في كلمةٍ ألقاها سماحة الشيخ قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة “عصائب أهل الحق” ، خلال الذكرى السابعة والعشرين لاستشهاد السيد محمد الصدر ونجليه الطاهرين، والذكرى الثانية والعشرين لتأسيس الحركة، أشاد سماحته بالدور المحوري للشهيد الصدر في تشكيل الوعي الجهادي والاجتماعي في العراق.
أكَّد الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، سماحة الشيخ قيس الخزعلي، يوم الجمعة، أن السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر «قدس سره»، كان رجلاً استثنائياً امتاز بعلاقة فريدة مع الله سبحانه وتعالى، وكان مشروعاً إلهياً أنجب مدرسةً متكاملةً في الوعي والشجاعة، كان لها الأثر الأكبر في تحولات العراق المعاصرة.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها سماحته في الذكرى السنوية الـ27 لاستشهاد سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيد محمد محمد صادق الصدر «قدس سره» ونجليه الطاهرين، حيث استعرض من خلالها جملةً من الجوانب المضيئة في شخصية الصدر ومسيرته الجهادية والفكرية.
وقال الشيخ الخزعلي إن الشهيد الصدر تميَّز بعلاقته الخاصة مع الله، حيث كان «الله سبحانه وتعالى يأخذ بيده، ويسدده، ويوفقه في كل مشروع يتصدى له»، بدءاً من إحياء الحوزة العلمية، ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام، إلى تصديه للمرجعية الدينية، وخطبه التي أعادت لصلاة الجمعة حضورها وزخمها.
وأشار إلى أن الصفات والمزايا التي تَحلَّى بها السيد الشهيد قَلَّ أن تجتمع في شخصٍ واحد، ما جعله يقوم بأدوارٍ عديدة امتدت إلى مجالاتٍ متعددة أثرت بشكلٍ إيجابي على الحالة الإسلامية عُمومًا والشعب العراقي خُصوصًا، حتى وصفه قائلاً: «فكان بحقٍّ أمةً في رجلٍ واحد».
وفي حديثه عن الظروف التي واجهها السيد الشهيد، أشار الشيخ الخزعلي إلى الحملة الظالمة التي شنها النظام البعثي لتشويهه وقتله معنويًّا، ومن ثم اغتياله جسديًّا، مُضيفًا: «رغم التضييق والتسقيط والمطاردة، إلا أن خطبه وفتاواه كانت تنتشر انتشارَ النارِ في الهشيمِ، وكدنا قاب قوسين أو أدنى من أن ينهار نظام البعث بفعل الوعي والشجاعة التي زرعها في نفوس الناس».
ونوَّه سماحته إلى أن السيد الصدر لم يكن غافلًا عن المخاطر الكبرى التي تهدد الأمة، فكان أول من أطلق مصطلح «الثالوث المشؤوم»، في إشارةٍ إلى أمريكا و«إسرائيل» والأنظمة التابعة لهما، مشددًا على أنه كان سَبَّاقًا في التحذير من الهيمنة الأمريكية وأطماعها العقائدية في العراق والمنطقة.
وبيَّن سماحته أن الشهيد الصدر كان من الداعمين للقضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الصهيوني، ولو كان باستطاعته أن يَمُدَّهُم بالمال والسلاح لفعل، مشيدًا بنكرانه لذاته وتغليبه المصلحةَ العامة، ودعوته الدائمة للوحدة بين المسلمين وأبناء المذهب الواحد.

وفي سياقٍ متصل، أكَّد سماحة الشيخ قيس الخزعلي أن معظم محطات المقاومة العراقية كانت ثمرةً من ثمار مدرسة محمد الصدر، مُضيفًا: «إن جُلَّ مقاومة الاحتلال الأمريكي، والدفاع عن مرقد العقيلة زينب (عليها السلام)، والتصدي لداعش، هي من نتاج مدرسة الوعي والشجاعة التي أسسها السيد الصدر».
كما لفت سماحته إلى أن عددًا كبيرًا من القادة الشهداء في فصائل المقاومة والحشد الشعبي هم من مُقلِّدي السيد محمد الصدر، ومن المهتدين بمشروعه العقائدي، بل من السائرين في نهج التمهيد لظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بالوعي والشجاعة.
وفي الذكرى الثانية والعشرين لتأسيس حركة «عصائب أهل الحق»، قال الشيخ الخزعلي: «نستذكر أن هذه الحركة الجهادية قدَّمت أكثر من ألف وخمسمئة شهيدٍ وآلاف الجرحى، وكانت حاضرةً في كل ميدان واجه فيه العراق التحديات، ولم تكن إلا ثمرةً من ثمار هذا الولي المقدس والمرجع الناطق والعالم العارف».
