامل من أميركا، وتأييد كامل من أميركا، من أجل إرغام هذا الشعب على الاستسلام. وهذا الشعب لن يستسلم، هذا الشعب لن يقبل إلا أن يحفظ الدماء التي سقطت وارتقت وأعطت قُربةً إلى الله تعالى.

أين هم العرب؟ أين هو العالم؟ أين هي حقوق الإنسان؟ أين هي الدول التي تدّعي أنها تحفظ حقوق الإنسان؟

المطلوب القيام بإجراءات عملية. كفانا بيانات، كفانا كلمات، كفانا ادعاءات بتأييد القضية الفلسطينية. كلّ هذا لا ينفع. الذي ينفع الآن هو أن يقف العالم وقفة واحدة بوجه إسرائيل: سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعمليًّا، وفي رأينا، حتّى عسكريًّا، ليمنع “إسرائيل” من هذا الطغيان الذي ينعكس على كلّ البشرية، ويؤثر على كلّ البشرية أيضًا.

أيضًا في هذا المجال لا بد من تحية خاصة للأسير المناضل المحرر جورج عبد الله، الذي وقف شامخًا وتحدى لمدة 41 سنة، ورفض أن يُوقّع ورقة بأنه يتخلى عن أفكاره مقابل أن يربح بعض السنوات التي حرموه منها وأبقوه في السجن، لأنه لم يقبل أن يُوقّع لهم ولو بالكلمات.

هذا المناضل الكبير هو جزء لا يتجزأ من مسيرة المقاومة المتنوعة، التي تحمل الأحزاب والقوى والمذاهب والقناعات والأفكار المختلفة، لكن تجتمع على أمر واحد، وهو تحرير فلسطين، وتحرير الأرض والكرامة، التي ستعود إن شاء الله بكلّ قوة وبكل عزيمة.

أهلًا وسهلًا بك يا جورج، أنت ستضيء إضاءة إضافية، إن شاء الله، بِجهادك الجديد على أرض لبنان، وعلى أرض هذا الوطن.

الآن، نتحدث عن الوضع السياسي الداخلي في لبنان. هناك سؤال طبيعي أن يُطرح: كيف نُقارب بناء الدولة في لبنان، وكيف نُعالج قضاياها؟ لأنه هناك ناس تتحدث عن طرق مختلفة لبناء الدولة، لا يُفهم عليهم أحيانًا، لا تعرف إن كانوا سيبنون الدولة أو سيسرقون الدولة! بطريقة الطروحات: هل سيبنون الدولة أو سيلغون مكونًا من قلب الدولة؟ هل سيبنون الدولة أو سيأخذون مكتسبات تجعلهم هم الذين يتحكمون ويسيطرون؟ لا يُفهم عليهم ماذا يريدون. سأوضح اليوم لكي أبيّن رؤيتنا لبناء الدولة.

انتخاب الرئيس، رئيس الجمهورية، فخامة الرئيس العماد جوزيف عون، حصل بعد سنوات من وضع الدولة المهترئ بشكل كبير، وخاصة ابتداء من 2019، بدأت الانهيارات تزداد في واقع الدولة، يعني ست سنوات تقريبًا، وضع الدولة مهترئ.

أثبتت المقاومة بأنها دعامة أساسية من دعائم بناء الدولة، بأدائها، وبتسهيل إخراج النتائج في انتخاب الرئيس والحكومة وما بعدهما. نحن نعمل كحزب الله على مسارين متوازيين مع بعضهما: مسار المقاومة لتحرير الأرض، وهذه لها أدواتها، وأساليبها، وإمكاناتها، وطرقها، وموجّهة حصرًا لمواجهة “إسرائيل”.

المسار الثاني: مسار العمل السياسي لبناء الدولة، من خلال تمثيل الناس، ومن خلال متابعة قضاياهم، والمشاركة في الحياة السياسية حتّى تنهض هذه الدولة بأبنائها، ونحن من أبنائها. لا نُغلّب مسارًا على مسار، كلّ مسار له طريقه ومتطلباته وأهدافه. يمكن أحيانًا أن يَحمى مسار دون مسار آخر، يمكن يزداد العمل بمسار دون مسار آخر، حسب طبيعة الظروف الموجودة. لكن لدينا هذان المساران، لا نستطيع أن نربط بينهما بطريقة “إمّا أن تختاروا هذا المسار أو ذاك”.

يعني بعضهم يقول لنا: تعالوا إلى الدولة واتركوا المقاومة! لا يا أخي، ما هي ليست مسألة مقايضة. المقاومة ضدّ “إسرائيل”، بناء الدولة من أجل المواطنين. أنت عندما تقول: اتركوا “إسرائيل” وتعالوا إلى الدولة، يعني أنت تقول: دعوا “إسرائيل” تهاجم لبنان وتنهب المكتسبات التي تريدها! هذه ليست قناعتنا، ولا نحن نمشي بهذا الاتّجاه.

هذه المقاومة كيف نشأت في لبنان؟ نشأت ردة فعل على الاحتلال ال”إسرائيلي”، وسدّت فراغًا في قدرة الجيش، وأنجزت تحريرًا مضيئًا سنة 2000، وتتابع موضوع ردع “إسرائيل” وحماية لبنان بِبركة هذه المقاومة. وقلنا مرارًا وتكرارًا: هي ليست وحدها. هذه المقاومة مع الجيش والشعب، يعني هي لا تُصادر مكانة أحد، ولا عطاء أحد، ولا مسؤولية أحد.

الجيش مسؤول وسيبقى مسؤولًا، ونُحييه على أعماله. والشعب مسؤول وسيبقى مسؤولًا، ونُحيّيه على هذا الالتفاف العظيم الذي أعطى قوة لهذه المقاومة. والمقاومة مسؤولة لأنها خيار، وعلى الذين اختاروها أن يقوموا بواجبهم فيها. الكل مسؤول. نحن لا نتحدث عن قاعدة أو عن ثلاثية لمجرد الشكل، لا، نتحدث عن مسؤولية حقيقية، ونؤمن بأنه كلّما قويت هذه الأطراف الثلاثة، واستطاعت أن تتعاون مع بعضها أفضل تعاون، كلما حققت إنجازات أفضل. وهذا ما رأيناه في حياتنا العملية.

جاءت معركة أولي البأس، واجهنا العدوان ال”إسرائيلي”، وحصل بعد ذلك اتفاق، وأنا أُصر أن هذا الاتفاق الذي طلبته “إسرائيل”، طلبته في لحظة شعرت فيها أن التوازن يتطلب أن تذهب “إسرائيل” إلى الاتفاق. بمعنى أن “إسرائيل” اعتبرت مجرد أن يَقبل حزب الله بأن ينسحب من جنوب نهر الليطاني، هذا مكسب بالنسبة إليها، ومجرد أن يتقدّم الجيش اللبناني ويستلم هذه المنطقة، هذا مكسب بالنسبة إليها تريده.

وبالنسبة لحزب الله، مجرد أن تقول الدولة: نحن أصبحنا مسؤولين عن متابعة حماية الوطن، هذا مكسب لنا. أن تقول الدولة: نحن سنرعى اتفاق وقف إطلاق النار، وسنكون مسؤولين عن حماية الأهل والأصحاب وكلّ من هم في هذا البلد، نحن أيضًا نعتبر أننا حققنا مكسبًا.

بمعنى آخر، الاتفاق كان له مكسب لنا، وكان له مكسب للعدو ال”إسرائيلي”، وهذا أمر طبيعي، لا يحصل اتفاق إلا إذا كانت الجهات المختلفة موافقة عليه. الدولة اللبنانية وافقت، ونحن ساعدنا الدولة اللبنانية في موافقتها على التنفيذ، ولكن “إسرائيل” لم تنفذ. هذا الاتفاق حصرًا في جنوب نهر الليطاني. أما إذا ربط البعض بين السلاح والاتفاق، أقول له: السلاح شأن لبناني داخلي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالعدو ال”إسرائيلي”. هذا شأن داخلي.

بعد معركة أولي البأس استمر العدوان ال”إسرائيلي”، لكن بوتيرة منخفضة، من أجل أن يضغط علينا ويضغط على لبنان. بدأوا يروجون بأن الحزب أصبح ضعيفًا، على قاعدة أنه لا يرد على هذه الاعتداءات. نحن قُلنا وعبّرنا بشكل واضح: عندما أصبحت الدولة مسؤولة وتعهدت بأن تتابع، لم نعد نحن مسؤولون بأن نتصدّى نيابة عن الجميع في مواجهة هذا العدوان ال”إسرائيلي”. الدولة كلها مسؤولة، يعني الشعب كله مسؤول، يعني القوى السياسية كلها مسؤولة، ليس فقط نحن وحدنا.

هذه مرحلة جديدة. اعتقدوا أن حزب الله أصبح ضعيفًا، لكن فُوجئوا، فُوجئوا بحضور حزب الله السياسي في تركيبة الدولة، وفُوجئوا بحضوره الشعبي، سواء في الجنوب اللبناني أو في التشييع المهيب الذي حصل لسيد شهداء الأمة، السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، والسيد الهاشمي رضوان الله تعالى عليه، وكان تشييعًا مليونيا باهرًا.

فُوجئوا بالانتخابات البلدية، وحجم الحضور الموجود لحزب الله وحركة أمل، أي للمقاومة، في هذه الانتخابات، وفي النتائج التي حصلوا عليها.

رأينا أن كلّ ما حصل خلال هذه الفترة يدل على قوة وعنفوان وحضور ووجود لهذه المقاومة بكلّ الأبعاد: السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والصحية، والإيوائية، والبذل أمام الناس حتّى يعودوا إلى بيوتهم، والمساعدة. كلّ هذه الأمور كانت دليل قوة. خرق “الإسرائيلي” الاتفاق، وهدّد تهديدات مستمرة، وهذا كله في رأينا مسؤولية “إسرائيل” وأميركا معًا، لأنهما متواطئتان مع بعضهما.

كل المطالبات التي حصلت خلال الفترة الماضية بتنفيذ “إسرائيل” للاتفاق فضحت “إسرائيل”، وفضحت أميركا، لأنه ماذا يريدون أن يجيبوا؟

يقولون لهم: وقفوا الاتفاق ووقف إطلاق النار. يقولون لهم: سنرى الآلية والميكانيكية وطريقة المتابعة، هل نستطيع؟ لا نستطيع؟

يقولون في النهاية: جاء المندوب الأميركي وقال: لا يوجد لدينا ضمانة. مع العلم أن هوكشتاين أعطى الضمانة الواضحة بأنه مسؤول عن أن يتابع تنفيذ الاتفاق من الجانب ال”إسرائيلي”.

جاءت أميركا إلى لبنان بإرسال مندوب، ما هي وظيفة المندوب؟ تبين أن وظيفة المندوب الأميركي أن يصنع مشكلة للبنان، وأن يقلب الحقائق.

أميركا لا تساعدنا، أميركا تدمر بلدنا من أجل أن تساعد “إسرائيل”. بدل أن تكون المشكلة هي “إسرائيل”، أرادوا أن يقولوا بأن المشكلة هي حزب الله والمقاومة ولبنان. مع العلم أن المطلوب إيقاف العدوان، والمطلوب تنفيذ الاتفاق. لكنّهم أرادوا أن يُحدثوا مشكلة لنا في داخل لبنان.

جاء باراك بالتهويل وبالتهديد بضم لبنان إلى سورية، وبالتهديد أن لبنان لن يبقى على الخارطة، وأنه لن يكون محل اهتمام العالم، مستخدمًا في الوقت نفسه العدوان والتهديد بتوسعة العدوان.

فوجئ أن الموقف اللبناني الرسمي الوطني المقاوم، الذي يحرص على مصلحة لبنان، كان موقفًا موحدًا: فليتوقف العدوان، وبعد ذلك نُناقش كلّ الأمور.

هو تفاجأ. هو يعتبر أنه إذا جاء ضغط على الرؤساء، يُحدث مشكلة وفتنة ويدخل اللبنانيين ضدّ بعضهم. لكن هو لا يعرف بأن هؤلاء الرؤساء يعرفون وضع لبنان، خصوصية لبنان، تركيبة لبنان. ثمّ هم جاؤوا ليُعمّروا بلدًا، لا يستطيعون أن يعمروا بلدًا والعدوان مستمر، لا يستطيعون أن يعمروا بلدًا ويأتي أحد يطلب منهم أن يعطيهم قوة البلد وقدرة البلد. لا يستطيعون أن يعمروا بلدًا ويأتي الأميركي ليفرض الوصاية التي يريدها من أجل أن يُعدم لبنان قوته وقدرته.

من يُريد أن يساعد لبنان، يدفع له أموالًا. من يريد أن يساعد لبنان، يساعده بقوانينه. من يريد أن يساعد لبنان، يحاول أن يعمل للإعمار. من يريد أن يساعد لبنان، يساعده باقتصاده. بينما الأميركي القادم يأخذ من لبنان لمصلحة “إسرائيل”. هذا أمر غير ممكن.

