الإنجازاتُ العسكرية والاستراتيجية لمحور المقاومة خلال عام من “طوفان الأقصى” بقلـــم عـــباس القاعدي
لم تكُنْ عمليةُ (طُوفَان الأقصى) الملحمية ضد كيان العدوّ الإسرائيلي، في 7 من أُكتوبر الماضي، مُجَـرّدَ عملية عسكرية، بل كانت نقطةَ تحوُّلٍ استراتيجيةً في مسار الحرب العدوانية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وعلى كُـلّ المؤامرات الأمريكية في المنطقة.
لقد أعادت (طُوفَانُ الأقصى) القضيةَ الفلسطينية إلى مقدمة المشهد العالمي، وأظهرت مدى هشاشة المشروع الصهيوني؛ مما يجعل الساحة مفتوحة للمزيد من التغيرات في المستقبل، كما أحيت روح المقاومة ووحّدت الفصائل الفلسطينية وعزَّزت تلاحُمَ محور المقاومة لمواصلة إفشال مشاريع العدوّ الصهيوني وتقديم المزيد من التضحيات لفضح المؤامرات الهادفة لتصفية القضية المركَزية الفلسطينية.
ولهذا فقد استطاع محورُ المقاومة فرض معادلات جديدة في الحرب مع العدوّ الإسرائيلي؛ مما جعل الحرب يتخذ طابعًا إقليميًّا أوسعَ، وأحدث انعطافًا حادًّا في مسار التطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، حَيثُ توقفت أَو تجمدت العديد من المبادرات التطبيعية، وأصبحت الحكومات العربية تدركُ أن تجاهل القضية الفلسطينية لم يعد ممكنًا، وأن التطبيع دون حَـلٍّ عادل للفلسطينيين قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في بلدانهم.
وعن أبرز الإنجازات العسكرية والاستراتيجية التي حقّقتها حركات المقاومة في فلسطين المحتلّة ومحور المقاومة، منذ بدء عملية (طُوفَان الأقصى) والتحولات الكبرى التي صنعتها في المنطقة، وأصبحت واحدة من أكبر المعارك التاريخية التي تخوضها المقاومة لاجتثاث شأفة هذا الكيان المحتلّ الذي بات يعيش اليوم أسوأَ حالة من التزلزل الأمني والاستراتيجي والازمة الوجودية،
يقول الخبير العسكري زين العابدين عثمان: إن “طوفان الأقصى أحدثت خلال عام كامل تطورات كبيرة، وبشكل دراماتيكي وتحولت من المواجهة المنفردة التي كان يريدها كيان العدوّ ضد المقاومة الفلسطينية إلى مواجهة شاملة مع دول محور المقاومة لبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران التي تدخلت في المعركة بتطبيق 5 جبهات إسناد ساخنة لضرب ومحاصَرة كيان العدوّ الإسرائيلي”.
ويؤكّـد عثمان في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن “أول إنجاز لهذه المعركة أنها وحَّدت جبهات المقاومة في فلسطين وقوى المقاومة في المنطقة، في إطار جبهات متعددة يحكمها مسار عملياتي وعسكري منضبط ومترابط على أعلى مستوى من التنسيق والتخطيط التشاركي في المعركة؛ فمنذ بدء المواجهة هناك غرف عمليات مشتركة من كُـلّ القوى تعمل على التنسيق ووضع الخطط الموحدة بين مختلف الجبهات”.
ويضيف: “من الإنجازات التي تحقّقت في هذه المعركة -بعون الله تعالى- هو الصمود الاستراتيجي لحركات المقاومة، حَيثُ لم تتزحزح خلال عام من المواجهة مع الكيان الصهيوني، وظلت محتفظة بثباتها وقوتها وعملياتها التي لم تتوقف في التنكيل بجيش العدوّ وقتل الآلاف من جنوده وتدمير أرتال كاملة من آلياته ودباباته”، مُشيرًا إلى أن “هذا الصمود الكبير حوّل معركة “طوفان الأقصى” إلى محرقة لكيان العدوّ الإسرائيلي، وحرب استنزاف طويلة ومدمّـرة بأمنه واقتصاده وقواته العسكرية، كما أنها فتحت المجال لتخرج المعركة من الحدود التكتيكية (قطاع غزة) لتلتحم فيها جبهات محور المقاومة على مستوى الإقليم والمنطقة؛ فإلى جوار جبهة غزة هناك 5 جبهات مباشرة تفتك بكيان العدوّ”.
استطاع جبهة لبنان خلال عام من “طوفان الأقصى” إحكام قبضتها على شمال فلسطين المحتلّة بالكامل (بعمق 140 كم)، حَيثُ حوَّلت وضعَ كيان العدوّ في هذا العمق إلى مقتلة جماعية لقواته وتدميرٍ لمواقعه وقواعده العسكرية؛ فعمليات حزب الله مُستمرّة، وقد حقّقت -بعون الله تعالى- إنجازات في تدمير العديد من القواعد والمواقع الحيوية لكيان العدوّ والتنكيل بجنوده، فالإحصائيات تشير إلى أن هناك أكثر من 30 ألف معاق من جنود العدوّ ونفوق الآلاف منهم.
أما جبهة اليمن، فقد حقّقت قواتنا المسلحة إنجازات كبرى في المعركة منها إغلاق بحار المنطقة أمام سفن كيان العدوّ من البحر الأحمر، ومضيق باب المندب غربًا إلى البحر العربي، والمحيط الهندي في أقصى الجنوب، كما تم النجاح -بعون الله تعالى- في تعطيل ميناء “أم الرشراش” المحتلّة (إيلات) بشكل كامل، وتدشين مرحلة قصف الأعماق، منها قصف منطقة يافا المحتلّة “مركز ثقل العدوّ، وذلك عبر موجات من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية التي تتقدمها صواريخ فلسطين 2 الفرط صوتية.
وفي جبهة العراق، فقد تم تحقيق إنجازات مهمة، منها قصف منشآت كيان العدوّ في “حيفا” وَ”الجولان” وَ”أم الرشراش” وتطوير المنظومة العملياتية لتكون عبر القصف بصواريخ الكروز والطائرات المسيرة والاشتراك مع اليمن في عمليات القصف، وهذا كان واحدًا من أهم الإنجازات التي تحقّقت، وبدأ خلالها توحيد الجهد العملياتي بين المقاومة في العراق واليمن.
وعلى مستوى جبهة إيران، فهناك عملٌ مُستمرٌّ من قبل الجمهورية الإسلامية في تعزيز عوامل الإسناد لجبهات المحور، إضافة إلى عمليات القصف التي كان منها العمليتان الاستراتيجيتان “الوعد الصادق 1، 2” التي زلزلت كيان العدوّ، ودمّـرت قواعده الجوية الرئيسية، كما حصل في العملية الأخيرة.
وفي هذا السياق يؤكّـد الخبير والمحلل العسكري زين العابدين عثمان أن “جبهات إسناد محور المقاومة -مع ما حقّقته من إنجازات- استطاعت أن تغيّر نظرة دول العالم تجاه فلسطين، كقضية شرعية ثابتة لا يمكن تجاوزها، وكسرت استراتيجيات الدول المعادية، مثل كيان العدوّ الإسرائيلي وداعميه أمريكا وبريطانيا ودول الغرب، حَيثُ تمكّن محور المقاومة -بعون الله تعالى- من تثبيت معادلات ردع صارمة في الدفاع عن فلسطين، ووجّهت ضربات قاصمة على المسرح العسكري والاستراتيجي ضد هذه القوى المعادية والإجرامية؛
فأمريكا في هذه الحرب خسرت الكثير من المعارك، خُصُوصًا المعركة البحرية تجاه اليمن، وفقدت هيبتها وثقلها العسكري، فلم تستطع أن تحميَ كيان العدوّ الإسرائيلي أَو تدافعَ عنه بالشكل الذي يبقيه متفوقًا في الحرب، كما أنها بدأت تتقبل واقع الانهيار والفشل الكبير الذي أصبحت عليه، والواقع المتآكل لكيان العدوّ الذي لا يمكن تعويضه بأي شكل”.
