اجرى الموقع الالكتروني لـ “نشر وحفظ مؤلفات قائد الثورة الاسلامية – الامام السيد علي الخامنئي” (KHAMENEI.IR) ، حوارا مسهبا مع الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين “زياد النخالة”، تطرق فيه الى العديد من القضايا الراهنة في الصعيدين الاقليمي والدولي، بما في ذلك : آخر تطوّرات معركة «طوفان الأقصى»، وجبهة المقاومة ومشروع المقاومة لادارة غزة بعد الحرب، والمقاومة في الضفة الغربية واراضي 48، والعدوان الاسرائيلي على القنصلية الايرانية بدمشق.
نص القاء مع زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين. يسعدنا في موقعKHAMENEI.IR أن نستضيف في هذه الحلقة أحد قادة المقاومة الإسلامية في المنطقة، الشخصية الفذة التي تذكرنا بالشهيد الدكتور فتحي الشقاقي. يسعدنا أن نلتقي في هذه اليالي المباركة، آخر ليالي شهر رمضان المبارك، الأخ المجاهد الأستاذ زياد النخالة، الأمين العام لـ”حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين. من الواضح أن هذه المقابلة تحدث في أيام عصيبة بعد مضيّ 6 أشهر من معركة «طوفان الأقصى» الضافرة وبعد الجرائم البشعة التي ارتكبها الكيان الصهيوني المحتلّ ضدّ الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة.
أهلاً وسهلاً.
أستاذ أبو طارق، شكراً لكم على قبولكم هذه الدعوة من موقع KHAMENEI.IR.
أهلاً وسهلاً. شكراً لكم وكل عام وأنتم بخير في مناسبة قدوم عيد الفطر المبارك، وإن شاء الله تكون هذه الأيام مباركة على الجمهورية الإسلامية وعلى المسلمين وعلى الشعب الفلسطيني وتكون مكللة بالانتصار النهائي على الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني، إن شاء الله.
أستاذ أبو طارق، يمكن أن نقول إن الثورة الإسلامية في إيران أوقفت المدّ الذي بدأ من أجل التطبيع بعد اتفاقية كامب ديفيد. تأسيس حركة المقاومة ومحور المقاومة في المنطقة وقف بوجه عملية أسلو إلى حد كبير. بعد حرب تموز في لبنان وطرد الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، انتقلت المعركة إذا صح التعبير إلى الداخل الفلسطيني. المعارك والحروب العربية الإسرائيلية وفي لبنان والمناطق المحتلة الأخرى أيضاً كلها كانت خارج الأراضي الفلسطينية إلى حدّ كبير، ولذلك شهدنا الحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة من الحروب الثلاث أو الأربع إلى “سيف القدس” حتى آخرها، «طوفان الأقصى». تتميز معركة «طوفان الأقصى» بأنها كانت المعركة الأولى التي يطلقها الفلسطينيون من الداخل الفلسطيني مع ما تتميز به هذه المعركة كله. اليوم بعد مرور 6 أشهر على هذه المعركة، هناك بعض التساؤلات. أولاً، أين يقف الطرفان، أي المقاومة الإسلامية في فلسطين والكيان الإسرائيلي المحتل، وموازين القوة بين هذين الطرفين؟
أولاً الحمدالله رب العالمين. الشعب الفلسطيني ومسيرة المقاومة التي عبر تاريخها كانت تغطي المنطقة كلها من دون شك انتقلت من مرحلة إلى مرحلة، ولكن لم تتوقف. الآن نحن نتحدث عن معركة «طوفان الأقصى»، وهي ذروة الفعل الفلسطيني وذروة المقاومة الفلسطينية التي لم تأتِ فجأة، وإنما كانت نتيجة تراكمات طويلة وجهد كبير بذله المقاومون في الميدان، وقوى المقاومة في المنطقة تكاتفت ودعمت الشعب الفلسطيني أيضاً، وعلى وجه الخصوص الجمهورية الإسلامية التي بذلت جهوداً كبيرة غير متوقعة من العالم بدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته وتأييدهما، وما كان أن نصمد هذا الصمود الكبير في معركة «طوفان الأقصى» لو لا الدعم الواضح والكبير من الجمهورية الإسلامية على المستويات كافة، أي التسليح والإمكانات الأخرى بتفاصيلها كلها. لذلك نحن اليوم – أنا أعتذر -، أن فلسطين ومقاومتها اليوم، التي هي ذروة الجهود التي بُذلت عبر السنوات الطويلة، تعطياننا هذا النموذج الفذّ من المقاومة الفلسطينية ومن الشعب الفلسطيني ومن فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص «سرايا القدس» و«كتائب القسام».
يبلي الشعب الفلسطيني اليوم بلاء حسناً وغير متوقع في الأوساط الإقليمية والدولية كلها، إذ إننا نواجه أكبر قوة عسكرية في المنطقة وقوة انتصرت عدة مرات في المنطقة، ولكن قطاع غزة الصغير في الجغرافيا والمحاصَر يواجه اليوم هذه الآلة العسكرية الضخمة على مدى أكثر من 6 شهور متواصلة، لم تتوقف فيها عمليات المقاومة ولم يتوقف فيها إيقاع الخسائر في العدو على المستويات كافة رغم الجرائم التي يرتكبها العدو بحق المدنيين. لكن إذا نظرنا إلى جوهر المعركة، فإنّ العدو بدأ بعدوانه على غزة تحت عنوانَين هما «إنهاء المقاومة» و«استعادة الأسرى»، واليوم نحن ندخل في الشهر السابع من الحرب والعدو لم يحقق هذه الأهداف، وليس أنه لا يحقق هذه الأهداف فقط، بل إنه يتراجع يوماً بعد يوم، والمقاومة في غزة تسجّل حضوراً قوياً ومميزاً في الميدان، وحتى في الموقف السياسي، ولذلك أنا أعدّ أننا قطعنا شوطاً كبيراً باتجاه لحظة الانتصار النهائي، إن شاء الله.
مفهوم موازين القوى في المنطقة أمريكياً وصهيونياً كان يعني التفوّق الإسرائيلي المطلق، وهذا انكسر إلى حدّ كبير في هذه المعركة. لكن هناك نقطتان أخريان، النقطة الأولى يُتحدّث فيها عن سقوط الرواية الصهيونية عن موضوع وطن اليهود أو “الهولوكوست” أو حق اليهود في الدفاع عن أنفسهم وما إلى ذلك. النقطة الثانية هي الدور الوظيفي الذي كان يراد لهذا الكيان أن يلعبه نيابة عن الاستكبار العالمي في هذه المنطقة. يبدو أن هذا الدور تراجع إلى حد كبير. هل توافق تسمية هذه الحرب بحرب وجود وانعدام وجود للكيان الإسرائيلي؟ هل هي بداية النهاية لهذا الكيان؟
في واقع الحال، أستطيع أن أقول إنّ الرواية الصهيونية في الأصل هي رواية هشّة رغم الضجيج كله الذي سوّقها، إن كان من الغرب أو من بعض القوى التي تمثلت في دول دخلت في السلام مع المشروع الصهيوني. لكن هذه الرواية الإسرائيلية دائماً كانت هشة، بالمقاومة وبمثابرة الشعب الفلسطيني وحضوره المستمر في ميدان المقاومة ورفض الاحتلال على مدار الوقت ورفض الاعتراف بـ”إسرائيل” أنها دولة موجودة وانعدام إقرار الشعب الفلسطيني بأن هذا الكيان هو كيان أو دولة حقيقية، ولكن نحن في هذه اللحظة الفارقة التي اصطدمت فيها قوى المقاومة بالمشروع الصهيوني مباشرة، ومن الملاحظ أن الشعب الفلسطيني المحاصر يواجه المشروع الصهيوني بإمكاناته كلها مدعوماً من الولايات المتحدة على وجه الخصوص ومن الغرب، إن كان عبر الرواية أو عبر تأكيد أحقية الكيان في الوجود أو عبر الإمكانات أو إمكانات المعركة التي يمتلكها العدو وخاضها ضد الشعب الفلسطيني.
نعم، هناك علامة فارقة كبيرة، هي أن مبادرة هذه الحرب اليوم، مبادرة فلسطينية مئة بالمئة، وهذه المبادرة أحدثت خرقاً في الجدار الذي رُسِمَ عن “إسرائيل” بأنها القوة التي لا تُقهر ولا تُقاتَل، وفي 7 أكتوبر، سجل الفلسطينيون من دون شك انتصاراً كبيراً وواضحاً جعل “إسرائيل” تشعر أن الكيان الإسرائيلي اهتز كله، والرواية الإسرائيلية كلها اهتزت، وما قيل كله عن أن “إسرائيل” دولة عظمى في هذه المنطقة ودولة لا تُهزم ودولة تنتصر على دول في يوم سبعة أكتوبر، هذه الدولة انهارت أمام مجموعات مقاتلة، مجموعات مقاتلة محاصرة على مدى خمسة عشر عاماً، ولكنها أحدثت هذا الخرق الكبير في جدار الرواية الصهيونية التي كانت تتحدث عن أن إسرائيل هذه أقوى دولة في المنطقة تستطيع أن تفعل ما تريد وتضرب أي دولة وتنتصر… وخلقت حالة رعب لدرجة أن دول عربية كثيرة ذهبت تطلب ودّ “إسرائيل” وتعقد معها اتفاقيات سلام.
هذا الضعف العربي كان نتيجة الرواية الصهيونية ونتيجة الحروب الصهيونية التي شنتها على المنطقة وحققت فيها انتصارات، ولكن عندما اختُرقت هذه الرواية الصهيونية يوم سبعة أكتوبر، استيقظ الجميع على مفاجأة كبرى، حتى الغرب والمنطقة العربية و”إسرائيل” تفاجؤوا، يعني أمام هذه الهزة الكبيرة، اضطر الغرب أن يحشد إمكاناته كافة.
قدوم بايدن، الرئيس الأمريكي، إلى الكيان، وقدوم قادة دول الغرب، يعني أنهم أرادوا إرسال رسالة أننا لن نسمح بهزيمة “دولة إسرائيل”، وفتحوا لها الإمكانات كلها من أجل أن تنتصر في هذه المعركة.
أنا أتصور أنهم اعتقدوا أنّهم قادرين بهذا الحشد أن يرسلوا رسالة، أولاً إلى المنطقة وإلى المقاومة أنهم سيسحقون المقاومة، وهذا أيضاً كان تحدياً كبيراً أمام المقاومة، وكثيرون توقعوا أن غزة لا تصمد بضعة أيام أو بضعة أسابيع أمام هذا الحشد الهائل، الحشد الغربي الأمريكي الأوروبي والصريخ الإسرائيلي، والادعاء بأنهم سيسحقون قطاع غزة ورفعهم شعارات سحق المقاومة واستعادة الأسرى. هذا كله انهار مرة أخرى أمام صمود الشعب الفلسطيني أولاً، وتضحياته والتفافه حول المقاومة.
ثانياً من المقاتلين الشجعان والبواسل الذين أبدوا بطولة نادرة في مواجهة القوات الإسرائيلية المتقدمة.
حتى عندما نذكر أن قطاع غزة هو هذه المساحة الجغرافية المحدودة، ثلاثمئة وستون كيلومتراً مربعاً، يعني طول أربعين أو خمسة وأربعين كيلومتراً في عرض ثمانية كيلومترات، أي يتصور أي محلل عسكري أن الدبابة الإسرائيلية يمكنها أن تتوجه من شرق غزة إلى الغرب في نصف ساعة وتقطع هذه المسافة، فهناك ثمانية كيلو مترات أو أقل في بعض المناطق.
لكن المفاجأة كانت أن القوات الإسرائيلية غرقت في رمال غزة، وغرقت في المواجهات، إذ أوقع المقاتلون والمقاومون الشجعان والبواسل خسائر هائلة في الجيش الإسرائيلي. عندما نتحدث عن ستة أشهر من القتال المتواصل وغرق القوات الإسرائيلية في رمال غزة والخسائر التي حدثت في الجيش الإسرائيلي، فهذا كان مفاجأة كبيرة أيضاً للأمريكان وللغرب، حتى الخطاب الأمريكي والأوروبي بدأ يتغير تدريجياً مع تغيرات الميدان.
بينما كان الجميع يهدد بسحق المقاومة وبسحق قطاع غزة، بدأ تدريجياً يستعد أو بدأ يعترف بأنه يفاوض الطرف الفلسطيني، وأصبح الأمريكي والإسرائيلي والدول الإقليمية يفاوضون الطرف الفلسطيني، هم يفاوضون من؟
يفاوضون المقاومة التي صمدت، ولو لم تصمد، ما كان أحد ليسأل. لذلك اضطروا في النهاية إلى مفاوضة المقاومة، ورغم ذلك ما زلنا نحن في المربع الأساسي، في مربع المفاوضات.
في هذه المفاوضات، كسرنا أولاً الادعاء الغربي والعنجهية والاستعلاء الأمريكي والأوروبي كلها بأن هذه المقاومة يجب أن تسقط، لدرجة أن بايدن تحدّث عن «حماس» بوصفها كانت تحكم غزة بأنها “تنظيم داعش”، وتدريجياً أصبح هو يفاوض «حماس» وأصبح الغرب يسعى من أجل فعل اختراقات في وضع المقاومة ومفاوضاتها والبحث عن حلول، لأنهم أصبحوا يبحثون عن حل لـ”إسرائيل” وليس عن حلّ لقطاع غزة، رغم الخسائر الكبيرة كلها التي حدثت في صفوف المدنيين الفلسطينيين، ولكن الآن هم أصبحوا يبحثون عن مخرج للقوات الإسرائيلية للانسحاب من غزة.
الآن “إسرائيل” أمامها خياران، إما الانسحاب والتسليم وإما الهزيمة أو إعلانها، وهذا أيضاً نلحظه في التنازلات التي تقدمها “إسرائيل” تدريجياً رغم أنها تكابر، وكل يوم يجب أن نلحظ الخلل الذي حدث في المجتمع الصهيوني برمته، حالة الانقسام حيال الحرب في غزة وحيال الخسائر التي مُني بها الجيش الإسرائيلي، هذا المجتمع كله الذي خلق من “إسرائيل” دولة. يريد الغرب والإقليم، الذي عقد اتفاقية السلام، أن يبحثا عن مخرج لـ”إسرائيل” من هذه الحرب، ولكنهما للحظة لم ينجحا في إخراجها من المأزق، إذ إنهما يسجلان لو انتصاراً جزئياً على المقاومة.
المقاومة حددت شروطاً أساسية، أولاً انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة، و[ثانياً] لن يُطلق سراح الرهائن من دون إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. ولن يخرج الأسرى الإسرائيليون من دون إخراج الأسرى الفلسطينيين من السجون، هذا شرط أساسي.
نحن نفاوض في هذه اللحظة حول شروط المقاومة.
في هذه اللحظات، تقدّم “إسرائيل” تنازلات، ولكن المكابرة من الوسطاء ومن الأمريكان في أنهم يحاولون أن يعطوا إسرائيل هامشاً، كمخرج أنه عندما توافق “إسرائيل” تدريجياً على إطلاق أربعين أسيراً إسرائيلياً مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب جزئي من بعض المناطق، هم يريدون أن يتجرّعوا الهزيمة بالتقسيط.
نحن اشترطنا. يعني كان رأينا في هذه الخطوة أن نتعاطى معها بإيجابية، ولكن بشروطنا وليس بشروط العدو. هم يحاولون أن تبقى لـ”إسرائيل” اليد العليا على نحو أو آخر، ولكن نحن قلنا يجب أولاً الانسحاب وتحدث بعد ذلك عملية التبادل. نحن نراوح في هذا، والمقاومة يومياً تسجل عمليات كبيرة ومهمة ضد القوات الصهيونية في الميدان، و”إسرائيل” مرتبكة ارتباكاً كبيراً.
نعم أستاذ أبو طارق، شكراً أولاً للصورة التي رسمتها للمشاهدين عن معركة «طوفان الأقصى»، تحدثنا عن هذه التجربة وعن هذه المعركة وتحدّث الكثيرون عنها، ولكن أنا أريد أن أسأل عن المستقبل. في النهاية هذه الحرب الجارية إما ستستمر في الميدان، أو ربما المفاوضات ستؤدي إلى وقف إطلاق نار وإلى حلّ سياسيّ إذا صحّ التعبير.
لكن في الجانب العسكري، المقاومة إلى أي مدى مستعدة ولها الجهوزية للاستمرار في هذه المعركة؟
عندما نرفض نحن الشروط التي ترفعها “إسرائيل” والوسطاء والأمريكان بأن تتم عملية تبادل للأسرى مثلاً أو تتم شروط لانسحاب إسرائيلي، عندما ترفع إسرائيل شروطاً، وترفض المقاومة هذه الشروط وترى أخرى مضادة، وهذا واضح، فإنّ هذا الذي يسبب عرقلة التقدم في أي إنجازات لمصلحة “إسرائيل”.
نحن اليوم نقف في مربع فرض شروط المقاومة وليس قبول شروط العدو هذا.
أنا لا أتحدث الآن عن المفاوضات، في جانبٍ ما، إذا استمرت هذه المعركة، إلى أي مدى المقاومة لها الجهوزية للاستمرار في هذه المعركة؟
أولاً أنا عندما أقول نحن نرفض شروطاً، هذا يعني أننا نستند إلى حقائق موضوعية بأن المقاومة تستطيع الاستمرار في قتال العدو في الميدان وتستطيع أن تفرض هذه الشروط وتستطيع أن تستمر بالمستوى التي انطلقت فيه من بداية المعركة حتى هذه اللحظة.
أنا قلت في أكثر من مكان إننا الآن بعد ستة شهور في منتصف المعركة ولسنا في نهايتها، وعندما أقول في منتصف المعركة، هذا يعني أن لدينا القدرة على الاستمرار لستة شهور أخرى على الأقل في المقاومة بهذا المستوى وربما أكثر، وربما عندما يتمكن المقاتلون أكثر أو تستقر القوات الإسرائيلية في الميدان أكثر يمكن أن تكون فاعلية المقاومين أفضل، خاصة أننا نتوقع ونعمل على أن الإسرائيلي يواجه وسوف يواجه عمليات استشهادية كبرى، ولن يكون مفاجئاً أن يرى العدو الصهيوني مقاتلين يحملون العبوات ويواجهون الدبابات الإسرائيلية مباشرة.
يجب أن نثق بأن هذه القدرة موجودة لدى المقاومين في الميدان، ونحن أعددنا أنفسنا لمواجهة طويلة المدى إذا لم يقبل العدو بوقف إطلاق النار ضمن شروط المقاومة. نحن مستمرون بالمقاومة بالمستوى والأداء نفسهما، وإن شاء الله، يكون أداء المقاومين أفضل من الأيام أو الشهور التي مضت. لذلك لدينا قبول على المستوى النفسي والعملي أن نستمر لشهور أخرى في المقاومة.
نعم، ماذا بالنسبة إلى البيئة الحاضنة، يعني هل ترون أنّ الشعب الأعزل المنكوب في غزة الذي عانى من هذه المشكلات كلها والدمار والتشرد وحتى فقد الأولويات في الحياة مستعدٌّ لمواصلة الحرب؟
هذا سؤال مهم. أولاً ما حدث للشعب الفلسطيني في هذه المعركة هو عبارة عن جرائم كبرى، وليس له مثيل في التاريخ.
نعم، وهذه الجرائم الكبرى أيضاً دفعت الشعب الفلسطيني إلى التمسك أكثر بحقه والتفافه حول المقاومة رغم التضحيات الكبيرة والهائلة التي تقدّرها المقاومة. نحن نلاحظ على التلفزيونات والأخبار كيف يتعاطى الشعب الفلسطيني مع تشييع شهدائه ومع الخسائر الكبيرة أيضاً، ولكن نادراً ما تسمع صوتاً فلسطينياً يخرج قائلاً: كفى للقتال. الجميع ملتف حول المقاومة، أولاً نتيجة قناعة أساسية بأن هذا العدو يريد أن يسحق الشعب الفلسطيني كله ويريد أن يسحق المقاومة، لذلك حالة الالتفاف الشعبي حول المقاومة هي حالة هائلة ومفاجئة أيضاً، لأن هؤلاء المقاتلين هم أبناء الشعب الفلسطيني، والشعب الفلسطيني ملتف حول أبنائه رغم هذه التضحيات الكبيرة والهائلة والمرعبة لأي شعب آخر.
لكن ترحيب الشعب الفلسطيني بهذا التحدي أصبح واضحاً، ونحن عندما نتحدث عن قدرتنا على استمرار المقاومة لستة أشهر أخرى فذلك لثقتنا بأن الشعب الفلسطيني لديه الاستعداد أيضاً للاستمرار معنا في تحمل النتائج رغم التضحيات الهائلة كلها. نحن دفعنا ثمناً هائلاً ولن نقبل بالهزيمة بعد أن دفعنا هذا الثمن، والشعب الفلسطيني يدرك أن هذا الثمن يجب ألّا نخسره في أي سلوك وفي أي مظهر من مظاهر الضعف.
لذلك أنا أعتقد ولدي اليقين وبالملموس أن الشعب الفلسطيني ليس مستعداً لأن يسجل على نفسه هزيمة بعد هذه التضحيات الكبيرة والهائلة. لذلك لا يتوقع أحد أن ينهار الشعب الفلسطيني في هذه المقاومة بعد أن قدم هذه التضحيات الكبيرة كلها، وأنا أعتقد أن الحاضنة الشعبية ما زالت متينة وقوية.
أنا لا أقول إن الحاضنة الشعبية متينة مئة بالمئة، ولكن الحد الأدنى في استعداد الحاضنة الشعبية وقابليتها للاستمرار، أستطيع أن أقول أن لا يوجد أقل من ثمانين بالمئة من الشعب الفلسطيني ملتف حول المقاومة ويريدها أن تستمر حتى تحقيق أهدافها.
يعني حتى إذا هُجم على مدينة رفح التي هي آخر ملجأ.
لا، أقول إن الإسرائيلي والأمريكي يتحدثان عن رفح وكأنها جزء خارج قطاع غزة، وهي جزء منه، ولكن يحدث نوع من التهويل، هم دخلوا المنطقة الشمالية والوسطى والمدن الفلسطينية الباقية كلها.
الآن هم دخلوا المناطق كلها والمقاومة موجودة فيها، طيب، حتى لو دخلوا رفح سيواجهون المقاومة نفسها التي واجهوها في خان يونس والتي واجهوها في المنطقة الوسطى وفي المنطقة الشمالية.
لذلك نحن لا نخشى إذا دخلوا رفح، وسيواجهون المقاومة نفسها بالتأكيد. المقاومة لديها استعداد للمواجهة، يعني هذا تحدٍّ فُرض على الفلسطيني، وما دام هذا التحدي فُرض على الشعب الفلسطيني، فأنا أعتقد أن واجبنا أن نستمر في المقاومة.
مشكلتنا ليست فقط في رفع المشكلة عن قطاع غزة كله، فكله ميدان قتال. الآن رغم أنهم يهددون قطاع غزة، ولكن يستهدفون كثيراً من الأهداف في رفح ويستهدفون المدنيين ومراكز و… هم لم يتوقفوا، يعني رفح غير مستثناة من القصف، ولكنهم يتحدثون عن الهجوم على رفح.
أنا أقول لك لولا خوفهم، لن تسمع هذا التهديد، كانوا سيبادرون مباشرة بالهجوم. الآن الفكرة لدى الأمريكان ولدى المنطقة أنه يوجد عدد من السكان المدنيين الذين نزحوا إلى منطقة رفح، وفي حال الاشتباكات، سيكون هناك خسائر أكبر في المدنيين، ولذلك الجميع يقول: إذا دخلت القوات الإسرائيلية، فالخسائر في المدنيين ستكون أكبر.
سأتحدّث عن مسألة أساسية، يحاول الغرب والإسرائيليون والجميع أن يضفوا نوعاً من الأخلاقيات عند العدو، ولكن في بداية المعركة وعلى مدى وقت طويل كان عدد الشهداء في بعض الأحيان يقترب من الألف شهيد في اليوم، ماذا يمكن أن تفعل “إسرائيل”؟ ماذا يمكن أن تفعل أكثر من ذلك؟
لذلك هم يحاولون التهويل أنه إذا دخلت “إسرائيل”، يمكن أن تكون الخسائر في المدنيين أكبر. نحن نقول إننا جاهزون للمواجهة، و”إسرائيل” جاهزة لارتكاب الجرائم، وستثبت المواجهة بين المقاومة وبين قوات العدو في الميدان مرة أخرى – كما أثبتت في المناطق كافة – أن المقاومة تستطيع أن تصمد رغم هذه الخسائر كلها.
أقول في خطابي إن هذا ليس تجاوزاً لمعاناة السكان والمدنيين، ولكن لا أستطيع أن أقول إننا يجب أن نتجاوز ونخسر الحرب ونسجّل على أنفسنا بعد هذه التضحيات كلها هزيمةً أخرى كونه يريد الهجوم على منطقة رفح.
استعداد المقاومة كامل في المواجهة، وعلى العالم الذي يريد أن يجنّب المدنيين هذه الحرب أن يتدارك المسألة ويمنع “إسرائيل” من العدوان، لأن العدو يمارس الجرائم يومياً في المناطق كلها.
لاحظ، عندما عادوا إلى مستشفى الشفاء قتلوا في أيام قليلة أربعمئة شهيد، غالبيتهم مرضى أو جرحى من أسرة المستشفى، سحبوهم وقتلوهم في الميدان. أي أنّهم قتلوا أربعمئة شهيد في أيام قليلة في داخل المستشفى ودمروها كلها، لذلك التدمير والقتل والجرائم قائمة، يعني ليست رفح فقط، هم يتحدثون عن رفح وإمكانية إيقاع الخسائر، لا؛ في المناطق كلها يسقط يومياً عشرات الشهداء من المدنيين، وفي المناطق كلها أيضاً هناك مقاومة مستمرة.
حسناً، ماذا عمّا يطرح من مشاريع لإفراغ غزة وإخلائها من المواطنين، هل ممكن أن يقبل جزء من الشعب الفلسطيني بسبب معاناته؟ وما مدى تأثير ذلك على المعركة؟
انظر، أنا أعدّ هذا تهويلاً كبيراً، موضوع تهجير الفلسطينيين تهويل. أولاً الشعب متمسك بأرضه، لو كان لديه رغبة في الهجرة، لكسر الحدود المصرية ودخل، ولكن الناس متمسكون بأرضهم، متمسكون بغزة ولن يرحلوا رغم هذا الضغط كله، ماذا يمكن أن يفعل العدو أكثر مما فعل حتى يضطر الفلسطينيون إلى الرحيل؟
ثانياً، أنا أقول لك بصفتي مسؤولاً في المقاومة: لا ترعبنا مسألة لو تهجّر جزء من الشعب الفلسطيني، هذه غزة فيها عدد السكان يقترب الآن من مليونين ونصف مليون.
هذه غزة كان عدد سكانها ربع مليون قبل خمسين سنة، وكانت أيضاً تقاوم واستمرت في المقاومة. نحن نتحدث عن خمسين عاماً من مقاومة الاحتلال بالصور كافة.
التهديد بالتهجير هم يعتقدون أنه يرعب الفلسطينيين. بالعكس، هذا لا يرعبنا، حتى لو تسرّب عدد من السكان نتيجة ضغوط معينة، ولكن غزة فيها مقاومين كثر والناس متمسكون بأرضهم بغالبيتهم، وموضوع التهجير هذا لن يرعب الفلسطينيين.
يعني في حين كانت المنطقة الشمالية تحت قصف الطيران والمدفعية والدبابات والضغوط، نعم هاجر جزء في داخل فلسطين ونزحوا، ولكن أيضاً أكثر من خمسين في المئة من السكان بقوا رغم القصف. لذلك هذا مؤشر ورسالة أنه لا يمكن ترحيل سكان غزة كما تتحدث “إسرائيل”، وهذا غير متاح أمامهم، إن شاء الله.
نعم، تحدثنا عن الجوانب الميدانية، يا حبذا لو تصف لمشاهدي الموقع الحالة الإيمانية للمقاتل الفلسطيني، يعني نسمع أن بعض المقاتلين من حفظة القرآن أو يتلونه وعن الحالة الإيمانية الروحية، وهذا يمكن أن يكون جزءاً من عناصر النصر في المعركة.
أولاً الحالة الإيمانية في قطاع غزة عموماً، لست الوحيد الذي أتحدث عنها، هذا المشهد الذي نشاهده كل يوم ويشاهده العالم على وسائل الإعلام من صمود الناس واستقبالهم للشهداء وتوديعهم أيضاً على الأقل، أنا أقول لك إنه أحد المظاهر وأتحدى أن تأتي وسائل الإعلام بسيدة من دون حجاب رغم هذه المعركة وتعقيداتها كلها.
في أثناء المعركة، شكّل المواطنون الموجودون في المدارس حلقات لحفظ القرآن، وقبل هذه الحرب – أنا أقول لك – كان الآلاف من الفتية الفلسطينيين يشاركون في مسابقات حفظ القرآن والصلاة والتمسك بالإيمان، أي هناك درجة من الإيمان عالية في قطاع غزة، أعتقد أنه قليلاً ما تكون هذه الظاهرة نفسها موجودة في دول العالم.
لذلك نحن في هذه المعركة نكتشف معدن الناس وحجم الإيمان واليقين. أنت تتخيل أماً تحمل أطفالها وتدفنهم، وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، من أين أتت بهذه القدرة والقوة؟ أمٌّ، بالعادة الأم هي الأضعف في هذه المحطة، ولكن رأينا آلاف الأمهات يودّعن أطفالهن والآباء والإخوة والعائلات والأسر، أسر كاملة، وتبقى الأم وحيدة وهي تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
أقول لك إن الفلسطينيين يمنعون أنفسهم من البكاء على وسائل التواصل، وكل أمّ – أنا متأكد – تبكي على أبنائها، ولكن لا تقبل على نفسها أن تبكي مقابل العلاج في مقابلة على الإعلام، لأنها تعدّ هذا هزيمة. لذلك تجد الروح المعنوية في النساء وفي العائلات وفي الآباء روحاً عالية جداً، ولكن هم بالتأكيد في اليوم الثاني أو الثالث يبكون أطفالهم، وهذه معاناة شديدة. نحن لسنا خالين من العواطف، ولكن أيضاً لا يوجد استعداد للانكسار، الكل متمسك بإرادته بإيمان عميق بالله سبحانه وتعالى، إيمان بأن الله سبحانه وتعالى سينصرنا رغم هذه التعقيدات كلها.
مظاهر النصر هي صمود المقاومة في الميدان، أي في لحظة من اللحظات في أي منطقة جغرافية بهذه المحدودية ومحدودية الأماكن وباندفاع الجيش الصهيوني، وقوات الجو والبر والبحر كلها تقصف، ورغم ذلك خرج الشبان والمجاهدون في الميدان يواجهون سلاح الدبابات الإسرائيلي بكل بسالة وقدرة، أين يمكن أن تجد هذه الظاهرة؟
يصورون العمليات وينصبون الكمائن أيضاً، وهكذا المظاهر كلها تشير إلى أن هناك إيمان عميق بحقنا في الحياة وإيمان عميق بالله سبحانه وتعالى وإيمان عميق بأن هذه الأرض مقدسة، فنحن ندافع عن المسجد الأقصى وعن فلسطين التي باركها الله سبحانه وتعالى وأوجد المسجد الأقصى فيها الذي باركنا حوله. هذه الأرض كلها مباركة، ونحن ندافع عن أرض مقدسة وندافع عن الإسلام وندافع عن الحضارة وندافع عن تاريخ المنطقة أمام هذا الغزو الغربي الصهيوني كله.
نحن شعب فلسطين القليل، ولكن الذي أبدع في الحفاظ على هذه الجغرافيا. هذه الجغرافيا فيها صراع العالم كله وفيها تحديات كبرى وفيها صراع حضاري. نحن في هذا الصراع، صراع على التاريخ وصراع على الحضارة وصراع على الدين وصراع على الأخلاق مع المشروع الصهيوني والغرب.
لذلك نحن لدينا جوهرة كبيرة التي هي فلسطين والمسجد الأقصى، نعم وهذه الجوهرة لن نستبدلها بالكون كله. لذلك إنّ ما نملكه من إيمان يحمي المسجد الأقصى ويحمي فلسطين، وسيثبت مع الوقت أن الشعب الفلسطيني كان أميناً على هذه الأمانة، وما نشاهده أيضاً ليس في قطاع غزة، بل في الضفة الغربية. هذه المقاومة التي تنمو يوماً بعد يوم رغم التحديات كلها، والعدو الصهيوني لا يوفر المدن الفلسطينية من التدمير والقتل، ولكن المقاومة في الضفة تتمدد أيضاً.
اليوم نحن في شهر رمضان المبارك، تخيل أن هناك مئة وعشرين ألف فلسطيني أقاموا صلاة الجمعة الأخيرة في رمضان، وهذا رقم ليس بسيطاً رغم منع العدو ومحاولة وضع حواجز أمام الفلسطينيين وكبح وجود الناس وحضورهم للصلاة، ولكن عندما يكون مثل هذا العدد رغم المستوطنات والحواجز كلها… فهذا يعني أن هذا الشعب يمتلك إرادة وإيماناً عميقاً بحقه في فلسطين وإيماناً عميقاً بالله سبحانه وتعالى وإيماناً عميقاً بقداسة الأرض التي يدافع عنها.
نحن، إن شاء الله، مطمئنون لأن النصر في نهاية الطريق هو النتيجة الحتمية لهذا الصراع ولهذه المعركة.
نعم وهذه الإرادة تجلّت ليس في صلاة الجمعة الأخيرة فقط، وإنما في الشعارات والهتافات التي أُطلقت في باحات المسجد الأقصى.
اسمح لي أن ننتقل إلى العوامل الأخرى المحيطة بالضفة الغربية بالتحديد، وفقاً للمعلومات المتوافرة إن «حركة الجهاد الإسلامي» في فلسطين لها وجود في الضفة الغربية التي شهدت كثيراً من العمليات في السنة الأخيرة على الأقل، وشهدت العمليات الإجرامية التي فعلها الكيان الصهيوني حتى بعد سبعة أكتوبر وبعد «طوفان الأقصى» من عمليات الاعتقال والاغتيال أيضاً.
هل يمكن أن تؤثر الحالة في الضفة الغربية والتحرك الشعبي أو المقاومة في أن تنمو وترتقي إلى مستوى دعم المقاومة في غزة وإلى تعزيز قدرات المقاومة في فلسطين المحتلة؟
أولاً، لنرجع إلى موضوع غزة. أولاً غزة تقاتل بإمكانات معروفة ومحدودة، بعد حصار خمسة عشر عاماً نحن نواجه هذه المعركة بهذا الحجم. في هذه المناسبة، أريد أن أذكّر أن هذه الإمكانات المتواجدة في قطاع غزة، الجزء الأكبر والمهم منها تلقّيناه مساعدةً من الجمهورية الإسلامية بطرق ووسائل مختلفة، وإن لم يكن هناك سلاح، فهناك خبرة اكتسبناها وتعلمنّاها من الإخوة في الجمهورية الإسلامية.
تصنيع السلاح.
نعم، خبرة في تصنيع الصواريخ وتصنيع القذائف وتصنيع السلاح. “إسرائيل” تقاتلنا على مدى ستة شهور، وخط الإمداد الأمريكي لم يتوقّف. نحن نقاتل ستة شهور ولا يوجد أيّ خطّ إمداد، وقبل ستة شهور، كان الحصار موجوداً.
هذا الصمود أيضاً. قبل هذه المعركة نقلنا بوصفنا «حركة الجهاد الإسلامي» تجربة المقاومة إلى الضفة الغربية وشكّلنا كتائب في غالبية مدنها، كتائب مسلحة إن كانت صغيرة أو كبيرة، وأبلت بلاءً حسناً، حتى قبل معركة غزة في جنين وطولكرم ونابلس والخليل والقدس. كان هناك دائماً اشتباكات واجتياحات إسرائيلية، ولكن المقاومة كانت حاضرة وتنمو وتكبر رغم قوة العدوان ورغم انتشار الاستيطان. الضفة الغربية كانت حاضرة في عقل المقاومة وفي جوهر المقاومة الفلسطينية.
الضفة الغربية نقطة مركزية في المقاومة حيث نواجه الاستيطان مباشرة يومياً في تحدٍّ كبير لهدم المسجد الأقصى والمشاريع الاستيطانية في هدمه، وكانت مبررات الحرب في الضفة الغربية أكثر من قطاع غزة، ولكن الإمكانات المتاحة في الضفة الغربية لم تصل للحد الذي يمكن أن نقول إننا نستطيع أن نخوض معركة كبيرة مع العدو، ولكن نحن نخوض حالة من المشاغلة مع القوات الصهيونية المنتشرة في الضفة الغربية في عمليات وفي اشتباكات، في كل مكان وفي كل نقطة يوجد دائماً اشتباكات.
هذه الحالة في الضفة الغربية أيضاً لم تأتِ عبثاً، بل أتت عبر جهود وتسليح وتعبئة، وليست التعبئة في شهور قليلة فقط، بل عبر سنوات. لذلك أقول إن حالة المقاومة في غزة والضفة هي ليست وليدة سنوات قليلة، بل حصيلة تاريخ طويل مرّ به الشعب الفلسطيني وتراكمت عنده الخبرات والشجاعة والإرادة والفهم الإستراتيجي، في مسألة الصراع انفتحنا أو وجدنا حضناً كبيراً من إخواننا في الجمهورية الإسلامية باحتضان المقاومة ودعمها وتأييدها على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية كافة.
هذا كله لم يكن ليحدث فجأة، هذا حصيلة سنوات. هذه السنوات نرى نتيجتها الآن في معارك غزة وفي صمود الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية.
من المتوقع أن تنمو ظاهرة الضفة الغربية بصورة أكثر وضوحاً وأكثر شجاعة وأكثر مقاومة، ونحن نقول في المثل الشعبي: “نحن واليهود والزمن طويل”، أي هذا تحدٍّ ونحن نوضح موقفنا، لن نترك هذه الأرض وسندافع عنها ولدينا قناعة بأن هذا الكيان إلى زوال. هذه قناعة ويقين بالله سبحانه وتعالى، ولكن المطلوب منا أن نبذل الجهد الكافي والمقاومة الكافية من أجل تفكيك هذا الكيان. إن شاء الله، تكون معركة غزة الكبيرة هذه مدخلاً لتفكيك الكيان الصهيوني.
هل يمكن أن تنتقل هذه التجربة إلى أراضي ما يسمى بـ«أراضي الثمانية وأربعين» أيضاً؟ كم تراهنون على ذلك؟
الآن لا أعتقد أنها يمكن أن تنتقل في مدة قريبة على هذا النحو، ولكن أقول إنّ الشعب الفلسطيني في الثمانية وأربعين ما زال مؤمناً بحقه في فلسطين ومؤمن أن هذه الأرض، فلسطين، هي وطن الشعب الفلسطيني في ظروف معقدة يواجهها الشعب الفلسطيني في الثمانية وأربعين. لكننا دائماً نقول يوجد ظرف معين، ونحن نقدّر ظرفهم ولا نطلب منهم أكثر من طاقتهم. هم يتحركون ببطء، ولكن إيمانهم الراسخ بأن فلسطين أرضهم ولن يتخلّوا عنها هو المطلوب منهم في هذه المرحلة وأن يبقوا متمسّكين بوجودهم في داخل فلسطين.
ما يأتي في المستقبل، إن شاء الله، تكون ظروفه أفضل لهم ليسجّلوا حضوراً بطريقة مختلفة، ولكن ما هم عليه الآن جيّد، ونحن نحييهم دائماً، فهم جزء وامتداد طبيعي من الشعب الفلسطيني. صمودهم وحفاظهم على تواجدهم في فلسطين إنجاز كبير. نعم، بالنسبة إلينا هم إخواننا ويحظون دائماً بمحبة كبيرة من الشعب الفلسطيني، الشعب الفلسطيني كله.
نعم. من العوامل الأخرى المحيطة بما يحدث اليوم في غزة وربما تتميز معركة «طوفان الأقصى» بهذه النقطة، هي أن الدم الفلسطيني اختلط بدماء شهداء من مناطق أخرى. دعنا نقول إنّ المقاومة الفلسطينية حظيت بالدعم ليس سياسياً فقط، الدعم السياسي ربما كان موجوداً، ولكن بدعم الإخوة اليمنيين والعراقيين والسوريين العسكري والميداني. هل هذا يعني الحديث عن مفهوم وحدة الساحات سابقاً؟ هل هذا المفهوم وهذه العمليات التي أنجزتها قوى المقاومة في المنطقة كان لها التأثير في المعركة، ولا سيما على الكيان الإسرائيلي، يعني مثلاً عمليات «أنصار الله» في اليمن هل أثرت في الاقتصاد الإسرائيلي وفي الميدان؟
لاحظوا، أولاً يجب ألا يغيب عن بالنا أن شعوب المنطقة كلها متضامنة ومتكاتفة مع الشعب الفلسطيني. الأنظمة العربية ذهبت بعيداً من مشاعر الشعوب العربية. الآن في هذه المدة، تجلّى موضوع وحدة الساحات، ولكن هذا لم يأتِ فجأة، بل أُعدّ له من سنوات. «حزب الله» حاضر في الميدان مع انفتاحه على قوى المقاومة في فلسطين عبر السنوات الماضية وعبر الانتفاضات الطويلة هذه، كان «حزب الله» دائماً على مدار الوقت كتفاً إلى كتف مع قوى المقاومة الفلسطينية، يقدّم الخبرات والتدريب والمعرفة، وحالة الانفتاح على «حزب الله» هذه موجودة في المنطقة.
الشعب اليمني متعاطف مع الشعب الفلسطيني، ولكن من حسن حظّنا أننا خضنا هذه المعركة وإخواننا في اليمن، «أنصار الله»، كانوا حاضرين وهم الذين يمسكون بالسلطة ووقفوا معنا، ومجرد أننا دخلنا المعركة، عدّوا أنفسهم جزءاً من المعركة، ولكن قبل هذه المعركة كانوا حاضرين أيضاً ونحن على تواصل دائم ومستمرّ معهم، ورغم حاجتهم وظروفهم الصعبة أنا أقول لك ولا أخفيك: في «سيف القدس» وفي معارك قبلها وبعدها وفي هذه كلها كانوا يجمعون تبرعات من قوت يومهم، الفقراء أي إخواننا في اليمن محاصرون وفقراء، ورغم ذلك لا أخفيك أنهم تبرعوا في أيام معركة «سيف القدس» للشعب الفلسطيني والمقاومة بملايين الدولارات. تخيل هذا، يمكن أن يعدّ الناس هذا شيئاً مفاجئاً.
في هذه المعركة أيضاً. في معركة «سيف القدس» وفي هذه المعركة وأثناءها تلقّت المقاومة الفلسطينية منهم ملايين الدولارات، عدا مشاركتهم المباشرة في هذه الحرب.
هذا اليمن ترى كم يشعرون بأنهم جزء من هذه المعركة، حتى من قوت يومهم ورغم ضعف الإمكانات يجمعون تبرعات دائماً، وشكّلوا لجنة للتبرعات من الشعب اليمني باستمرار، أي تفاجَأ بحجم المساعدات النقدية والمالية التي يقدمونها للشعب الفلسطيني، عدا هذه الحرب التي دخلوا فيها وفتحوا معركة مع العالم وليس مع إسرائيل فقط.
حاصروا العدو الصهيوني في أهم ميناء تجاري وتحدوا العالم والولايات المتحدة الأمريكية والبريطانيين واشتبكوا مع الأمريكان ومع البريطانيين ومنعوا السفن التجارية المتوجهة إلى “إسرائيل”، هذا إنجاز كبير ولم يكن متوقعاً ولا في الحسبان، ورغم ذلك ورغم التضحيات ورغم هذا التحدي سجّل اليمنيون حضوراً تاريخياً في هذه المعركة.
طبعاً نحن نقدّر لهم هذا. اليوم رأيت عمليات في غزة وضع إخواننا الذي يقصفون بالهونات ويقصفون بالصواريخ صور السيد عبد الملك الحوثي، بالأمس رأيت إخوة يكتبون اسم السيد عبد الملك على القذائف، على ماذا يدل هذا؟ يدلّ على الصلة الروحية التي أصبحت موجودة مع الشعب اليمني. هذا التفاعل الكبير لأن الشعب الفلسطيني يدرك كم هو الدور المهم الذي بذله اليمن في هذه الشهور الأخيرة من حالة التضامن والموقف الكبير العسكري مع الشعب الفلسطيني.
نعم، أي أنّ تشكيل محور المقاومة أدى اليوم إلى اعتراف العدو حتى بوجود هذا المحور بنشاطه وبفعاليته، وهنا يمكن الحديث عن مشروعين، مشروع الاحتلال الانبطاحي والمشروع المقاوم، هل يمكن أن تترك معركة «طوفان الأقصى» – أي أنني أرغب في طرح الحالة العكسيّة – تأثيراتها على شعوب المنطقة لتعزيز قدرات محور المقاومة لانضمام أجزاء جديدة من هذه المنطقة إلى محور المقاومة؟
اليوم تُحدّث مثلاً عن محاولة بعض الأردنيين الدخول إلى فلسطين المحتلة أو العراقيين الذين أيضاً كانوا يريدون ذلك، أو دعوة المقاومة العراقية إلى تأسيس مقاومة أردنية، هل يمكن أن يحدث ذلك؟
انظر، هذه المعركة أعتقد أنها حفرت عميقاً في العقل العربي وفي العقل الإسلامي، وسيكون لها تأثيرات بعيدة المدى.
نحن اليوم نتحرك في هذا المحور في الدول المحيطة بفلسطين، في دول عقدت اتفاقيات سلام مع “إسرائيل”، هناك دول وقفت مع المقاومة ولكن أحداث هذه الحرب وتداعياتها – أنا متأكد – سيكون لها تأثير كبير في شعوب المنطقة كلها، عندما تجد شعوب المنطقة أن الشعب الفلسطيني هذا المستضعف والمحاصر يستطيع أن يفعل ما يفعله الآن بالقوات الإسرائيلية.
كل شخص يناقش نفسه لماذا هذه الدول العربية بإمكاناتها العسكرية والاقتصادية عاجزة عن تقديم أي مساعدة للفلسطينيين؟ هذا سيترك أثراً في الشعوب العربيّة، ليس مهماً الآن، ولكنني أتوقع لاحقاً في سنوات قادمة سيكون له تأثير مهم في معركتنا مع المشروع الصهيوني.
المظاهر كلها التي نراها من حالة التعاطف حتى لو كانت في بعض الدول الضعيفة، ولكن نحن على تواصل مع كثير من الدول العربية والجماهير العربية.
صحيح، ندرك أنها مقهورة من هذه السياسة وهذا التوجه، ولكن نشعر أنها متضامنة ومتكاتفة معنا بروحها، وبعضهم يقدمون بعض المساعدات والتبرعات أيضاً، وقناعتهم بأن فلسطين هذه هي جزء من العالم العربي والإسلامي وأن الذين يقاتلون في فلسطين هم امتدادهم الطبيعي، والفلسطينيون هم أبناء هذه الشعوب، شعوب المنطقة، لذلك سيكون لهذه المعركة تأثيرات كبيرة ومهمة.
إن شاء الله، سنلمس في السنوات القادمة هذا التأثير، ويمكن أن يكون التأثير في الأنظمة نفسها.
ربما هذا التأثير ليس على مستوى الشعوب العربية فقط، اليوم ما نشهده من تغيير في الرأي العام العالمي، الغربي والأوروبي، ربما ليس له مثيل على مدى تاريخ الصراع.
هذا أيضاً له أثر كبير. وهو يكسر الرواية الإسرائيلية والأسطورة التي كانت دائماً تشيعها الحركة الصهيونية عن مظلومية الشعب اليهودي ومظلومية اليهود في الحرب العالمية، وهذه الرواية الإسرائيلية الكاذبة.
الآن تكشف الصهيونية ويكشف المشروع الصهيوني عن وجههما الحقيقي. القتلة المجرمون يرتكبون الجرائم بوضوح. نحن سمعنا عن الكارثة الصهيونية التي تتحدث عن النازية وقرأنا عن ذلك في الكتب، يرى العالم الآن ما هي الجرائم الصهيونية التي يرتكبها الصهاينة في فلسطين، يرونها بأم العين ولا يسمعون روايات ربما جزء كبير منها كان كاذباً وفيه تهويل كبير، ولكن الحركة الصهيونية أقنعت الغرب بحالة المظلومية وبأنهم كانوا ضحايا للنازية، ولكن الآن يرى الغرب وشعوبه ما هي جرائم الصهيونية بالعين المباشرة، وهذا كان له تأثير في الرأي العام الغربي على المروءة الإنسانية وعلى الأخلاق الإنسانية.
لذلك نحن دائماً نقول إننا نشكر أحرار العالم كلهم الذين وقفوا وتضامنوا بأصواتهم وبحركتهم الجماهيرية في دولهم كلها، نحن نعدّهم ظهير الشعب الفلسطيني ومظلوميته وسندهما، ويحظون بتقديرنا واحترامنا الكبيرين. كان هذا أيضاً مفاجئاً، ما الذي جعل هذا يحدث؟ الذي جعله يحدث ما فعلته الحركة الصهيونية وما فعلته “إسرائيل” من جرائم موصوفة وأمام العالم وهي لم تعر أدنى اهتمام لمشاعر العالم، وتقتل الناس من دون حساب ومساءلة وأي قانون.
الجيش الإسرائيلي يقتل المدنيين في الشوارع وفي المدن ويقصف السكان ويقتل الأطفال، هذه جرائم موصوفة، وأي حرّ في العالم لا يقبلها، لذلك نرى ردات الفعل الكبيرة، حتى أنا أقول إن المؤسسة الأمريكية التي ركبت موجة الدفاع عن “إسرائيل” في بداية «طوفان الأقصى» انكسرت إرادتها أيضاً، أنا متأكد أنها لم تتراجع، ولكنّها لا تستطيع أن تتحمل هذه الجرائم كلها وتأخذها على مسؤوليتها.
عندما أتى بايدن وحضر مجلس الحرب الصهيوني وكان عضواً فيه وهو الذي قرر الحرب وشارك فيها اعتقد أنّهم سيتخلّصون من غزة في أسبوع أو اثنين، ففاجأت غزة حتى الإدارة الأمريكية، لذلك يحاول الأمريكان التخلص مما حدث من جرائم، ولكن هذا لن ينقذ مشاركتهم فيها، لن ينقذ أمريكا ولا قيادتها ولا الغرب كله من هذه الجرائم.
في الوقت نفسه، كشفت «معركة طوفان الأقصى» والتغيرات التي حدثت بعدها الستار عن ماهية الحضارة والقوى الغربية وازدواجية المعايير وادعاءاتها في حقوق الإنسان أيضاً هذه.
انظر، أولاً لنكون موضوعيين أكثر، أنا أعدّ المنظومة الغربية وهذه الدول غير قائمة على منظومة أخلاقية، بل هي قامت على القوة، وبعد ذلك غطّت هذه المواقف، موقف القوة، بأن خلقت لنفسها بعض المعايير لتحاول أن توهم العالم بأن هناك أخلاق وأن هناك قوانين تضبط علاقات البشر مع بعضهم بعضاً. أمريكا القائدة المميزة، دولة الديمقراطية، تدعي أن هناك حقوق إنسان.
هذه الحرب كشفت زيف الرواية الأمريكية، ولكن يجب أن ندرك أن أمريكا هذه قامت على القتل والإجرام، وملفها طويل من الهنود الحمر وإبادتهم في أمريكا إلى حروبها الكبيرة والطويلة في فيتنام وأفغانستان والعراق والعالم كله، كانت ترتكب جرائم كبرى، ولكن ما كان هناك وسائل إعلام تغطي هذه الجرائم.
لا ننسى أبداً أن الولايات المتحدة أحرقت آلاف القرى والمدن الفيتنامية والأطفال والنساء، و”إسرائيل” تعرف أن أمريكا مارست ما تمارسه هي الآن، وهي تريد غطاء من أمريكا، أي أنّ المجرم الرئيسي يغطي المجرم الصغير. لكن هذا العالم والتاريخ لن يغفرا ولن يسامحا هذه الدولة الكبرى الأمريكية التي انبنى تاريخها على الجماجم والدم وامتصاص إمكانات الشعوب، وهي حاولت عبر السنوات الماضية أن توهم العالم في منظمات حقوق الإنسان وفي محكمة العدل الدولية وفي المنظمات كلها في الأمم المتحدة، ولكن عندما أتينا إلى الحقيقة وأمام ما يحدث في فلسطين، هي ترفع الفيتو دائماً ضد وقف إطلاق النار. هي ليست فقط مع الجرائم، ولكن أيضاً ضد وقف إطلاق النار على مدى التصويت كله الذي يُرى. في مجلس الأمن، كانت أمريكا مع استمرار الحرب على قطاع غزة.
لذلك صفة الإجرام متلبسة بالإدارة الأمريكية والولايات المتحدة الأمريكية. لن يغفر الشعب الفلسطيني لأمريكا ولا للغرب، والشعوب الحرة كلها لن تغفر للسياسات الغربية الكاذبة تجاه حقوق الإنسان.
ما دمنا تحدثنا عن هذا الجانب، ماذا عن المساعدات؟ هل كانت بمستوى الحاجة الفلسطينية؟ هل هناك مصداقية حقيقية للدول التي تدّعي مساعدة الشعب الفلسطيني؟
أولاً إذا تحدثنا عن مساعدات، فأقول أنا إنها فتات، وهذا الفتات لم يصل إلى الشعب الفلسطيني لأسباب كثيرة لها علاقة بأن “إسرائيل” تمنع، ولا يوجد دول تتبنى موقف المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني أيضاً. وجدنا مظهراً تمثيلياً من بعض الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة بإنزال بعض المساعدات الوهمية للشعب الفلسطيني، وكانت سبباً لأن يهاجم الإسرائيلي الناس الذين ينتظرون المساعدات أيضاً.
موضوع المساعدات. لا أستطيع أن أقول إننا نشكر من قدم مساعدة، ولكن هذه المساعدات ضئيلة جداً ولا تصل إلى الشعب الفلسطيني مباشرة، خاصة [تلك التي تأتي] من الدول العربية، أي إنّ الدول العربية تقدّم بعض المساعدات لتستر صمتها وعجزها عن أنها لا تقدّم مساعدة جدية إلى الشعب الفلسطيني، وإلّا فإنّ الدول العربية تستطيع أن تقف في مواجهة “إسرائيل” حتى بالسياسة وبالجانب الأخلاقي وفي علاقاتها مع الدول الكبرى وتستطيع أن تتخذ موقفاً ويكون له تأثير، ولكن أنا أعتقد أن هناك تواطؤاً واضحاً وأن جزءاً من النظام العربي لا يريد أن تنتصر المقاومة.
لأن انتصار المقاومة في فلسطين هو فضيحة للأنظمة كلها، فقد كشف لها تراكم الأسلحة وتراكم الإمكانات، وهي توهم شعوبها أنها تحافظ على أمنها الإقليمي، وهذه نظرية كاذبة.
الآن حتى موقف هذه الأنظمة الأخلاقي ينفضح أمام المذابح التي تحدث في غزة، والكل صامت والكل لا علاقة له بالموضوع، وعندما أتحدث عن دول عربية تتحدث مع الوسطاء، ماذا يعني ذلك؟ عربيٌّ وسيط بين القاتل المجرم والضحية؟ هل يقبل أي عربي أن يكون وسيطاً بين القاتل والضحية الفلسطينية المسلمة العربية وأن يكون وسيطاً محايداً؟ يعني “جنتل مان” أمام المشروع الصهيوني!
هذا لا نسامح فيه، ولكن الآن هذا ما هو متاح، وأنت مضطر أن تقبل هذا الدور، ولكن هذا دور للأسف هم قبلوه على أنفسهم.
يعني مع غياب أي قوة في موضوع الوساطات، أي قوة دولية يمكن أن يكون لها دور مقبول لدى الطرفين؟ يعني أدّت بعض الدول العربية وساطة وإجراء للمفاوضات.
أولاً هذه “إسرائيل” ليست قدراً على العالم، وهذه الدول العربية تستطيع أن تضرب على الطاولة وأن توقف “إسرائيل” عند حدودها.
عندما تقول إنّ دولاً عربية فتحت مشاريع اتفاقيات سلام مع “إسرائيل”، حسناً هذه “إسرائيل” التي أنت تعقد اتفاق سلام وعلاقات معها، ألا تستطيع بحجم علاقتك معها أن تضغط عليها بأن توقف هذه الجرائم؟ حتى بمجرد العلاقات الدبلوماسية، نحن لا نتحدث عن حرب ولا نطالب أحداً أن يحارب عن الشعب الفلسطيني لأنهم لا يريدون ذلك، ولكن أيضاً أين دورك السياسي؟ أين دورك الإقليمي؟ أين اعتبارك الدولي؟ أين علاقاتك التي يمكن أن توظّفها بالضغط على “إسرائيل”؟ لا يوجد ضغط على “إسرائيل”، الكل محايد.
أنا أخجل أن أسمّي عربياً محايداً في معركة بهذا الوزن. أنتم محايدون في الدم الفلسطيني، وأنتم تستطيعون أن تبذلوا جهوداً أكبر حتى على المستوى السياسي. ليس مطلوباً أن تحاربوا “إسرائيل”، ولكن حتى هذا لا يحدث للأسف.
سؤال ربما هو الأخير أو ما قبل الأخير، لو فرضنا أن الحرب في غزة قد توقفت عبر المفاوضات على أي نحو، ماذا لمرحلة ما بعد الحرب؟ ما هي خطتكم؟ هناك خطط أجنبية يُراد لها أن تُفرض، فما هو موقفكم منها؟
لا أخفيك أنّ هناك تحديات كبيرة، وعلى سبيل المثال كنت في القاهرة قبل شهرين وكان المصريون يريدون أن يقنعونا بقدر من السياسة وقدر من الوساطات أن قبولنا في اليوم التالي سيخلق مشكلة لنتنياهو ويمكن أن يسقط وأنه يخاف وقف الحرب.
قلت لهم: ونحن نخاف وقف الحرب، نحن نخاف من اليوم التالي أيضاً، لأن اليوم التالي بالنسبة إلينا هو معركة أخرى غير المعركة العسكرية، معركة إعادة الإعمار ومعركة إطعام الناس ومعركة حل مشكلاتهم، من يحل مشكلات الناس؟ إذاً هذا تحدٍّ جديد أمامنا.
نحن في المفاوضات نشترط أولاً إعادة الإعمار. أن يكون هناك ضمانات دولية لإعادة الإعمار وضمانات دولية لمعالجة الجرحى لأن هذا سيكون تحدٍّ حقيقي أمام المقاومة في قطاع غزة، وأنا لا أخفيك أنني أخشى أن ما لم يستطيعوا تحقيقه بالحرب، سيحاولون تحقيقه بالحصار واستمراره وقطع المساعدات عن قطاع غزة.
الآن يوجد همة بقدر أو بآخر لتقديم المساعدات التي لا تصل حتى بكفاءتها وبإمكاناتها، من يضمن بعد أن تقف الحرب بعد شهر أو شهرين ألّا يتوقّف الذين قدموا هذه المساعدات كلهم عن تقديم مساعداتهم؟ من يضمن أن يتطوّع العرب ويؤسسوا صندوقَ دعم لقطاع غزة لإعادة الإعمار؟ من يضمن ذلك؟ لا أحد يضمن.
لذلك نحن أمامنا هذا التحدي وهذا الاختبار أمام الدول العربية والإسلامية كلها التي تدّعي أنها مع الشعب الفلسطيني وليس مع المقاومة، هل سيتركون الشعب الفلسطيني في هذا الدمار؟ أو سيكون لديهم استعداد لإعادة إعمار قطاع غزة؟
يعني احتضان الناس وحل مشكلاتهم يشكلان أمامنا تحدّياً ومعركة كبيرَين. يعني بالإضافة إلى الجانب العمراني والإغاثي وإعادة الإعمار، آلية إدارة المجتمع والشؤون في… إدارة المجتمع هي المقاومة وهي المسؤولة أن تدير. سندير المجتمع في غزة ما دامت المقاومة لم تُهزم. المقاومة لم تُهزم، ولذلك ستبقى تدير قطاع غزة. المقاومة لن تتخلى عن الناس، ونحن جزء منهم، ولن نتخلى عن الإدارة ودعم الناس واحتضانهم ومعالجة مشكلاتهم. هذه مسؤوليتنا.
هل هناك تنسيق بين الحركتين؟
هذا التنسيق كامل. أستطيع أن أقول إنّ التنسيق كامل في المفاوضات وفي الميدان بين “حماس” و”الجهاد” والقوى الفلسطينية المحسوبة على المقاومة كافة، وهي متفاهمة حول إدارة الوضع الداخلي الفلسطيني وأنّ “إسرائيل” ستكون خارج هذا العنوان بتاتاً.
حتى لو أرادت، وقد وضعتها من ضمن شروط الحرب، “إنهاء المقاومة”. هي لم تنتصر، ولذلك المقاومة محافظة على نفسها وعلى وحدتها ووحدة الموقف الفلسطيني وهي التي سوف تتحمل إدارة الوضع، إن شاء الله، بعد المعركة.
اللقاءات التي جمعت فصائل المقاومة الفلسطينية بالقيادات في طهران، هل جرى الحديث مثلاً عن المستقبل وعمّا بعد الحرب؟
أولاً زيارتنا إلى طهران تأتي في سياق العلاقة التاريخية القائمة بين المقاومة الفلسطينية والجمهورية الإسلامية، يعني ليست مفاجئة، والأمر الطبيعي أن نلتقي ونتناقش ونتبادل الرأي دائماً في المحطات كلها، وهذه إحدى المحطات المهمة التي نواجهها، وبالتأكيد التشاورات مع الإخوة في الجمهورية الإسلامية أمر ضروري وحيوي، ونحن نضعهم في صورة الأوضاع مباشرة رغم أنهم يتابعون في المنطقة وفي الإقليم، وهم من سنوات طويلة مع المقاومة وليسوا غرباء عنها، أي إنني أقول لك إنّ كل شيء نحن نملكه في المقاومة هو من الجمهورية الإسلامية ومن خبرات «حزب الله» وخبرات إخواننا في إيران، إن كان على مستوى التسليح أو الإمكانات. بالتالي مشاركتهم ووضعهم في صورة ما يحدث في المعركة ميدانياً ومباشرة أمرٌ ضروريّ.
يتهم بعضهم إيران أنها تخلّت عن المقاومة الفلسطينية أو تركت الساحة لها؟
هناك مغرضون يتحدثون عن أن إيران يجب أن تدخل المعركة مثلاً وأنها يجب أن تحارب، تحارب من مثلاً؟ الجغرافيا حائل طبيعي أن تكون إيران جزءاً من المعركة، وكنا نتمنى أن تكون إيران على حدود فلسطين، ولكنها لم تتخلَّ عن المقاومة لحظة واحدة ولا ساعة واحدة، إن كان في الموقف السياسي أو في موقف الدعم الذي لم يتوقف يوماً واحداً.
المغرضون كلهم الذين يسألون أين إيران وماذا تفعل؟ إيران حاضرة في المعركة، وما هو مطلوب منها تقدمه، ولها دور مع قوى المحور.
إخواننا في «حزب الله» حضورهم الكبير والمهم على الجبهة اللبنانية وتأثيرهم في المعركة وإشغال جزء كبير من قوى العدو الصهيوني هذا كله له قيمة كبيرة أيضاً في المعركة، وقدموا مئات الشهداء وأوقعوا بالعدو خسائر هائلة وأشغلوا جزءاً كبيراً من قوات العدو الصهيوني على الجبهة اللبنانية وأسهموا في خلخلة الوضع الاجتماعي للعدو الصهيوني بتهجير آلاف المستوطنين، باعتراف العدو أكثر من مئة ألف مستوطن هاجروا وتركوا المستوطنات. هذه المستوطنات كان المجتمع الصهيوني يعتمد على خمس وثلاثين في المئة من إنتاجها الزراعي للمجتمع الصهيوني.
حسناً، هذا كله يُحدث ضغطاً كبيراً على “إسرائيل”، للأسف عوضته بعض الأنظمة العربية بدعمها بخطوط خلفية، ولكن “دور حزب الله” واضح ومميز، أي حتى لو تحدّثت عنه، فلا أعطيه قيمته التي يستحقها، ولا دور إيران ودورها في مساعدة الشعب الفلسطيني ودعمه، لست أنا من يقول ذلك، بل الميدان وقوى المقاومة يقولان ذلك، وكلنا نقرّ بحجم دعم الجمهورية الإسلامية للشعب الفلسطيني.
أنا في المناسبة أشكر الشعب الإيراني كله والقيادة الإيرانية على هذا الدعم الكبير والمتواصل الذي لم يتوقّف على مدار الوقت.
الكيان الإسرائيلي نفّذ بعض العمليات الإرهابية، كان آخرها الهجوم الذي حدث ضد القنصلية الإيرانية في دمشق والذي استشهد فيه القائد الكبير الشهيد زاهدي، إذا أمكن أن تحدّثونا في هذا المجال؟
الحدث نفسه كان حالة التوتر الإسرائيلي الكبير، وهو يريد أن يترك الميدان الحقيقي والمعركة الحقيقية ويفتعل مشكلات خارج إطار الميدان الحقيقي للمعركة باستهداف القنصلية، الأمر الذي كان مستهجناً على المستوى الدولي. هذا يدلّل على حجم المأزق الذي وقعت فيه “إسرائيل” وهي تريد أن تنقل المعركة إلى الإقليم. طبعاً هذه حماقة كبيرة ارتكبتها، وأعتقد أنّ موقف الجمهورية الإسلامية من هذه الحماقة كان واضحاً، وإن شاء الله، نحستب إخواننا الذين استشهدوا وارتقوا شهداء عند الله سبحانه وتعالى. لقد قدموا واجبهم دائماً في الميادين كلها تأييداً للشعب الفلسطيني ولم يكونوا غائبين عن الساحة الفلسطينية وكانوا حاضرين دوماً في الموقف السياسي والدعم والتأييد.
شكراً أستاذ زياد.
شكراً لكم.
هناك الكثير حقيقةً من الأسئلة، ولكن مراعاةً لوقتكم نكتفي بهذا القدر. إذا كان هناك أي إضافة تريدون أن تضيفوها، فتفضّلوا.
أنا أوجه التحية في هذه المناسبة إلى الشعب الإيراني والقيادة الإيرانية، وأوجه التحية إلى الشعوب الإسلامية والعربية كلها التي وقفت وتضامنت إن كان بالكلمة أو بالدعم، بغض النظر عن صوره، وبمواقف ومسيرات. شعوب العالم التي تضامنت مع الشعب الفلسطيني طبعاً نشكرها جميعها.
مواقفهم هذه سيكون لها تأثير كبير أيضاً في كبح العدوان وفضحه وتحقيق الشعب الفلسطيني انتصاره النهائي، إن شاء الله.
شكراً في نهاية هذا الحوار.
شكراً لكم، شكراً.
يعني أشكركم على المشاركة في هذا الحوار وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقّق النصر. في الحقيقة جيلنا لم يبقَ له أمنية إلّا الصلاة في القدس الشريفة والمسجد الأقصى.
شكراً لكم، شكراً لكم.
إن شاء الله، تتحقق هذه الأمنية.
شكراً لكم، وكل عام وأنتم بخير، والأمة الإسلامية وأسأل الله أن تكون الأمة العربية وأحرار العالم كلهم بخير، وإن شاء الله، يكون وضعنا في العيد القادم أحسن وأفضل ويكون تأثير المقاومة أفضل، ونحقّق إنجازات أكبر، إن شاء الله.