آخر الأخبارالمقالات

هل تتفكك من الداخل؟.. أزمات متتالية تكشف وهم القوة الإسرائيلية بعد حرب غزة

كشفت تحليلات أمنية وسياسية عميقة النقاب عن أزمات بنيوية تهدد الكيان الإسرائيلي بالانهيار التدريجي من الداخل، متحديةً الصورة الظاهرية للقوة والانتصار. فبعد أكثر من عام على الحرب على غزة، تتراكم مؤشرات التصدّع المجتمعي والمؤسسي، بينما يتآكل الدعم الدولي ويتحول ميزان القوى الإقليمي.

تقف إسرائيل اليوم أمام مفترق طرق وجودي، حيث يتضاءل عمقها الاستراتيجي وتفشل في تحقيق أهدافها الحربية المُعلنة، فيما تستهلك طاقاتها في صراعات هوية داخلية وانهيار في الخدمات الأساسية، من الصحة إلى التعليم والقضاء، في مشهد يصفه خبراء بـ”القشرة الفارغة” التي تخفي واقعاً متداعياً
الأزمات الظاهرة والكامنة لإسرائيل بعد الحرب؛ عودة كابوس “الانهيار من الداخل”

تشير الأوساط الأمنية في الكيان الصهيوني إلى أن هذا الكيان يُظهر انتصارًا صوريًا فقط، وأنه غارق وسط عاصفة من الأزمات الداخلية والخارجية، خاصة بعد حرب غزة، وترى أن الوضع الحالي لإسرائيل هو التعريف الدقيق لـ “الانهيار من الداخل” بشكل تدريجي.

وفقًا لتقرير المجموعة الدولية في وكالة أنباء “آماج”، فقد قدّم الصهاينة – بعد حرب غزة وكذلك الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إيران – تحليلات متعددة حول الوضع الأزمي للكيان الصهيوني ومسألة انهيار هذا الكيان. وفي هذا السياق، تناول “أوري غولدبرغ”، المحلل السياسي الصهيوني الشهير والمستشار السابق للأمن الداخلي لهذا الكيان، في مقال أعادت “الجزيرة” نشره، موضوع “انهيار إسرائيل من الداخل” بشكل هادئ وتدريجي، وشرحه على النحو التالي:

قد تبدو إسرائيل للكثيرين طرفًا منتصرًا وقوة مهيمنة في المنطقة؛ طرفًا يحارب على عدة جبهات في وقت واحد، ويوجه ضربات مدمرة لأعدائه، ويتمتع في الوقت نفسه بدعم واسع من قواعده في الغرب. كما أن حكام الغرب، على الرغم من المعارضة الشعبية، لا يزالون يدعمون إسرائيل.

رئيس الوزراء كيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
إسرائيل بين أوهام القوة وحقيقة الانهيار من الداخل

لكن تحت هذه القشرة الظاهرة، تتداعى إسرائيل من الداخل. فتحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة ويشمل قطر ومصر والسعودية وتركيا، يحاول تدريجيًا إخراج غزة من سيطرة إسرائيل، ويضغط على إسرائيل للتخلي عن مغامراتها التوسعية في سوريا ولبنان.

تعلن حكومة إسرائيل معارضتها لهذا المسار صراحة، لكنها مضطرة لقبوله؛ خاصة أنها أدركت أنها فشلت في تحقيق “أهدافها الحربية” المُعلنة، المتمثلة في تدمير حماس وإعادة الأسرى أحياء.

من الصعب على القادة الغربيين تقبل فكرة أن إسرائيل أصبحت عاملًا لزعزعة الاستقرار الإقليمي، وبالتالي فإن أبسط استراتيجية هي سحب دعمهم تدريجيًا وبهدوء، والسماح لإسرائيل بأن تتكيف مع الواقع الناشئ بشكل تدريجي.

الحقيقة هي أن التطورات الإقليمية تضعف دور إسرائيل وتغير ميزان القوى. فالدعم غير المشروط الذي كانت إسرائيل تحظى به من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، يتضاءل، كما أن التعاون مع الدول العربية في تراجع. فعلى مدى عقود، كان الفلسطينيون – مثل الإخوان المسلمين – يُنظر إليهم على أنهم تهديد أكبر لاستقرار المنطقة من إسرائيل، لكن اليوم الأمر ليس كذلك.

في حين كان الحكام الغربيون يدينون حماس ويمتدحون دفاع إسرائيل عن القيم الغربية، فإنهم اليوم، بعد مشاهدة أدلة موثقة على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، مُجبرون على الصمت، حتى أن دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، ينتقد حماس أقل بكثير مما كان في السابق. لذلك، ولجعل إسرائيل تتكيف مع الواقع الجديد، فإن الغربيين في بعض الأحيان يجيبونها ببرود ويتركونها تنتظر.

على الرغم من ادعاءات المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن الجميع يعلم أن إسرائيل تحتاج إلى تعاون دولي لتنفيذ هجماتها في سوريا ولبنان ودول المنطقة الأخرى، وبسبب تراجع هذا الدعم، نرى أن هجمات إسرائيل في المنطقة تتضاءل تدريجيًا ولم تعد قادرة على السعي وراء توسيع العمق الاستراتيجي.

