أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ أن بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولاسيما الولايات المتحدة، تستمر بارتكاب انتهاكات فاضحة بحق سورية، بينما تحاضر خلال اجتماعات المجلس حول ضرورة احترام الميثاق، وأهمية الدفاع عن مبادئ القانون الدولي، مشيراً إلى أنها تحاول بذلك رمي أوحالها على الآخرين، وتتهرب بطريقة مخزية من التداعيات المدمرة لسياسة الفوضى الخلاقة والدمار التي نشرتها في منطقتنا وفي أنحاء أخرى من العالم.
وأوضح صباغ خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم حول الشأنين السياسي والإنساني في سورية أن سورية تواجه منذ سنوات تحديات خطيرة، تسبب بها الإرهاب الذي تم تصديره من مناطق مختلفة من العالم، والوجود العسكري غير الشرعي للقوات الأمريكية والتركية، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وكل ذلك ترافق مع تدخل وقح في شؤونها الداخلية، وتزامن مع فرض حصار اقتصادي وإجراءات أحادية قسرية غير قانونية، وغير إنسانية عليها، مؤكداً أن هذه التحديات تمثل انتهاكات سافرة لميثاق الأمم المتحدة، ولمبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تنص على احترام سيادة سورية واستقلالها، ووحدة وسلامة أراضيها، الأمر الذي جعل سورية، والمنطقة عموماً في حالة من انعدام الأمن والاستقرار.
وقال صباغ: إن بعض الدول دائمة العضوية في هذا المجلس ارتكبت ولا تزال، انتهاكات فاضحة بحق سورية، فالولايات المتحدة موجودة عسكرياً بشكل غير شرعي وغير مبرر على الأراضي السورية، وتدعم الميليشيات الانفصالية التي تنتهك وحدة الأراضي السورية، وتستخدم المجموعات الإرهابية في مخيم الركبان للقيام بدور تخريبي والتسبب بأزمة إنسانية لا داعي لها، كما ترسل وفودها لتتسلل خلسة، وبشكل غير شرعي، نحو شمال شرق سورية، وكان أحدثها وفداً برئاسة إيثان غولدريتش نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية، كما تقوم بنهب الثروات الوطنية، وتسرق في وضح النهار النفط، والغاز، والقمح السوري، وتحرم أصحابها السوريين منها.
وأشار مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى أن الولايات المتحدة تسببت بخسائر مباشرة وغير مباشرة للقطاع النفطي في سورية تقدر بـ 115 مليار دولار، ما يوجب مساءلتها وإلزامها بدفع التعويضات عنها، وبالتزامن مع كل ذلك تواصل مع حلفائها الأوروبيين فرض إجراءات قسرية انفرادية على كل القطاعات الحيوية من الغذاء إلى الصحة والطاقة إلى النقل وصولاً إلى الإنتاج الزراعي، ما تسبب بمعاناة اقتصادية وإنسانية كبيرة وغير مسبوقة للسوريين.
وقال صباغ: إضافة لما سبق فقد كررت مندوبة الولايات المتحدة خلال جلسة اليوم تمسك بلادها بإعلانها غير الشرعي وغير القانوني والمعيب لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في آذار 2019 بشأن الجولان السوري المحتل والذي مثل ازدراء واضحاً للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وخاصة قرار مجلس الأمن 497 لعام 1981، مؤكداً أن كل هذه الممارسات غير القانونية وغير الشرعية، نموذج فقط لما تقوم به واشنطن في سورية، بينما تحاضر في كل اجتماع لمجلس الأمن عن ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة، وأهمية الدفاع عن مبادئ القانون الدولي وهي ببساطة تحاول رمي أوحالها على الآخرين، وتتهرب بطريقة مخزية من التداعيات المدمرة لسياسة الفوضى الخلاقة والدمار التي نشرتها في منطقتنا وفي أنحاء أخرى من العالم.
ولفت صباغ إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الأراضي السورية وذلك من خلال استهداف وقصف البنى التحتية، والمنشآت المدنية الحيوية، والمطارات، إذ شن منذ مطلع العام الجاري 30 عدواناً جوياً، مجدداً إدانة سورية بأشد العبارات لهذه الاعتداءات، واستنكارها استمرار الصمت عنها من قبل بعض الدول التي تنصّب نفسها حامية للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان، الأمر الذي يجعلها متواطئة مع الاحتلال، ويؤكد ازدواجية المعايير التي تمارسها.
