مجزرة شهداء سبايكر والسقوط الاول والاخير لداعش

مقاله عن مجزرة سبايكر.. والسقوط الاول والاخير لداعش و اسر شهداء سبايكر والقضية التي لاتنسى


الإنسان يمكنه أن يتخلّق بأخلاق وقيم مميزة وجيدة تجعله يرتقي الى مصاف الملائكة، أم تكون له أخلاق سيئة تصل به إلى أدنى مستوى، فيرتكب جرائم يندى لها جبين البشرية، وهذا ما ارتكبته جماعة داعش الإرهابية من جرائم ومجازر ضد الانسانية، ومنها مجزرة سبايكر التي تمر علينا ذكراها في هذه الأيام، جريمة راح ضحيتها 1700 طالب عراقي شمال تكريت.
ارتكب تنظيم داعش الارهابي في منتصف حزيران 2014، مجزرة كبيرة في ما يسمى بـ “قاعدة سبايكر العسكرية” في منطقة تكريت في العراق بحق مئات من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة سبايكر بتكريت تخطت أعدادهم الـ1700 ، استشهدوا في ذلك المكان بدم بارد، وتطرق الكتّاب ومنتجو الأفلام إلى هذه الجريمة، فنقدّم لكم اليوم بعضا منها.
الموسوعة الوثائقية لمجزرة سبايكر
بما أن المجزرة كانت مروّعة جداً وكذلك لأنَّ عملية توثيق جرائم التطرف تعد تأسيسية ليس في العراق فحسب، إنما في المنطقة العربية، فالعتبة العباسية المقدسة ممثلة بالمركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف قد أخذت على عاتقها تحمّل هذه المسؤولية، من أجل تحقيق العدالة وانصاف الضحايا واستذكار الجريمة لمنع تكرارها.
وتزامناً مع مهرجان فتوى الدفاع الكفائي، الذي عُقد في العتبة العباسية المقدسة في 16-17/ 6/ 2022، أعلن ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي عن إنجاز الموسوعة الوثائقية لمجزرة سبايكر، وتم إعداد موسوعة مجزرة سبايكر الوثائقية لأغراض المساهمة بـ: انصاف الضحايا، وتحقيق العدالة، ومنع تكرار الجريمة، لأن الاستذكار يمنع التكرار، والنسيان يسمح بتكرار الجريمة.
تضمنت الموسوعة ثلاثة وعشرين جزءاً، بما يقارب عشرة آلاف صفحة، وقد تكفل فريق العمل بفرز الوثائق وتصنيفها وفق الأجزاء الثلاثة والعشرين، وقد تم تضمين بعض الوثائق باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وبعضها ترجم إلى اللغة العربية، ويمكن إيجاز محتويات الموسوعة بالآتي: أسماء الضحايا وبعض صورهم، وشهادات الناجين، ومذكرات القبض والتحري الخاصة بالمتهمين مع صور بعض المدانين، وإفادات المتهمين، والقرارات القضائية وبعض شهادات وفيات (الإعدام) لمرتكبي الجريمة، وتقارير الفحص الانثروبولوجي للضحايا، والتقارير الرسمية: المحلية والدولية، والأخبار المحلية والعربية، والأخبار باللغة الإنجليزية، والأخبار باللغة الفرنسية، والتحليل المصوّر والمقابر الجماعية، ومناسبات الاستذكار السنوية.