حرق علم اسرائيل وأمريكا
إسرائيل خسرت على الجبهة الدبلوماسية

لكن على الجبهة الدبلوماسية، إسرائيل هي الطرف الخاسر؛ حيث لا تزال حماس تتفاوض وحكومة إسرائيل تماطل. إذا استمر هذا الوضع، فستجد إسرائيل نفسها أمام واقع لم تكن تتوقعه، فعلى سبيل المثال، هناك اليوم عدة مقترحات دولية مضمونها أن على إسرائيل نفسها أن تدفع تكلفة إزالة الأنقاض التي خلفتها خلال أكثر من عامين من حرب الإبادة الجماعية ضد غزة.

من ناحية أخرى، في الوقت الذي توشك فيه إسرائيل على فقدان مكانتها كقوة مهيمنة في المنطقة، فإن المجتمع الإسرائيلي يستهلك طاقة كبيرة في صراعات داخلية حول “روح إسرائيل” وتعزيز الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية.

أصبح نهج إسرائيل يركز بشكل متزايد على قضايا تتراوح من “التهديدات ضد اليهود” إلى ما يعرف بـ “الكيان الجمعي الإسرائيلي”، متجاهلًا النقاشات الجيوسياسية التي كانت شائعة حتى قبل ستة أشهر، كما أن هناك تجاهلًا واسعًا للوقائع العالمية وللرأي العام الدولي.

اصابة مسؤول اسرائیلي
إسرائيل وسط الكابوس المتكرر للانهيار من الداخل

خذ على سبيل المثال الفضيحة الأخيرة المتعلقة بالقوة الجوية الإسرائيلية. طيارو المستقبل، الذين كانوا على وشك التخرج بعد عامين من التدريب، خضعوا لـ “محاكاة سجن” لمدة أسبوع تُعد من أصعب مراحل تدريبهم. بعد ذلك، أُرسلوا للراحة إلى فندق في مكان سري.

لكن هؤلاء الطيارون كشفوا موقع الفندق لعائلاتهم التي زارتهم في نهاية الأسبوع، وشرب بعضهم الكحول، وقائدهم سمح بذلك حتى. ثم قال قائد القوة الجوية، “تومر بار”، إن جميع هؤلاء الطيارين سيواجهون إجراءات تأديبية ولن يكون هناك “أي تسامح تجاه القيم، التي هي أساس أخلاقيات القوة الجوية”.

هذا الوضع لإسرائيل هو بالضبط تعريف الانهيار. فالقوة الجوية الإسرائيلية مسؤولة عن معظم الدمار في غزة، بما في ذلك قصف المنازل والبنى التحتية المدنية، مما أرعب العالم وحرم الجيش الإسرائيلي من ادعائه بأنه “أكثر جيوش العالم أخلاقية”. ومع ذلك، نرى أن هذه القوة الجوية نفسها لا تزال تتحدث عن “القيم” و”الأخلاق”. فالطيارون هم الأداة الرئيسية في حرب الإبادة الجماعية هذه، لكن المهم هو أنهم شربوا الكحول دون إذن!

لكن الجانب الأكثر خطورة في الوضع الحالي هو أن إسرائيل فقدت تماسكها الداخلي؛ حيث يموت أطفال غير مُطعمين ضد الحصبة والإنفلونزا، وتقوم مجموعات من المراهقين بمهاجمة فلسطينيين ينظفون الشوارع أو يقودون الحافلات، ويُقتل مواطنون فلسطينيون داخل أراضي عام 1948 في اشتباكات مع جماعات إجرامية إسرائيلية، ويقدم العسكريون الإسرائيليون الذين شاركوا في حرب غزة على الانتحار واحدًا تلو الآخر.

يتمزق النظام العام للصحة النفسية في إسرائيل تحت ضغوط تبعات الحرب، ويتم إلغاء الحصص الدراسية اليومية، وفي وزارة التعليم استقال حتى الآن 25 مسؤولًا تعليميًا رفيعًا خلال فترة حكومة نتنياهو. في تل أبيب، بسبب نقص الموظفين المؤهلين، يتم تشجيع موظفي البلدية على التطوع في الحضانات ورياض الأطفال مرة أسبوعيًا.

تتكرر نفس هذه التحديات في المؤسسة القضائية الإسرائيلية، حيث يوجد أيضًا نقص في القضاة؛ لأن وزير العدل لا يتواصل مع رئيس المحكمة العليا، والتعيينات القضائية تحتاج إلى موافقة الاثنين معًا. الوضع هو أنه في النظام القضائي الإسرائيلي، يحتل وزيران في حكومة نتنياهو 9 مناصب في وقت واحد.

بشكل عام، تتحول إسرائيل بسرعة إلى قشرة فارغة، ومؤسساتها تتداعى. فالأجيال الحالية والمستقبلية في إسرائيل محكوم عليها بالفقر المؤسسي والمالي والثقافي، وعليها العيش في مكان ينهار تمامًا من الداخل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى