رصد أطباء من قطاع غزة تعرض المئات من سكان القطاع لتهتك في الأنسجة جراء تعرضهم لنوع جديد من الشظايا التي تتناثر في الأجواء بمجرد انفجار الصواريخ ووصول الرذاذ المنبعث منه لمناطق بعيدة.
وتواجه الطفلة الغزية أسيل الأسطل التي تتجاوز العاشرة من عمرها، منذ نحو شهر آلام حادة أفقدتها القدرة على المشي؛ بسبب تهتك أصاب عضلات الفخد في ساقها الأيسر، وهو ما أفقدها القدرة على التوازن أو حتى الوقوف على قدم واحدة لأكثر من ثوانٍ معدودة.
ويشير والد أسيل في حديث لـ”قدس برس” إلى أن “المنطقة التي كنا نقيم فيها بمواصي خان يونس، تعرضت لقصف قبل نحو شهر، وبعد انقشاع غبار الصاروخ تفقدنا أبناءنا وبناتنا، ولم نلحظ شيئا يستدعي الذهاب للمشفى”.
ويضيف “ولكن بعد يومين من وقوع الحدث كانت أسيل وفقا لحديث والدها تواجه آلاماً حادة في قدمها اليسرى وتحديدا في منطقة عضلة الفخد، وفورا ذهبنا للمستشفى ليفحصها الأطباء حيث أدخلوها في قسم الأشعة لأخذ صورة من باب الاطمئنان، ومع ذلك لم يكن هنالك أي شيء يشير إلى وجود شظية أو جسم غريب مسؤول عن هذا الألم”.
تفاقمت حالة أسيل حتى أصابها انتفاخ في منطقة الألم، بعد أن تحول لون الجلد للون الأزرق مع شعورها بحروق داخلية ثم حكة شديدة لا تتوقف، ليتبين للأطباء تعرضها لنزيف داخلي جراء وجود جسم معدني داخلها لا يتعدى حجمه ذرة التراب.
ويقول الطبيب حسام المشرف على حالتها “إننا كأطباء لم نعتد على هذا النمط من الإصابات، ولكن في هذه الحرب كانت تصلنا استفسارات من جرحى يشتكون من آلام حادة دون معرفة السبب، ليتبين لنا استخدام الاحتلال لنوع جديد من الشظايا تعرف بالشظايا الرملية”.
تعرف هذه الشظايا الرملية وفقا لحديث الأطباء بأنها على درجة عالية من الخطورة، فهي عبارة عن قطعة معدنية مصهورة بالبارود والمواد الإشعاعية ذات التركيز العالي، لا يتجاوز حجمها (واحد ملم) أي أنها أرق من الشعرة، يمكن أن تدخل الجسم من بين الأظافر، حين لمس حجر أو أثاث من بقايا الصاروخ، أو عبر الأنف لتتسلل للجسم عبر الجهاز التنفسي.
ويشير الطبيب حسام إلى أنه “بالنسبة للإصابات فالكشف عنها ليس سهلا، لأنه ليس بمقدور أجهزة الأشعة المتوفرة لدينا أن تتعرف على كافة أنواع الشظايا أو الأجسام الغريبة، لذلك تظهر آثار هذه الشظايا بعد وقت من الزمن، أي أن المصاب سيشعر بها أو آثارها بعد فترة من الممكن أن تصل إلى ثلاثة أشهر حسب خطورتها والمكان الذي توجَد فيه”.
وتصل درجة الخطورة لهذا النمط من الشظايا إلى التسبب بمضاعفات خطيرة كـ”بتر الأطراف” في الحالات التي تصل متأخرة، أو تلك التي لا يُكْشَف عنها مبكرا”.
وتظهر الصور القادمة من غزة استخدام الاحتلال لأسلحة فتاكة، تسبب انفجارا ودرجة عالية من الحرارة تذيب كل ما يوجَد في محيط الانفجار، كما تسبب بعض الصواريخ تطايرا للشظايا بقطر يصل لأكثر من خمسمئة متر، وبعضها ينتقل عبر الهواء على هيئة رذاذ من الممكن أن يصل لبضعة كيلو مترات.
كما أكد ذلك تقارير دولية وحقوقية استخدام الاحتلال لأسلحة محرمة دوليا منها أنواع من الأسلحة الحرارية أو الكيماوية التي تسبب عند تفاعلها بتآكلٍ كيمائي للأنسجة في أجساد الشهداء والمصابين، فضلا عن آلام شديدة وأضرار جسدية عميقة، مما يجعلها تتسبب بحروق قاتلة ومميتة خلال 27 ساعة أو أقل.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوما من الولايات المتحدة وأوروبا، للعام الثاني على التوالي، عدوانه على قطاع غزة، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وخلّف العدوان نحو 148 ألف شهيد وجريح فلسطينيي، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.