اليوم، تطبيق الاتفاق من جهة لبنان، حقق أمن الشمال، شمال فلسطين. يعني إذا “الإسرائيلي” يقول إن لديه مشكلة في الشمال، طيب، ما الآن الأمن متحقق، صاروا ثمانية شهور، حققوا لنا الأمن عندنا في لبنان، لكي نرى: هل قطعت مرحلة معقولة تُبين أن “إسرائيل” لا أطماع لها في لبنان؟

هذا ما لم يفعلوه. لا، العدوان مستمر. العدوان لم يتوقف. أنا سأقول لكم أكثر من ذلك. هل تظنون أن “”الإسرائيليين”” واقفون عند النقاط الخمس لأنهم يريدون أن يبتزوا بها حتّى يأخذوا مكاسب من لبنان؟ لا، هم واقفون عند النقاط الخمس لكي يساعدهم الأميركي ويضغط على اللبنانيين وينزع السلاح كما يقولون، ويصبح لبنان بلا قدرة، فيتوسعون من النقاط الخمس، حتّى يصلوا إلى عدة قرى موجودة لكي ينتشروا فيها، وتدريجيًا يجعلونها مستوطنات لاحقًا، وتدريجيًا يتدخلون بالسلطة السياسية في لبنان من أجل أن يفرضوا عليها ما يريدون. هذا هو المخطّط ال”إسرائيلي”.

لا تظنوا أنهم باقون أمنيًا بخمس نقاط، مثل ما قال رئيس الحكومة. ما هم إن كانوا باقين في خمس نقاط أو لم يبقوا، يستطيعون أن يتجولوا في كلّ لبنان ويقتلوا من يريدون ويفعلوا ما يريدون. ما أقوله لك هو: لماذا هم باقون؟ هم باقون لأن هذه نقاط مقدمة للتوسع، وليست نقاطًا من أجل المساومة ولا التفاوض عليها.

لدينا تجربة سورية. هذه هي سورية. ماذا فعل الأميركيون بسوريا؟ خربوها لسورية، ماذا يفعل الأميركيون الآن؟ تركوا “”الإسرائيليين”” يأخذون راحتهم، ويقتلون، ويفعلون، من أجل أن يرسموا الحدود والخارطة. طبعًا هم شجعوا على عمليات القتل والاغتيال، وشجعوا على مجازر السويداء، وشجعوا على قتل العلويين، وشجعوا على كلّ الأعمال المشينة التي حصلت بطريقة أو بأخرى.

لكن بعد ذلك، ماذا تبيّن؟ تبين أن الحدود ترسمها “إسرائيل”. ترسم الحدود الجغرافية وبدأت ترسم الحدود السياسية، وبدأت ترسم مستقبل سورية، وإذا لم يعجبهم، يغيّرون رأيهم. قالوا الآن، من أجل فقط أن الأميركيين لديهم فكرة أنه قد يستقر هذا الحكم، أعطوه فرصة. وإلا هم لا يعتبرونه حُكمًا ثابتًا، ولا يعتبرون أن هذا الحكم سيستمر، ويعتبرون أن سورية يجب أن تُقسَّم، ويريدون أن يطرحوا أفكارًا أخرى، وعلى كلّ حال، هم أخبر بالمنطقة، كما قال باراك لترامب.

نحن اليوم في لبنان معرضون لخطر وجودي. إن كنتم تظنون أن الخطر الوجودي متعلّق بالمقاومة فقط، كلا يا أخي، الخطر وجودي على كلّ لبنان، على كلّ طوائف لبنان، على كلّ شعب لبنان. الخطر من “إسرائيل”، الخطر من “الدواعش”، الخطر من الأميركيين الذين يرعون أن يكون لبنان أداة طيعة ليندمج في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يريدونه.

نحن نواجه هذا الخطر، فلا تظنوا أنه خطر بسيط. البعض يناقش ويقول: طيب، وماذا في ذلك إذا نُزِع السلاح؟ ليست المسألة مسألة نزع سلاح يا أخي، المسألة مسألة خطر على لبنان، خطر على الأرض. انظروا ماذا يفعلون.

أنا أفهم أن يكون هناك عدوان مستمر وتكتيك بالعدوان على قاعدة أنهم ليأخذون شيئًا إضافيًا. طيب، ما معنى أن يستمرّ التجريف؟ ما معنى أن يستمرّ القتل؟ ما معنى أن يستمرّ تدمير البيوت؟ ما معنى أن يحاولوا منع أهل الحافة الأمامية من الوصول إليها؟ هذه كلها عناوين من عناوين التوسع، لا من عناوين الأمن “الإسرائيلي” الكاذب الذي يتحدثون عنه.

سأقولها لكم صراحة من الآخر حتّى لا نُتعِبكم ولا نتعذّب، ولا يذهب أحد لتحليل الأمور يمينًا وشمالًا: لن نقبل أن يكون لبنان مُلحقًا ب”إسرائيل”، والله لو اجتمعت الدنيا كلها من أولها إلى آخرها، والله لو ذهبنا جميعًا، والله لو قُتلنا ولم يبقَ منا أحد، لن تستطيع “إسرائيل” أن تهزمنا، ولن تستطيع “إسرائيل” أن تأخذ لبنان رهينة، ما دام فينا نفس حي، وما دمنا نقول: لا إله إلا الله، وما دمنا نؤمن بأن الحق يجب أن يُحمى، وأن دماء الشهداء يجب أن تُصان.

السلاح الذي معنا هو لمقاومة “إسرائيل”، لا علاقة له بالداخل اللبناني. السلاح الذي معنا هو قوة للبنان. ونحن نقول: نحن مستعدون لنناقش كيف يكون هذا السلاح جزءًا من قوة لبنان. لكن، لن نقبل أن يُسلَّم السلاح إلى “إسرائيل”.

اليوم، كلّ من يطالب بتسليم السلاح، يطالب عمليًا بتسليمه ل”إسرائيل”. أميركا تقول: أزيلوا الصواريخ، وأزيلوا الطيران المُسيّر، وسلّموا كله، سلّموا المتوسط، وسلّموا الخفيف بعد فترة من الزمن. طيب، لماذا يا حضرة براك؟ قال لأن هذا السلاح يخيف “إسرائيل”. “إسرائيل” تريد أمنها. افهموا بالعربية الواضحة: هذا الرجل يريد السلاح من أجل “إسرائيل”، لا من أجل ضبط الوضع الأمني في لبنان.

الحمد لله، الوضع الأمني في لبنان على أحسن ما يُرام مضبوط. الحمد لله هذا السلاح لا يظهر لأحد، وبالتالي غير متوفر في مواجهة أحد، ولن يكون متوفرًا في مواجهة أحد. الدولة اللبنانية تقوم بمهامها: لديها أمن داخلي، لديها أمن عام، لديها جيش، لديها قوى تعمل بشكل طبيعي.

لا أحد ينافسها على حصرية السلاح من أجل الأمن الداخلي، وحتّى الأمن في مواجهة “إسرائيل”، من هنا، لا يطلب أحد منا اعترافًا، ولا أحد يطلب منا صُلحًا، ولا استسلامًا، ولا من الشرفاء في لبنان الذين قال لهم الناس: “إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم”، فزادهم إيمانًا، وقالوا: “حسبنا الله ونِعم الوكيل”، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل، لم يمسسهم سوء، واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل عظيم. إنما ذلكم الشيطان يُخوّف أولياءه، فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين”.

نحن قوم باعوا جماجمهم لله تعالى من أجل العزة والكرامة. نُطالب بحقنا في أرضنا، بتحرير أرضنا، بخروج المحتل. نعيش على أرضنا، ونموت على أرضنا. لن نعطيكم إعطاء الذليل، ولن نُقر لكم إقرار العبيد. نحن تربية الإمام الحسين، سلام الله تعالى عليه، الذي قال وكرّر: “هيهات منا الذلة”.

ثم يخرج بعضهم ليقول: طيب، يا عمّ، ماذا لديكم؟ تبدون أقوياء جدًا، وتُهدّدون وتُصعّدون. لا، لا، نحن لا نُهدّد. نحن في موقع دفاعي، نقول: هذا الدفاع لا حدود له عندنا، حتّى ولو أدّى إلى الشهادة. لأننا نحن مع إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. حتّى لو أدّى إلى الشهادة مهما كلفت، لأن مع الشهادة نصر، ونحن مطمئنون. ليس أننا ذاهبون إلى الشهادة ونرى الأفق مسدودًا، لا، ليس مسدودًا أبدًا. لا يتصوّر أحد أننا جميعًا ذاهبون ولن يعود أحد. لا، نحن يذهب منا ناس، ويبقى منا ناس، والانحراف لا يبقى، والاحتلال لا يبقى، والوصاية لا تبقى. هؤلاء لا يبقون، ونحن نبقى.

تسأل: ماذا لدينا؟ لدينا الإيمان بالله تعالى، وهذه قوة عظيمة. لدينا الإرادة والتصميم على المقاومة. لدينا حقّنا بأن نعيش على أرضنا، وسندافع بما نملك من قوة، وهذا اختيار بالنسبة إلينا. لن نُغيّر اختيارنا إذا لم يتعرف أحد علينا، ولم يعرفنا بعد، اعلموا أننا نبقى لأننا أصحاب الحق. طيب، إذا كان الإنسان لا يدافع عن حقه، فعن ماذا يدافع إذن؟

وهنا أود أن أقول لكم: الخطر الداهم هو العدوان ال”إسرائيلي”، فلا تناقشوا ماذا نملك أو لا نملك، ناقشوا العدوان يا أخي، انصرفوا إلى العدوان، هذا العدوان يجب أن يتوقف. كلّ الخطاب السياسي في البلد يجب أن يكون لإيقاف العدوان، وليس لتسليم السلاح ل”إسرائيل”. في هذه المرحلة، وحتّى أوضح لكم أكثر: في هذه المرحلة، كلّ دعوة لتسليم السلاح والعدوان مستمر، هي دعوة لإعطاء “إسرائيل” سلاح قوة لبنان.

لا يلعب أحد معنا هذه اللعبة، لأننا لن نكون من يعطون السلاح ل”إسرائيل”. والسلاح، أريد أن أقول لكم الآن هو ليس أولوية؟ الأولوية أن نذهب إلى الإعمار، إلى إلغاء العدوان. وهنا اسمحوا لي ولو بفكرة قد يراها البعض ثقيلة: الدولة لها حقوق وعليها واجبات. طيب، كلّ شيء فيه حقوق أعطيناها للدولة، كلّ شيء يُقوي الدولة قدمناه، حتّى السلاح الموجود معنا كمقاومة هو من أجل قوة الدولة وليس لإضعافها. طيب،

هل من حق الدولة أن تقول: “أنا لا أستطيع أن أدافع عنكم، و”إسرائيل” متوحشة متغوّلة، وأنتم صحيح أعطيتموني كلّ شيء، وأنا لا أريد أن يكون لدي قوة، وسلّموني هذا السلاح حتّى أضعه في المحرقة “الإسرائيلية””؟ لا، هذا لا يُمكن. الدولة لا تُدار بهذه الطريقة. للدولة حقوق وعليها واجبات. كلّ حقوقها أعطيناها إياها، الآن يجب أن تقوم بواجباتها. على الدولة أن تقوم بواجبين كبيرين أساسيين:

أولًا: إيقاف العدوان بكلّ السُبل، بكلّ الطرق، دبلوماسية، عسكرية. يضعون خطة، ويتخّذون قرارًا بأن يقف الجيش في وجه “إسرائيل”، ومعه المقاومة، أيًا تكن الخطط التي يُريدون فعلها فليفعلوا ما يشاؤون، هم مسؤولون بالنهاية عن حماية المواطنين. لا يمكنك أن تقول للمواطنين: “أنا لا أستطيع أن أحميكم، فتجرّدوا من السلاح، حتّى تكونوا عرضة للقتل والقتال والتوسع الإسرائيلي”. لا أحد يستطيع أن يقول هذا. أين نعيش نحن؟

لذلك أول مهمّة هي إيقاف العدوان. والمهمّة الثانية: الإعمار. الإعمار مسؤولية الدولة. طيب، أميركا تُضيّق علينا، وتمنع الدول العربية والإسلامية ودول العالم من مساعدتنا. فلتبحث الدولة عن طرق، ولو من موازنة الدولة، لأن هذه مسؤوليتها. سبعة أو ثمانية آلاف شقة تقريبًا يمكن تعميرها بأربعين مليون دولار. ألا تستطيع الدولة تأمينهم؟

نعم، تستطيع. وتستطيع تأمين أشياء كثيرة. وتستطيع اتّخاذ إجراءات. أتعلمون أنكم عندما تقومون بالإعمار، ماذا تفعلون؟ لا تظنوا أنكم تدفعون أموالًا لتخسروها. لا، عندما تدفع الأموال، يعمل العامل، ويأكل الفقير، وتتحرك الدورة الاقتصادية، ويحدث انتعاش، وتُفتح المحال، ويتحرّك التجار، ويعمل الناس. الإعمار ليس عملية خاسرة، بل عملية رابحة حتّى اقتصاديًا، فضلًا عن أن عليكم أن تقوموا بواجباتكم الاجتماعية تجاه الناس، وأن تقوموا بواجباتكم تجاه هؤلاء المواطنين.