هذا وقد تطرق الكتّاب إلى هذه الجريمة المروعة في كتاباتهم وفي إطار الروايات حيث صدر حديثاً عن دار لندن للطباعة والنشر٬ رواية “قمر أحمر على سبايكر” للكاتب جمال حيدر، ويأتي صدور الرواية توازياً مع الذكرى التاسعة للمجزرة في محاولة لشحذ الذاكرة الجمعية للحد من القتل الذي يستهدف العراق: إنساناً وأرضاً وحضارة، وكذلك الإسهام في اثراء الوعي ضد الإرهاب الذي يترصد الأبرياء في كل منعطف تاريخي.
في مقدمة العمل يكتب المؤلف: “هذه حكايات بعض الناجين من مجزرة سبايكر 2014 ٬ أما آلاف الضحايا الذين ارتقوا إلى السماء، من الطافين في مياه نهر دجلة، الذين غدوا طعماً للأسماك، والمقتولين غدراً الممددين في عراء فسيح، بين الطرق الملتوية الواصلة بين المدن، ونقاط التفتيش، والمطمورين تحت التراب في مقابر جماعية، فقد دّونت حكاياتهم في القلوب التي لا تزال تنزف دماً ولوعة. حكايات بحجم وطن، بحجم تاريخه المسبي والغارق في المآسي.
أصابع الذين قتلوا غدراً.. أصابعهم المتيبسة نبتت من تحت الأرض وتومُئ نحو السماء٬ أصابع ُمتصلة بروح العراق..كل العراق.


ومهما اتسع الخيال، لكنه يعجز تماما عن نقل ألم الضحايا وصرخاتهم وأنينهم.. وتمنياتهم، ويخفق في رسم التوحش البشري وكمية الحقد والكراهية والبغض في عيون الإرهابيين المشحونة برغبة القتل.. والتشفي بالضحية”.
وسيتم تخصيص عوائد أرباح الكتاب لصالح عائلات شهداء سبايكر، ويقع الكتاب في 194 صفحة من القطع الوسط.


هذا وقد لا يترك منتجو الأفلام الساحة، ولقد تم إنتاج فيلم “مجزرة سبايكر جريمة عصر” الذي هو فيلم وثائقي، والفيلم وثّق التفاصيلَ الحقيقيةَ لمجزرة سبايكر، ودوافع المجرمين والمتعاونين معهم؛ ليحكي مرحلة مهمة من تأريخ العراق، تمثّلت في هيمنة الجماعات المتطرّفة على بعض الأراضي العراقية، الأمر الذي دفعها إلى ارتكاب مجازر بحق العراقيين على أساس طائفي، ومناطقي مقيت.
إن الفيلم من إنتاج العتبة العباسية المقدّسة، وتدور أحداثه حول مجزرة سبايكر التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية في سنة 2014، ليكون الفيلم رحلةَ بحثٍ في الماضي للتنقيب عن الوثائق والدلائل التي تمّ إغفالها، ومن هم القتلة الحقيقيّون وكيف حصلت المجزرة التي راح ضحيّتها الآلاف من الشهداء الأبرار.

مدّة الفيلم 35 دقيقة، ولم يُعرَض على وسائل الإعلام، لكونه يحتوي على مشاهد حيّة وقاسية لجريمة العصر المروّعة، التي قد تتسبّب بالأذى للمشاهدين، ويتضمّن اعترافات حقيقيّة للقتلة الذين شاركوا في ارتكابها.
وجرى إعداد الفيلم من قِبل الملاكات المتخصّصة في العتبة المقدّسة، بطريقة احترافيّة، وتُرجِم إلى اللغة الإنجليزية، ونطمح إلى عرضه عالميّاً ليشكّل إضافةً نوعيّة في الإنتاج الإعلامي. ولاقى الفيلمُ تفاعلاً كبيراً من الحضور لما يحمله من رسالة في حفظ الذاكرة العراقية من التزييف والتحريف من جانب، واستذكار الإبادات والجرائم التي تعرّض لها ضحايا مجزرة سبايكر من جانب آخر.


أما الفيلم الآخر الذي يتطرق إلى هذه الجريمة هو الفيلم العراقي “مجزرة سبايكر” ونرى في مقدمة الفيلم تنويه وهي عبارات تكتب: “أحداث هذا العمل حقيقية وهي تجسد أكبر جريمة في هذا الزمان.. والإهداء إلى أرواحكم الطاهرة.. وعيون أمهاتكم وحزن آبائكم.. وبراءة أطفالكم.. ووجع زوجاتكم وكل من يشتاق إليكم..”.
الفيلم وثائقي عن هذه الجريمة وهو يحكي قصة أحد ضحايا هذه الجريمة باسم “عباس” ويصوّر مشاهد قبل ذهابه إلى القاعدة الجوية وبعد استشهاده وما يجري على عائلته وغيرها من الأحداث التي نراها من كاميرا المنتج.. والنهاية التي تحصل وتبكي العيون.. وعلّق الكثير من المشاهدين على الفيلم بأنهم لا يستطيعون أن لايبكون مما حدث.
وكذلك فيلم وثائقي آخر هناك تحت عنوان “1700” والذي هو إشارة إلى عدد الطلاب الذين استشهدوا في هذه الجريمة، ويتطرق إلى هذا الحدث بصورة وثائقية.


من جهة أخرى نرى أن الفنان العراقي “عمار سالم الرسام” رد على المأساة بلوحته على هذه الجريمة، ونشر لوحته في حسابه الخاص على شبكة التواصل الاجتماعي الشهيرة “فيسبوك” وكتب تحتها عبارة تعزية للشعب العراقي وذوي الشهداء وخاصة شهداء قاعدة سبايكر.
ويوضح الرسام أن لوحته تتألف من جزءين وهما عبارة عن نور خافت وظلام للإشارة إلى وجود الأمل إلى جانب الشعور بفقدانه في آنٍ معاً.ولفت إلى أن العدد 1700 مرسوم على دماء الشهداء الجارية بطريقة مخفية في اللوحة كما أنه يعلن عن هوية المجرمين والمتفرجين على فعلتهم النكراء. ويتابع “سالم” أن جريمة سبايكر كانت مركبة كما تجسدها اللوحة أي أنها تكونت من سلسة جرائم تبدأ بالضرب والإهانة والتنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي ومن ثم لا تنتهي بالقتل والذبح وإنما تمتد إلى التمثيل بجثث الضحايا وإسالة دمائهم على هيئة نهر.

يقول العراقيون ان “داعش” سجل تاريخ انهياره منذ ارتكاب عناصره هذه الجريمة، لانه لم يكن معروفا بإجرامه على نطاق واسع في العراق لكن جريمته تلك كشفت عن وجهه الحقيقي وجلبت اليه العداوة والبغضاء من جميع العراقيين.

وسيتذكر العراقيون دوماً بألم وحرقة أحداث تلك الجريمة المأساوية وسيتلونها على مسامع اطفالهم جيلاً بعد جيل، حتى تبقى تذكرة لهم وعبرة لمن اتهموا بالتهاون مع من تجرأ وأقدم على هذه الجريمة التي لم يرتكب ضحاياها جرما سوى انهم كانوا ينتمون الى مدرسة اهل البيت صلوات الله عليهم.

المجزرة وقعت بعد أسر طلاب القوة الجوية في قاعدة سبايكر الجوية في يوم 12 حزيران/يونيو عام 2014، وذلك بعد سيطرة تنظيم “داعش” على مدينة تكريت في العراق وبعد يوم واحد من سيطرتهم على مدينة الموصل حيث أسروا (2000-2200) طالبا في القوة الجوية العراقية وقادوهم إلى القصور الرئاسية في تكريت، وقاموا بقتلهم هناك وفي مناطق أخرى رمياً بالرصاص ودفنوا بعضا منهم وهم أحياء.

وقد صور داعش مجريات هذه المجزرة في محافظة صلاح الدين، وقد نجح بعض الطلاب العراقيين في الهروب من المجزرة إلى ناحية العلم التي كانت صامدة آنذآك ولم تسقط بيد داعش حتى تاريخ 24 يونيو 2014، حيث استقبلتهم قبيلة الجبور في هذه الناحية والتي يفصلها نهر دجلة عن تكريت وأمنت لهم عجلات ومستمسكات للهرب من سيطرة التنظيم وكما هرب بعضهم بطرق أخرى، وقد روى بعض الطلاب مجريات المجزرة حيث تم حسب قولهم وشهاداتهم تسليم الطلاب من قاعدة سبايكر بسبب خداع بعض القادة العسكريين للطلاب وايهامهم بأن الوضع آمن.

