حبيب المقاومة
بقلم ليلى عماشا
كلّ الذين وفّق الله قلوبهم للإنصات إلى صوت الحاج قاسم سليماني وهو يتحدّث عن المقاومة، نالوا من ألق العشق الذي يحويه كفاف أعمارهم وأكثر. في تسجيلات ومقابلات عديدة، يمكن للمشاهد ذي القلب البصير، أن يلمح في عيني العاشق فيض النّور وهو يحكي عن عماد المقاومة مغنية، وأن يرى بأيّ مرتبة من الحبّ تسكن كلماته وهو يحدّث سامعيه عن مدّى حبّه للسيّد نصر الله.
ويقول كثيرون ممّن تشرّفوا بمجالسته يومًا، عن عمق الحنان الذي يغمر المكان حين يحدّث الحاج قاسم عن أحد شهداء المقاومة، تسبقه دمعاته السخيّات التي تعرف مسارها جيّدًا من جفنيه إلى أضرحة الأولياء.
حبيب المقاومة، الذي لا يغيب يومًا عن بال قلوب أهلها، يأتي إلينا في تموز كما أتى في تموز الحرب. يستعجل الوصول إلى حيث كلّ بقعة من الأرض هي خط التحام، وحيث كل الأمكنة خط مواجهة، وكل الزوايا معركة. وهل يتجرّأ الخطر على ردّ خطى الحبيب؟ لا، رغم تمنيات السيّد نصر الله والحاج عماد عليه بألّا يأتي يومها، ورغم تأكيدهم له أن وجوده في الجمهورية في هذه الأثناء سيكون مفيدًا أكثر، أتى. دخل الضاحية التي كلّها بنك أهداف للبوارج وللطائرات المعادية، وبقي فيها حبيبًا لا يبعده عن أحبّته أحد.
في إحدى المقابلات التلفزيونية، تحدّث الحاج قاسم عن ليلة من حرب تموز. روى الحرب كلّها بعاطفته الأشد بلاغة من كلّ لغات أهل الأرض، بدمعه مستذكرًا صديق روحه العماد الشهيد، بتبسّمه إذ روى عن نظرة رأى فيها في السيّد مسلم بن عقيل، عن شجرة في الضاحية، عن عتم لا يقطعه إلا وميض القصف، عن تفاصيل لا يلحظها إلا عاشق، وهل عرف زماننا عاشقًا كسليماني؟!
ارتفعت جداريات تسرّ له بامتنان الضاحية وأهلها، وفي القلوب ارتمت نبضات عند كفيه اللتين حملتا همّ الضاحية وأهلها، وعند كفّه العباسيّة التي مسحت على كلّ الرؤوس حبًّا قبل أن تعانق أرض القتال، يوم مضى.
في كلّ أيّام العام، لا يمكن أن يكون حضور الحاج قاسم الحبيب عاديًّا في قلوبنا، ولكن في تموز بشكل خاص، وخلال كل إحياء لذكرى النصر الألهي، يتخذ هذا الحضور بعدًا يبلغ في الأبوّة منتهاها، ومن العشق أقصاه. يختلط دمع اليتم الحقيقي الذي تستشعره القلوب بصرخات يطلقها القلب مناديًا يا أبانا نحن بخير، يقينًا كلّه خير. ما زالت المقاومة تحمي وتبني وترعب عدوّ الله وأدواته، وما زالت الضاحية مدينة الحبّ والشهداء تستحضر وجهك في كلّ يوم وعند كلّ مفترق وطريق. ما زالت هذه الأرض تحفظ جميل حبّك لها، وما زالت أضرحة الشهداء تصغي إلى صوت تلاوتك، يا حبيب الشهداء، الذين قضوا نحبهم والذين ما زالوا منتظرين.
ما زال ذكرك أمانًا، ولم يزل وجهك رفيق الأيام ومسكّن المواجع التي كلّها دون ذاك الجرح الذي قصم ظهر قلوبنا في فجر جمعة الاستشهاد.
نأتيك في تموز اليوم لنكتب لك دمعات الامتنان التي لا تنضب على حضورك فينا، وعلى مجيئك إلينا يوم عزّ النّاصر، يا حبيب المقاومة، وعزيز أهلها، وصديق أيامها، ورفيق دربها، وحامي ظهرها، وشريك نصرها، وعاشق سرّها، وتوأم روحها، وسند سيّدها، وأب أبطالها، وأخ قادتها، وخليل عمادها، وأنيس ذو فقارها، وابن قلبها، ما بقي الليل والنهار.