ويشير عثمان إلى أن “الحرب الحالية هي حرب وجود (كُنْ أَو لا تكُنْ) وفيها كيان العدوّ الإسرائيلي خسر هذه الحرب، وأصبح وجوده واستقراره في حالة اهتزاز، وتآكل متسارع، فقد خسر منظومته الأمنية والاقتصادية والعسكرية، كذلك أمريكا خسرت الحرب، وخسرت فاعلية هيمنتها وقواتها وبلطجتها بالمنطقة، فقد أصبحت سياساتها كما ذكرنا تقف في وضعية دفاعية هشة، سرعان ما تقودها للهزيمة الكاملة خلال مراحل الصراع المقبلة -بعون الله تعالى-“.
وبحسب عثمان فَــإنَّ محور المقاومة مُستمرّ في المواجهة وهو بعد عام من الصراع في حالة تصاعد “وقد يصنع خلال هذه المرحلة خُصُوصًا مع بدء عمليات ردود الفعل الانتقامية التي سيوجهها ضد كيان العدوّ الإسرائيلي إنجازات كبرى لم تكن في حسبان هذا الكيان، حَيثُ ستعزز من سرعة انهياره العسكري وتعزز من حالة تفكّك ما تبقى من الهيمنة الأمريكية الجاثمة على المنطقة والشرق الأوسط”.
من جهته يقولُ محافظ عدن، طارق سلّام: إن “محور المقاومة استطاع من خلال “طوفان الأقصى” فرض معادلات جديدة في الحرب مع العدوّ الإسرائيلي؛ مما جعل الحرب تتخذ طابعًا إقليميًّا أوسَعَ، وأحدَثَ انعطافًا حادًّا في مسار التطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، حَيثُ توقفت أَو تجمدت العديد من المبادرات التطبيعية، وأصبحت الحكومات العربية تدرك أن تجاهل القضية الفلسطينية لم يعد ممكنًا، وأن التطبيعَ دون حَـلٍّ عادل للفلسطينيين قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي في بلدانهم”.
ويضيف: “الموقف الذي جسّده الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة والدور الكبير الذي لعبته المقاومة الإسلامية في كُـلٍّ من إيران ولبنان واليمن والعراق وسوريا أكّـد أن هذه القضية لن تموت وأن الطوفان مُستمرّ وَسيجرف الأعداء إلى غير رجعة؛ فالأرواح والدماء الزكية والعظيمة التي قُدمت في سبيل هذه الأُمَّــة لن توقف الطوفان واللهيب الذي يسري في دماء الأُمَّــة المقاومة بل يعزز من لُحمتهم وقوتهم ويوحّد آراءهم؛ مِن أجلِ الثأر لهؤلاء الشهداء والانتقام للشعب الفلسطيني المقاوم واستعادة حقوقه المشروعة وإعادة المسجد الأقصى من دنس المحتلّ البغيض”.
ويرى سلام أن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أُكتوبر العام الماضي، “مثّلت ولادة مرحلة جديدة ونقطة تحول كبير في مسار الشعب الفلسطيني المقاوم وفي سبيل قضيته الإنسانية والوطنية المحقة واستعادة أراضيها المحتلّة ومقدسات الأُمَّــة من أيدي الأعداء والمحتلّين”،
مؤكّـدًا أن هذه المعركة المقدسة والعملية الجهادية البطولية جاءت “ضرورة حتمية وحاجة ملحة للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المنهوبة والمشروعة من كيان العدوّ الصهيوني الطفل المدلل لقوى الاستكبار والإجرام ممثلة بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من دول الاستكبار التي جعلت من هذا العدوّ اللقيط أداةً تنخر جسد الأُمَّــة لتفكيكه وحماية مصالحها وأطماعها قي المنطقة، وقد سعت دول الغرب إلى خلق هذا الكيان وإيجاده في قلب المنطقة والأمة العربية وتحديدًا في فلسطين التي تحتل مكانة مقدسة وعظيمة في نفوس المسلمين؛ وهو ما جعل من هذا العدوّ الغاصب وأربابه من المجرمين ألدَّ أعداء الأُمَّــة وخصمَهم اللدودَ على مدى التاريخ”.
