لنلاحظ لغة الإمام الخميني في خطابه يوم 16 تموز/يوليو 1979: “إنّ يومَ القدس يومٌ عالميٌّ، وليس يوماً يخصُّ القدسَ فقط، بل هو يومُ مواجهةِ المستضعَفين للمُستكبِرين”.
بحكم الخلفيّة الدينيّة الإسلاميّة لقيادة الثورة الإسلامية الإيرانية، وتحديداً الإمام الخميني، حرصت هذه الثورة منذ انتصارها في العام 1979 على تمييز نفسها بـ”معجم ثوري جديد”، إن جاز التعبير، وأرادت إبراز نقطة عدم تبعيتها لأيّ محور وتيار أجنبي، وتأكيد استقلاليتها التامة فكرياً وثقافياً.
من هنا، كان استعمالها مصطلحات ومفردات مختلفة عن سائر الأدبيات الثوريّة. وبينما قسم الماركسيون العالم إلى إمبريالية وشعوب مكافحة ورأسمالية واشتراكية وبرجوازية وعمال، تحدَّث المعجم الثوري الإيراني غداة الثورة عن مُسْتكبِرين ومُسْتضعَفين أو الاستكبار العالمي والشعوب المُسْتضعَفة.
لا يخفى على أحد أنّ هذه المفاهيم مشتقّة من القرآن الذي تحدَّث عن {الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ}، وعن {الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، ولكن يُحسب للثورة الإيرانية أنها وسّعت نطاق هذه المصطلحات ذات الخلفية الدينية ودائرتها، وأخرجتها من “حصريّتها” الإسلامية إلى إطار عالمي/ إنساني.
في نظر الثورة الإيرانية، المستكبِرون وأدواتهم موجودون في كل زمان ومكان، ولكل عصرٍ مظاهره من الاستكبار والاستضعاف. وعلى هذا الأساس، يشمل الاستكبار الإمبريالية والرأسمالية المتوحّشة، كما يشمل الطبقات البرجوازية غير الوطنية والكومبردورية. من جهة ثانية، تشمل كلمة “المستضعفين” كلّ مظلوم في هذه الأرض، وهي بذلك تعني كل المهمّشين والفقراء والعمال.
لنلاحظ لغة الإمام الخميني في خطابه يوم 16 تموز/يوليو 1979: “إنّ يومَ القدس يومٌ عالميٌّ، وليس يوماً يخصُّ القدسَ فقط، بل هو يومُ مواجهةِ المستضعَفين للمُستكبِرين”. لقد جعل القدسَ وقضيتها أمراً يخصّ كلّ الأحرار والمناضلين في العالم، وهم، في لغته، المستضعَفون، بل إن الجمهورية الإسلامية ذهبت أبعد من ذلك في تأكيد “عالميّة” مفاهيم الاستضعاف والاستكبار، حين جعلتها بنداً في الدستور الإيراني الذي كُتب بعد الثورة، وألزمت نفسها بالانحياز إلى “المستضعَفين” في كلّ مكان.
إننا نقرأ في الفقرة 154 من الدستور الإيراني: “تعتبرُ الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع الإنساني قضية مقدسة بالنسبة إليها، كما تعتبر الاستقلال والحرية وقيام حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الشعوب في العالم. وعلى هذا الأساس، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمُستضعَفين ضد المستكبِرين في كل بقعة من بقاع العالم”.
مما سبق، يمكن اعتبار أدبيات الإمام الخميني والثورة الإيرانية نقلةً نوعيةً “تقدميةً” في التراث الفقهي الإسلامي، الذي لم يكن يعرف هذا النوع من الانفتاح على الآخر غير المسلم، على أساس فكرة نصرة العدل ومقارعة الظلم من منطلق إنساني صرف.
يستطيع المتابع للسياسة الإيرانية اليوم أن يلاحظ انعكاس فكرة المستضعَفين/ المستكبِرين على توجّهاتها وتحالفاتها. أبرز مثال على ذلك هو علاقاتها المميزة التي تقترب من التحالف مع الحكومات اليسارية الثورية في أميركا اللاتينية، كوبا وفنزويلا وبوليفيا، ووحدة الحال التي تجمعها بهم في مواجهة “الاستكبار” الأميركيّ