وقد اثرت المجزرة بشكل سيئ في نفوس عوائل الضحايا والعراقيين حيث خرجوا بمظاهرات لمحاكمة القادة الذين سلموا ضحايا سبايكر لتنظيم داعش، وفي احدى المظاهرات تمكنوا من دخول البرلمان وطالبوه بمحاسبة القادة الذين سلموا سبايكر لداعش وبعدها حدثت الكثير من المظاهرات من قبل أهالي الضحايا حيث أدت بعضها إلى إغلاق جسر في بغداد.

المتورطون في اعدام طلبة سبايكر لم يستطيعوا الافلات من يد العدالة حيث تم اعتقال الكثير منهم وفي هذا الصدد قال محافظ صلاح الدين إن قوة أمنية من الجيش والشرطة تمكنت وبعد ورود معلومات استخباراتية دقيقة من إلقاء القبض على عدد من عناصر داعش نقلوا إلى مركز أمني للتحقيق معهم ومعرفة الجهات التي كانت معهم لحظة تنفيذ قتل الطلاب.

وكشف مدير الإعلام الحربي في العراق كاظم الركابي أن المعتقلين إعترفوا بأنهم تلقوا أوامرهم من إمرأة بتنفيذ عمليات الإعدام الجماعي لضحايا سبايكر، تلقب الست ويقال إنها رغد صدام حسين.

من جهتها قامت “الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة” بتدقيق أسماء 57 مجرماً ممن ثبت تورطهم في ارتكاب مجزرة قاعدة سبايكر بحق الطلاب الذين التحقوا في صفوف الجيش العراقي.

وأكدت الهيئة في بيانها أنه قد تبين بالدليل القاطع أن هؤلاء المجرمين جميعاً من أعضاء حزب البعث البائد، على الرغم من أن الصور أظهرت أن كل رجل مسلح كان من أعضاء داعش، في حين تذكر المصادر الأمنية أن سبب إعدام هؤلاء الضحايا يعود إلى خلفيات طائفية.

وبحلول الذكرى السنوية الخامسة لمجزرة سبايكر احيا ذوو الشهداء ذكرى المجزرة التي ارتكبت بحق ابنائهم حيث رافقت هيئة الحشد الشعبي عوائل الشهداء لمكان الجريمة داخل مجمع القصور الرئاسية والذين استذكروا الفاجعة الاليمة وسط اجواء من الحزن غلبت على نفوس كل الحاضرين.

وياتي إحياء هذه الذكرى في كل عام لتذكير العالم اجمع بالافعال الوحشية والهمجية التي ارتكبتها عصابات “داعش” الارهابية بحق جميع العراقيين دون استثناء وان ارواح الشهداء ستبقى خالدة في قلوب العراقيين.

وفي هذا الصدد يقول رئيس لجنة تخليد مجزرة سبايكر معين الكاظمي ان الحاضرين من اسر الشهداء قدموا مطالبهم للحكومة العراقية والمجتمع الدولي والتي تلخصت بالمطالبة بمتابعة المجرمين والحاق القصاص العادل بهم، فضلا عن تجريم الدول التي دعمت الارهاب في العراق منذ 2003 وحتى انتهائه، كما طالبوا بالتعويض عن هذه الجريمة واخذ الاجراءات اللازمة لعدم السماح بتكرارها.

وتابع ان لجنة تخليد مجزرة سبايكر ستنظم مؤتمرا دوليا بحضور الحكومة العراقية وممثلين عن المجتمع الدولي لاخذ دورهم فيما يخص المسؤولية التي تقع على عاتقهم ازاء هذه الجريمة الشنعاء لملاحقة الجناة وتعريف العالم بهذه الجريمة، فضلا عن البحث عمن تبقى من المفقودين.

Exit mobile version