وبخصوص بعضِ الإنجازات الاستراتيجية لمحور المقاومة، فَــإنَّ الاحتلالَ الإسرائيلي قد فشل في الوقوف على قدمَيه أَو استعادة صورته، بعد عملية (طُوفَان الأقصى) التي كسرت هيبة دولة الاحتلال ومؤسّساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق وكسرت أُسطورةَ الجيش الذي لا يُقهر والجندي المدجَّج بالسلاح المتفوق على الآخرين.
ونجح محور المقاومة في مساندة الشعب الفلسطيني المقاوم، كما نجح في تعبئة جبهة دولية واسعة ومتنوعة مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، على الساحة الدولية التي شهدت احتجاجاتٍ غاضبةً؛ دعمًا لفلسطين المحتلّة في العواصم الكبرى، ولا سيما في دول الغرب، التي يواجه فيها الاحتلال تحديًا إضافيًّا، وهو متمثل في احتجاجات الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية وأُورُوبا المناهضة للاحتلال، بالإضافة إلى حظر دول عديدة المساعدات العسكرية أَو المساهمة في نقل مساعدات من أطراف ثالثة إلى ما تسمى “إسرائيل”.
أما الإنجازُ الأعظم لمحور المقاومة فهو إخلاء المستوطنات للمرة الأولى منذ إنشاء ما تسمى “إسرائيل” عام 1948م، بحيث تم إجلاء نحو 200 ألف شخص من المستوطنات المحيطة بقطاع غزة وتلك المجاورة للحدود مع لبنان، وبإخلاء مساحات كاملة من جنوب فلسطين المحتلّة، وهذا ما لم يحدث منذ عام 1948.
كما أن المقاومة ومن خلال عملية (طُوفَان الأقصى) نجحت في إعادة الصراع بين شعوب المنطقة وقواها الحيّة من جهة، وبين العدوّ الصهيوني من جهة أُخرى إلى وجهته الصحيحة، والتي حاول البعض -سواء من دول الاستعمار العالمي أَو من بعض الدول العربية والإقليمية خلال السنوات الماضية- حرفه عن مساره الصحيح والطبيعي؛
إذ إن العدوّ الصهيوني الذي يحتل الأرض، ويقتل ويهجّر شعوب المنطقة، وفي المقدّمة منها الشعب الفلسطيني المظلوم، هو العدوّ المركزي للأُمَّـة العربية والإسلامية، ولكل الأحرار في العالم، وقد نجحت معركة “طوفان الأقصى” في إعادة هذا التوصيف إلى الواجهة من جديد بعد المحاولات الحثيثة التي جرت لاستبداله بأعداء مصطنعين؛ أملًا في دمجه في المنطقة كجزء طبيعي منها.
ولهذا فَــإنَّ جبهاتِ محور المقاومة تسير بكل ثبات نحو تحقيق انتصار تاريخي على “دولة” القتل والإجرام، انتصار قد يراه البعضُ من المثبِّطين بعيدَ المنال، وأن موازين القوى الحالية قد لا تسمح بحدوثه، لكن التجارب الكثيرة على مر التاريخ القديم والحديث تقول: إن هزيمة الشر ممكنة، وإن التغلّب عليه وارد، وأن الأمر بحاجة فقط إلى المزيد من الصبر والثبات والتحمّل، وإلى تفويض الأمور كلها لله عز وجل، مهما ازدادت الصعوبات، وتعاظمت التضحيات.
كما أن هذه الإنجازاتِ والانتصارات وضعت أمتنا على طريق الانتصار الكبير والنهائي والذي يعني تحريرَ فلسطين من الاحتلال الصهيوني وتحرير منطقتنا كلها من الهيمنة والتسلُّط الأمريكي، وهذا يحتاجُ إلى مواصلة العمل والجهاد دون كلل أَو ملل ويحتاجُ إلى المزيد من الوقت بطبيعة الحال وأن نكونَ واثقين جِـدًّا وعلى يقينٍ بوعد الله تعالى للمؤمنين الصادقين بالنصر والغلَبة.