كتب منير شحادة مقالة بعنوان : تداعيات سقوط النظام السوري على سورية ولبنان والمنطقة
بقلم منير شحادة
يقدم المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات “اليونيفيل” ورئيس المحكمة العسكرية سابقًا العميد منير شحادة في هذا المقال قراءة يستشرف فيها تداعيات سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد على سورية وعلى لبنان والمنطقة، ويخلص إلى الاستنتاج بأن التحديات كبيرة، منبهًا إلى أنها تتطلب الوعي والتحلي بالحكمة في لبنان، باعتبار أن أي خطأ سيؤدي إلى تفلت أمني، ثم إلى خراب البصرة فوق رؤوس الجميع. وهنا نص المقال:
أصبح الغوص في حيثيات السقوط السريع والمفاجئ لنظام الرئيس بشار الأسد وأسبابه أمراً ثانوياً، نظراً لتسارع الأحداث بعد هذا الزلزال الذي بات واضحاً أنه سيغير وجه المنطقة بشكل جذري.
فور الإعلان عن رحيل بشار الأسد، كنت قد توقعت تقدم الجيش الصهيوني من الجولان باتجاه الشمال، وهذا ما حصل حيث أصبح الآن على بعد 12 كلم من معبر المصنع الدولي بين سورية ولبنان.
المهم والأهم الآن دراسة تداعيات سقوط هذا النظام، أولاً على سورية نفسها، ثانياً على لبنان، ثالثاً على المنطقة برمتها.
تأثير سقوط نظام الأسد على سورية
سيطرة “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبي محمد الجولاني الذي أصبح يطلق عليه اسم أحمد الشرع، والمصنفة منظمةً إرهابية، جعل كل المنطقة تترقب ماذا سيكون عليه الوضع في سورية الجديدة. هل سيكون نظام الحكم فيها إسلامياً أم ديمقراطياً أم علمانياً. هل ستبقى سورية موحدة ام ستصبح مجزأة إلى عدة سوريات متناحرة كما أصبح معروفاً أن هذا مخطط غربي للمنطقة من ضمن ما كان يسمى بمشروع “الشرق الأوسط الجديد”.
فلنعد إلى تقدم الجيش “الإسرائيلي” شمالاً، حيث أصبح على بعد كيلومترات من العاصمة دمشق، لنقولَ، إن جنوب سورية أصبح مفصولاً عنها، والواضح أن “إسرائيل” لن تنسحب منه.
فالعيون شاخصة الآن إلى ما تبقى من سورية، وإلى هوية نظام الحكم الذي سيرسو فيها. وهل ستستطيع الحكومة المزمع تشكيلها بعد انتهاء ولاية الحكومة الانتقالية التي شكلت حتى الأول من آذار المقبل، أن تبقي سورية موحدة، وتضم معظم أطياف الشعب السوري؟
هل سيبقى النزاع قائمًا بين “هيئة تحرير الشام” المدعومة من تركيا و”قسد” في الشمال الشرقي السوري المدعومة من أميركا؟
هل سيبقى الساحل السوري تحت سيطرة هذه الحكومة أم سينفصل لإنشاء دويلة علوية؟
إن قيام “إسرائيل” بتدمير كل قدرات الجيش السوري من سلاح جو وسلاح بحر وترسانة صاروخية ومصانع أسلحة، ستضع سورية الجديدة أمام تحدٍ كبير عند إعادة تكوين الجيش الجديد الذي أعلن أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) عن حل كل أجهزته الأمنية القديمة وإعادة تكوينها من الصفر، ما يعني أن هذا الجيش الجديد سيكون مجرَّداً من أي سلاح نوعي، فضلاً عن أنه سيحتاج إلى سنوات وأموال طائلة لإعادة تسليحه.
هل ستستطيع سورية الجديدة ضبط الأمن في كل أنحاء سورية وإخفاء المظاهر المسلحة ومنع الفلتان الأمني؟
أضف إلى ذلك، أن تركيا تقدمت في الشمال السوري وسيطرت على أراضٍ جديدة.