وأكَّد أن الشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعًا عن الوطن هم من ثمار تربية محمد الصدر، «هم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، مشددًا على أن الحركة مستمرةٌ على نهجه، مُتعهدًا بالتمسك بالولاية، والالتزام بالمرجعية، وعدم المساومة في قضايا السيادة والأمن والكرامة الوطنية.
وفي ختام كلمته، قال سماحته: «نعاهد السيد محمد الصدر ونعاهد أبناء شعبنا أن نستمر في طريقه، وأن نبذل جهدنا في التمكين السياسي لدولة العدل الإلهي، من خلال تصحيح مسار العملية السياسية، والوقوف أمام الفساد والفاسدين، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أُنيب، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير».
نص الكلمة لسماحة الشيخ قيس الخزعلي أمين العام لحركة عصائب أهل الحق
بسم الله الرحمن الرحيم
الآباء والأمهات، الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.تمر علينا اليوم الذكرى السابعة والعشرون لاستشهاد المولى المقدس السيد الشهيد محمد الصدر ونجليه الطاهرين رضوان الله تعالى عليهم. ولهذا الرجل العظيم الشأن عند الله مواصفاتٌ ومميزاتٌ عديدةٌ يندر أن تجتمع في رجلٍ واحد، مما نتج عن هذه المواصفات والميزات أدوارٌ ووظائفٌ وسعت العديد من المجالات، والتي عمَّت في نتائجها بالخير والفائدة على الحالة الإسلامية بشكلٍ عام، وعلى الشعب العراقي بشكلٍ خاص. فكان بحقٍّ أمةً في رجلٍ واحد.
تميَّز محمد الصدر رضوان الله عليه بالدرجة الأساس بعلاقته الخاصة مع الله سبحانه ومقامه المعرفي به، فكان مع الله وكان الله معه. لذلك رأينا بأمِّ أعيننا كيف أن الله سبحانه وتعالى كان يأخذ بيده ويسدده ويوفقه في كل مشروعٍ يتصدى له: في تصديه لإحياء الحوزة العلمية ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام، وفي تصديه للمرجعية الدينية وهداية الناس إلى معرفة أحكام دينهم، وفي تصديه لأمور المسلمين وتحقيق مصالحهم العامة، وفي تصديه لصلاة الجمعة التي كانت قبل محمد الصدر نسيًا منسيًا، وكيف أحيا الله به شعائره. ورأينا كذلك بأمِّ أعيننا مصداق قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
فَرَغْمَ الحملة الظالمة التي شنَّها النظام البائد على سمعته لغرض قتله معنويًّا حتى يمنع تأثيره في القلوب وهدايته للعقول وتصديه للظالمين – هذه الحملة التي للأسف الشديد شارك فيها ودعمها الكثيرُ ممن يُحسَبون على أهل العلم والفكر والوجاهة الدينية والاجتماعية – إلا أنه رغم ذلك، فإن مرجعيته، بل ولايته لأمور المسلمين، وفتاواه وخطبه ومواعظه كانت تنتشر انتشار النار في الهشيم، حتى كدنا قاب قوسين أو أدنى من أن يندكَّ ويَزول نظام البعث الظالم الكافر من الأساس؛ بسبب الوعي والشجاعة – وأقول بسبب الوعي والشجاعة – التي كان يزرعها محمد الصدر ويغرسها في قلوب الناس، حتى شعر النظام البائد بخطره الشديد، وتيقَّن أن هدف القتل المعنوي بالتسقيط والتشويه لم ينجح، وليس أمامه من طريقٍ إلا القتل المادي باغتياله وتصفيته.
أقول: إن قرار الطاغية صدام باغتيال السيد الشهيد محمد الصدر هو دليل عجزه عن مواجهته، وفشله في تسقيطه، وخوفه من مشروعه؛ مشروع الهداية والوعي والشجاعة والجهاد.
كان محمد الصدر سابقًا لزمانه في فكره ووعيه وقراءته للأحداث واستشرافه لها، ومتقدمًا على أقرانه في اهتمامه بأمور المسلمين وتصديه لها، رغم أنه كان يعيش في النجف الأشرف مشغولًا بأمور الحوزة وشؤون مقلديه وأتباعه الذين كانت أغلبيتهم العظمى من العراقيين. ورغم التضييق الذي كان يعيشه، إلا أن ذلك كله لم يمنعه من التأكيد على الخطر الأكبر الذي كان يسميه قدس سره بـ”الثالث المشؤوم”، وهو أول من استعمل هذا المصطلح. ومنذ ذلك الوقت، وقبل مجيء الاحتلال الأمريكي، كان محمد الصدر ينبهنا من الهيمنة والاستعمار الأمريكي،
وأن لهم أطماعهم وأهدافهم في التواجد في العراق والمنطقة لدوافع ليست سياسية في حقيقتها، بل هي دوافع عقائدية، وهذا ما تكشَّف بعد حين. ولم يغفل كذلك عن متابعة القضية الفلسطينية ودعمها، وكذلك مقاومة الجنوب اللبناني – كما كان يعبر رضوان الله عليه – أمام الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وأنه لو كان يستطيع أن يمدهم بالأموال والسلاح لفعل.
ومما يُسجَّل لهذا الرجل العظيم هو نكرانه لذاته وتغليبه المصالح العامة ونزعته الوحدوية، فكان يدعو إلى الوحدة بين المسلمين عامةً فضلًا عن أبناء المذهب الواحد، وكان حاضرًا دائمًا في إنكار ذاته والتنازل عن حقوقه لأي عملٍ فيه وحدة الحوزة أو المذهب أو الإسلام.
أيها الأحبة، محمد الصدر كان إرادة الله التي أرادها من أجل أن يُحدِث مشروعًا يضمن الوعي والشجاعة حتى ينقل المجتمع إلى مستوى أعلى في إحقاق الحق وإبطال الباطل، في الدفاع عن العدل والتصدي للباطل، بل في نقل المجتمع خطوةً إلى الأمام. ولأن محمد الصدر لم يكن رجلًا عاديًا، بل كان مشروعًا إلهيًّا، كان لدمه الطاهر الكرامة الكبرى في أن يستمر مشروعه في الوعي والشجاعة – أقول في الوعي والشجاعة – وأنا قلتها وأكررها مرةً أخرى عن اطلاعٍ وتحقُّق:
إن جلَّ مقاومة الاحتلال الأمريكي كانت من ثمار مدرسة محمد الصدر ومن بركات دمه، وإن الدفاع عن مرقد السيدة زينب سلام الله عليها كان من ثمار مدرسته في الوعي والشجاعة، وإن التصدي لداعش والقضاء عليه كان من تأسيس مدرسته في الوعي والشجاعة. ولك أن تلاحظ – كدليلٍ فقط – كم من الشهداء القادة في مختلف فصائل المقاومة والحشد الشعبي كانوا من مقلدي محمد الصدر، الملتزمين بمدرسته ومشروعه في التمهيد لظهور صاحب الزمان عليه السلام من خلال الوعي والشجاعة. وهؤلاء الشهداء هم الرجال الذين رباهم محمد الصدر، هم بركات دم محمد الصدر، هم الثمرة التي زرعها لتكون شجرةً مباركة، هم الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلًا.
أيها الأحبة يا أبناء شعبنا العراقي، ونحن في هذا اليوم نعيش الذكرى الثانية والعشرين لتأسيس حركة عصائب أهل الحق – أهي الحق؟ – هذه الحركة الجهادية التي قدمت أكثر من 1500 شهيدٍ وآلاف الجرحى، والتي كانت حاضرةً في كل منازلٍ أو معركةٍ كان يجب أن تكون حاضرةً فيها. هذه الحركة بتضحيات مجاهديها ودماء شهدائها والمنجزات التي حققتها في مقاومة الاحتلال وتحرير أرضه من دنس الاحتلال الأمريكي، والدفاع عن مراقد أهل البيت عليهم السلام، وتحرير أرض العراق من دنس الدواعش التكفيريين، لم تكن إلا ثمرةً من ثمرات هذا الولي المقدس والمرجع الناطق والعالم العارف.
في هذا اليوم، نعاهد محمد الصدر، ونعاهد أبناء شعبنا على الاستمرار في طريقه الذي رسمه هو قدس سره: في التمسك بالولاية، والالتزام بالمرجعية، والسير في طريق الحق، ولا نساوم ولا نجامل في أي قضيةٍ لها مساسٌ بسيادة دولتنا أو أمن وطننا أو كرامة شعبنا أو حرمة مقدساتنا. ونعده أن نبذل كل جهدنا في التمكين السياسي لدولة العدل الإلهي من خلال تصحيح مسار العملية السياسية، وعدم الوقوع في أخطاء السابقين، والوقوف أمام الفساد والفاسدين، ما أوتينا إلى ذلك سبيلًا. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، ومولانا فنعم المولى ونعم النصير.
والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.