نحن لا نقبل الابتزاز. يبتزّوننا، ويقولون: “لن نُعطيكم إلا إذا..”.، إلا إذا ماذا؟ “إلا إذا سلمتم سلاحكم لإسرائيل”! لن نسلّم ل”إسرائيل”. وأكثر من ذلك، أقول لكم: كلّ من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخليًا أو خارجيًا أو عربيًا أو دوليًا، هو يخدم المشروع ال”إسرائيلي”، مهما كان اسمه، ومهما كانت صفته، ومهما كان عنوانه، ومهما ادعى، لأننا نشرح لكم، انظروا إلى الوقائع. طيب، إذا أردتم الوصول إلى هذه النتيجة، فلتوقفوا العدوان..

قال بعضهم: “الحزب لا يريد أن يتوقف العدوان، لأنه لا يعود لديه ما يفعله، ولا عمل له”. لا يا عزيزي، لدينا عمل كثير. أنتم أوقفوا العدوان. امنعوا الطيران من الجو. أعيدوا الأسرى. فلتنسحب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها. دعونا نرَ إن كان هذا المشهد سيستقر. بعد ذلك، خذوا منّا أفضل نقاش، وخذوا منّا تجاوب على أفضل أنواع التجاوب. لا تقولوا لنا الآن: “نريد أن نعرف”، لا يا حبيبي. لا أستطيع أن أعرفك الآن وأن أقدم لك كلّ شيء، لأن الآن تريد أن تأخذ بعد الكرامة الباقية، لا نقدر.

اليوم، هناك خياران في لبنان: يوجد خيار اسمه السيادة، السيادة تعنى حماية الوطن. خيار اسمه الاستقلال، يعني عدم الوصاية. أسمه التحرير، يعني رفض الاحتلال. هذا هو الخيار: خيار السيادة والاستقلال والتحرير.

وهناك خيار آخر اسمه: الوصاية، التي تتجلّى الآن في شكل أميركي بنكهة عربية، والاستعباد مقابل الاستقلال، والاحتلال مقابل التحرير.

إذن، يوجد لدينا خيار آخر أسمه: خيار الوصاية والاستعباد والاحتلال.

بين الخيارين، نحن مع خيار السيادة والاستقلال والتحرير، وسنعمل للوصول إلى هذه النتيجة، وندعو الدولة إلى أن تحزم أمرها أكثر في مواجهة العدوان ال”إسرائيلي”، وفي إعادة الإعمار.

حزب الله مصرّ على بناء الدولة، وتمكين المؤسسات، وتقوية الجيش، وتحمل الدولة لمسؤوليتها في الحرب والسلم، وبناء إستراتيجية أمن وطني، وإستراتيجية دفاعية. وندعو أيضًا الدولة وكلّ الشرفاء إلى العمل على كف يد دعاة الفتنة، وخُدّام المشروع ال”إسرائيلي”.

فليعلم الجميع، وبصوت عالٍ جدًا: لبنان وطن نهائي لكل أبنائه، ونحن من أبنائه. لن يكون لبنان لفئة دون أخرى، ولن نقبل أن يُخطّط أحدٌ لجعل لبنان ملحقًا ب”إسرائيل”.

تعالوا نرفع هذا الشعار: فلنُخرج “إسرائيل” بوحدتنا، ولنعمر بلدنا بتكاتفنا. إذا استطعنا أن نقوم بهذا الأمر، نكون قد نجحنا.

ولنقل للعرب والأجانب: أهلًا بكم داعمين لإخراج “إسرائيل”، وإعمار البلد. وبهذا، تُحققون مصالحكم، وأيضًا مصلحة لبنان. وليس مُرحباُ بمن يريد خدمة “إسرائيل” ومشروع “إسرائيل”.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.

Exit mobile version