إذًا سورية الجديدة أمام تحديات كبيرة في الأشهر المقبلة وتطورات ستؤثر في كل محيطها.
تأثير سقوط النظام السوري في لبنان
سيطرة “هيئة تحرير الشام” على نظام الحكم في سورية جعل طريق إمداد المقاومة معقداً وصعباً، معطوفاً ذلك على تقدم الجيش “الإسرائيلي” على طول السلسلة الشرقية من مزارع شبعا حتى المصنع، بما فيها مرتفعات جبل الشيخ وقمة حرمون، ما يجعل المقاومة محاصرة من كل الاتجاهات.
كما أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد والضربات القاسية التي تلقتها المقاومة خلال هذه الحرب زاد من الضغوطات على الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليأتي رئيس أميركي الهوى، فيزيد من الضغوطات على المقاومة عبر ابتزازها بالمقايضة بين إعادة الإعمار وانتخاب الرئيس.
لا شك في أنه يجب أن نثمن صمود المقاومين الأبطال في التصدي لمحاولة الجيش “الإسرائيلي” التوغل في الأراضي اللبنانية، ومنعه من تحقيق أهدافه بسحق المقاومة.
كما يجب أن نثمن صمود بيئة المقاومة وتضحياتها وصبرها على كل المآسي التي حصلت، والتي لم تغير من تأييدها لنهج المقاومة رغم الأثمان الباهظة التي تكبدتها بالأرواح والممتلكات.
نزوح الآلاف من السوريين المؤيدين لنظام بشار الأسد مجدداً إلى لبنان زاد من أزمة الوضع الاقتصادي والأمني على لبنان.
لا شك أن إعادة إعمار الدمار الذي حل في الجنوب والضاحية والبقاع، سيكون ملفاً ضاغطاً جدًا على المقاومة وعلى بيئتها وعلى لبنان بشكل عام، والذي يقدر بمليارات الدولارات .
سقوط نظام بشار الأسد المفاجئ ودخول الجيش “الإسرائيلي” إلى سورية سيشجع “إسرائيل”، على محاولة التملص من تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار وتلكُّئها في الانسحاب من جنوب لبنان.
تأثير سقوط النظام السوري على المنطقة
طبعاً، ذكرنا أن “إسرائيل” تقدمت شمالاً، وباتت على بعد كيلومترات من العاصمة دمشق، وتركيا تقدمت جنوباً. والمشهد حالياً ينتظر ما ستؤول إليه الأوضاع على كامل رقعة الأرض السورية. هل ستتقسم سورية إلى دويلات متناحرة؟ هل ستستطيع استرداد ما تم ابتلاعه من قبل “إسرائيل” وتركيا؟
تقسيم سورية سوف يؤدي بالتأكيد إلى انتقال العدوى نحو العراق وتركيا والأردن، كما سيؤثر في الاستقرار في لبنان.
إنها مرحلة مخاض حالياً، ومن الطبيعي أن تحتاج الأمور إلى بعض الوقت لكي تستقر الأوضاع في سورية.
إذا كان ذلك لن يحصل، فهذا يعني استقرار النازحين السوريين في البلدان التي انتشروا فيها ومن ضمنها لبنان.
لبنان الذي يعاني منذ 2019 من أزمة اقتصادية خانقة ومن الحرب مع “إسرائيل” التي نشبت في المنطقة منذ أكثر من سنة.
تدخُّل الدول الكبرى في النزاع في سورية سيجعل المستقبل القريب غير واضح في ظل سعي الغرب إلى تفتيت منطقتنا ونهب ثرواتها وأطماع “إسرائيل” في البدء بالخطوات الأولى لإنشاء “إسرائيل الكبرى” (حلم الصهاينة) .
الخاتمة:
التحديات كبيرة علينا أمنياً واجتماعياً واقتصادياً. الوعي والتحلي بالحكمة هما المطلوبان عندنا في لبنان. أي خطأ سيؤدي إلى تفلت أمني ثم إلى خراب البصرة فوق رؤوس الجميع.