وقال مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة: استمعنا إلى إحاطة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون الذي زار دمشق مؤخراً، والتقى وزير الخارجية والمغتربين الذي أكد له التزام سورية بعملية سياسية بقيادة وملكية سورية دون تدخل خارجي، وعلى أساس احترام سيادة سورية واستقلالها، ووحدة وسلامة أراضيها، مشيراً إلى أن سورية مستمرة بالحوار والتنسيق مع المبعوث الخاص، وتأمل بأن تتيح جهوده استئناف اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في أقرب وقت.
وأوضح صباغ أنه منذ منح سورية الإذن للأمم المتحدة في الـ 13 من تموز الماضي باستخدام معبر باب الهوى لضمان استمرار إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في شمال غرب سورية، لم تدخل سوى قافلة واحدة وبشروط مسيئة للأمم المتحدة لتلك المساعدات عبر هذا المعبر وكان ذلك في الـ 19 من أيلول الجاري أي بعد أكثر من شهرين من تاريخ منح الإذن، وذلك بسبب عرقلة التنظيمات الإرهابية الموجودة في تلك المنطقة، لكن المستغرب أننا لم نسمع صوتاً واحداً من تلك الدول التي كانت تصدع رؤوسنا بادعائها الحرص على تلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين.
وأعرب مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة عن الشكر لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث على الجهود التي بذلها في هذ المجال، لافتاً إلى أن الدولة السورية وفي إطار حرصها على مواطنيها قامت بفتح خمسة معابر، بينما كانت المطالبة بفتح معبرين.
وأشار صباغ إلى أن قرار سورية السماح باستخدام معبر باب الهوى إلى جانب الإذن باستخدام معبري باب السلامة والراعي الحدوديين، وأيضاً استخدام معبري سرمدا وسراقب للشحنات الإنسانية المتجهة من الداخل/عبر الخطوط، كفيل بتحقيق وصول إنساني كاف لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسوريين في شمال غرب سورية بالشكل المطلوب، لكن ذلك يستلزم ممارسة أقصى درجات الضغط على التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة لمنعها من استغلال المحتاجين لتلك المساعدات الإنسانية، أو حرفها عن مسارها الصحيح، كما يستلزم أيضاً توفير تمويل كاف ومستدام وقابل للتنبؤ لبرامج ووكالات الأمم المتحدة المعنية، إذ إن مسألة انخفاض التمويل باتت تمثل مصدر قلق حقيقي حيال قدرة تلك البرامج والوكالات على الوفاء بالولايات المنوطة بها.
وبيّن صباغ أن سورية هيأت الظروف واتخذت القرارات اللازمة فيما يتعلق بموضوع عودة اللاجئين، وتتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومجموعة الاتصال العربية لتحقيق هذا الهدف، وهي ترحب بعودة كل لاجئ سوري أجبر على مغادرة وطنه بسبب المجموعات الإرهابية، داعياً الدول الغربية إلى العمل على توفير ظروف ملائمة لعودة اللاجئين، بما في ذلك من خلال تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، وتمويل جهود إزالة الألغام والمخلفات المتفجرة، بدلاً من قيامها بعرقلة ذلك، وتسييس هذا الملف خدمة لأجندتها السياسية الضيقة.
وأكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن الارتقاء بالوضع الإنساني في سورية يتطلب توفير حلول مستدامة لدعم الشعب السوري، بما يقلل الاعتماد على المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ويزيد قدرته على الصمود، كما يتطلب أيضاً رفعاً فورياً وغير مشروط للإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها.
وقال صباغ: بالنظر إلى أن هذا البيان هو الأخير لي أمام مجلس الأمن قبل انتهاء مهمتي مندوباً دائماً لسورية، فإنني أعرب عن الشكر والتقدير للدول الأعضاء الشقيقة والصديقة التي قدمت الدعم لسورية، ولم تدخر جهداً في الوقوف إلى جانبها في وجه التدخل في شؤونها الداخلية وكل محاولات استغلال وتسييس الأوضاع الإنسانية فيها، وأدعو الدول الأعضاء الأخرى لإعادة النظر بمقاربتها في التعامل مع سورية، واعتماد نهج بناء يسهم على نحو حقيقي في إيجاد حلول للمشكلات بدلاً من إشعالها وحرق ما تم إنجازه.