آخر الأخبار

لماذا يصبح القتال الخيار الوحيد أمام المقاومة في مواجهة مشروع الإبادة الصهيوني؟

في سياق تاريخي تتجلى فيه ملامح المشروع الاستعماري بوحشيته، وتتهاوى فيه كل خيارات السلام تحت وطأة آلة إبادة لا تعرف سوى لغة القوة، يبرز سؤال مصيري يمسُّ جوهر الصراع وكينونة الشعب الفلسطيني.

عندما تتحول الأرض إلى ساحة تمحٍ، والوجود إلى هدفٍ مستباح، والحديث عن الحقوق إلى صرخة في صحراء اللامبالاة الدولية، فإن نداء البقاء يفرض منطقاً لا مكان فيه للمساومة. ليست المسألة مجرد ردّ فعل عاطفي، بل هي معادلة وجودية تُختزل في قوانين المواجهة التي يفرضها طرفٌ لا يرَى في الآخر إلّا عقبة ديمغرافية يجب إزالتها. هنا، حيث تنهار كل السبل، وتُغلَق كل الأبواب، يصبح القتال هو الكلمة الأخيرة للتاريخ والحياة.

تظاهرات فلسطينين في سوريا
القضية الفلسطينية تقدم درساً مصيرياً

في اللحظة التي يعلن فيها قادة “إسرائيل” صراحة نيتهم السيطرة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، وتكشف وثائقهم الاستراتيجية عن مخططات ترحيل جماعي للفلسطينيين، لا يبقى أمام شعبنا أي مجال للمناورة السياسية أو التفاوض. يصبح القتال، ببساطة، الخيار الوحيد. ليس لأن الفلسطينيين يعشقون الحرب، بل لأن مشروع الإبادة الصهيوني لا يترك لهم أي بديل آخر.

لفهم هذه الحقيقة، لا بد من النظر إلى ما وراء مشاهد الحرب اليومية: الدمار، الحصار، المذابح. فالمسألة ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي استمرار متسق لسياسة استعمارية استيطانية عمرها أكثر من 75 عاماً، تحظى منذ نشأتها بدعم غير مشروط من الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي.

ما نشهده اليوم في غزة والضفة الغربية ليس حادثًا عابرًا، بل هو ترجمة حرفية لمشروع “التطهير العرقي” الذي أسسته الحركة الصهيونية منذ 1948. الإبادة ليست انحرافًا عن المسار “الديمقراطي الإسرائيلي”، بل هي في صميم بنيته: تهجير، محو، اقتلاع، ثمّ إعادة صياغة الواقع على أنقاض الفلسطينيين.

حين تعلن القيادة العسكرية الإسرائيلية أن هدفها هو “تدمير حماس” و”نزع سلاح غزة”، فالمقصود ليس فقط الفصيل السياسي أو العسكري، بل البيئة الاجتماعية التي تُمكّن المقاومة من البقاء. بكلمات أخرى: المطلوب هو سحق مجتمع بأكمله حتى لا يبقى فيه ما يمكن أن يولّد مقاومة مستقبلية.

ومنذ النكبة، تعاملت المؤسسة الصهيونية مع الفلسطينيين كـ”مشكلة ديموغرافية” يجب حلها. في الضفة، وفي غزة، وفي الداخل المحتل، تتجلى هذه السياسة عبر هدم 150,000 منزل منذ 1967، ومصادرة 85% من أراضي فلسطين التاريخية، والقتل الممنهج الذي أودى بحياة 75,000 فلسطيني منذ انتفاضة 1987.

جيش الاحتلال الاسرائیلي
الدعم الإمبريالي: القناع الأخلاقي للقتل

من دون المظلة العسكرية والسياسية والمالية الأميركية، ما كان “لإسرائيل” أن تستمر في مشروعها. الدعم لا يقتصر على 158 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ 1948، بل يتعداه إلى تأمين الحصانة الدبلوماسية: استخدام الفيتو 45 مرة ضد قرارات تدين إسرائيل، وحمايتها من العقوبات، وتسويق رواية دعائية تعتبر العدوان “دفاعًا عن النفس”.

هذه البنية الإمبريالية تمنح “إسرائيل” حرية استخدام القوة بلا حساب. فحين يقتل الاحتلال 14,500 طفل في غزة خلال 5 أشهر، يُطلب من الفلسطينيين “إدانة الإرهاب” بدلاً من إدانة الإبادة. وحين يُحاصر مليونَا إنسان حتى المجاعة، يُوصف ذلك بأنه “ضغط مشروع على حماس”.

في مواجهة هذا المشروع، لا يبقى أمام الفلسطينيين سوى المقاومة المسلحة. فالمفاوضات جُرّبت على مدى ثلاثة عقود منذ اتفاق أوسلو، والنتيجة كانت: زيادة المستوطنين من 110,000 إلى 750,000 مستوطن، وبناء 720 كم من الجدار العنصري، وحصار غزة الذي دخل عامه الثامن عشر.

المجتمع الدولي لم يقدّم شيئًا سوى 1,400 قرار غير ملزم، والأنظمة العربية الرسمية تتراوح بين التطبيع والتخلي عن القضية. ما البديل الواقعي أمام شعب محاصر؟ الاستسلام؟ هذا يعني القبول بالترحيل الجماعي. الهجرة؟ هذه هي الغاية “الإسرائيلية” نفسها. القبول بالهيمنة؟ ذلك لن يوقف آلة القتل.

المقاومة الفلسطينية
المقاومة الإسلامية في فلسطين

المقاومة الفلسطينية تملك ما لا يملكه الاحتلال: إرادة البقاء على أرضها. إستراتيجيتها تقوم على تحويل الاحتلال إلى عبء سياسي واقتصادي وأخلاقي. وقد بدأت ملامح هذا الاستنزاف بالظهور:

  • تكلفة الحرب على غزة: 60 مليار دولار خسائر اقتصادية لإسرائيل.
  • انهيار قطاع السياحة الإسرائيلي بنسبة 75%.
  • نزوح 500,000 مستوطن من مناطق الغلاف.
  • تصاعد الاحتجاجات العالمية غير المسبوقة.

“إسرائيل” تدفع نفسها نحو مسار انتحاري: كلما صعّدت من وحشيتها، زاد فقدانها لشرعيتها:

  • انكشاف أكذوبة “أكثر الجيوش أخلاقية” عالمياً.
  • تصاعد الانقسامات الداخلية إلى أعلى مستوياتها.
  • فقدان الدعم بين الشباب اليهودي عالمياً (38% فقط في أمريكا يدعمون إسرائيل).

غزة اليوم تشكل “تايتانك المقاومة” التي تصطدم بجبل الجليد الصهيوني. 40,000 مقاوم مسلح يثبتون أن:

  • معادلة القوة لم تعد غير متكافئة: صواريخ محلية الصنع تقهر أنظمة القبة الحديدية.
  • المقاومة الشعبية تعيد تعريف الجغرافيا: الأنفاق تحول القطاع إلى قلعة تحت الأرض.
  • صمود المدنيين يصنع النصر: 2.3 مليون فلسطيني يتحولون إلى حاجز بشري أمام الآلة العسكرية.

التاريخ يثبت أن مشاريع الإبادة الاستيطانية تنتهي بهزيمة المستعمر:

  • 500 عام لم تمحِ الشعوب الأصلية في أمريكا.
  • 50 عاماً من الفصل العنصري سقطت في جنوب أفريقيا.
  • 75 عاماً من المشروع الصهيوني تقترب من نقطة الانهيار.

القضية الفلسطينية تقدم درساً مصيرياً: أن المقاومة المسلحة ليست خياراً بين الحرب والسلام، بل بين الوجود والعدم. كل رصاصة يطلقها المقاوم، كل نفق يُحفر، كل طفل يرفع علم فلسطين، هو إعلان أن شعباً رفض أن يكون ضحية في كتاب الإبادة الصهيوني.

هذه المعركة غير المتكافئة تفضح زيف النظام الدولي، وتكشف أن ما يسمى “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” هو في الحقيقة آخر أنظمة الفصل العنصري في القرن الحادي والعشرين. ولذلك، يصبح القتال ليس خياراً أخلاقياً فقط، بل ضرورة وجودية في مواجهة مشروع إبادة لا يعترف إلا بلغة القوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى