آخر الأخبارلــقــاء وحــوار

“إرثُ الدم والوفاء.. خديجة شُكر تروي وصية الشهيد “السيد فؤاد شكر” : «إذا أُتيحت لكم الشهادة فلا تتركوها»”

بين نار المعركة ونداء الشهادة، تظل كلمات الشهداء شعلةً تضيء درب المقاومين. في هذا الحوار الخاص ، ترفع “خديجة شُكر” – ابنة الشهيد القائد “السيد محسن” (فؤاد شكر) – الستار عن إرثٍ من الدم والوفاء، سطّره والدها بدمه في ساحات الجهاد، وخلّده في وصيته التي أصبحت منهجاً لأجيال المقاومة.

من معركة “الخلدة” التاريخية، حيث وُلدت تسمية “الخمينيين” كأول مجموعة تترجم فتوى الإمام الخميني (ره) على أرض الواقع، إلى اللحظات الأخيرة التي سبقت الاستشهاد، تنتقل بنا “خديجة” في رحلة إنسانية نادرة، تكشف فيها عن الجوانب الخفية من حياة قائدٍ عاش مجاهداً ومات شهيداً.

في هذا الحوار الاستثنائي، تروي الابنة كيف تحوّلت وصية الأب – “إذا أتيحت لكم فرصة الشهادة فلا تتركوها لأي سبب” – إلى منهج حياة، وكيف أصبح عهد العشرة رجال في “الخلدة” أسطورةً تتوارثها الأجيال. كما تكشف عن طبيعة العلاقة الأخوية النادرة التي جمعت الشهيد سيد محسن بعمالقة المقاومة، من السيد عباس الموسوي إلى الحاج عماد مغنية، والحاج قاسم سليماني، وصولاً إلى الأمين العام السيد حسن نصر الله الذي ودّع رفيق الدرب بعبارات خلّدها التاريخ: “لا أقول وداعاً بل إلى اللقاء في الشهادة”.

هذه ليست مجرد ذكريات عابرة، بل هي وثيقة تاريخية حية، تثبت أن دماء الشهداء ليست نهاية الطريق، بل هي البذرة التي تُنبِت مقاتلين جدد، والشمعة التي تضيء درب الأحرار. حوارٌ يخترق حاجز الزمن ليقدّم رسالة مقاومة لا تعرف الانكسار.

وقد كتب والدي في وصيته: “أوصي ابني وأحفادي عندما تتاح لكم فرصة الاستشهاد وفرصة الجهاد في سبيل الله، ألا تتركوها لأي سبب كان.”
هذا ما كشفته “خديجة شكر” ابنة الشهيد “السيد محسن” في حوار مع وكالة تسنيم، حيث تطرقت إلى بعض المسكوت عنه من حياة والدها الشخصية، خاصة معركة “الخلدة”، وعلاقة السيد محسن بالقادة الشهداء والسيد حسن نصر الله الأمين العام الشهيد لحزب الله، واللحظات الأخيرة من حياة والدها.

القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر (السيد محسن)
القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر (السيد محسن)
  • عندما احتلت إسرائيل لبنان عام 1982 ووصلت إلى الخلدة (ضاحية بيروت)، اتفق والدي و9 من أصدقائه على القتال ضد هذا الكيان بناءً على فتوى الإمام الخميني (ره) بوجوب قتال إسرائيل حتى لو استشهدوا جميعًا.
  • كان والدي ينظر إلى هذا الأمر من منظور كربلائي، وقال لهم: كنا دائمًا نقول: يا ليتنا كنا معكم (يا الإمام الحسين (ع))، والآن من أراد أن ينصر الإمام الحسين (ع)، فإن الإمام الحسين (ع) موجود هنا في “الخلدة”.
  • رغم قلة عددهم، اشتبكوا مع القوات الإسرائيلية عند مدخل “الوزاعي”، وبمفاجأة الصهاينة هزموهم حتى أنهم استولوا على دبابة إسرائيلية بالإضافة إلى زي الجيش الإسرائيلي كغنائم.
  • هناك، سألهم صحفي فرنسي: ما اسم مجموعتكم؟ فأجاب والدي: نحن “الخمينيون”. لقد استخدم هذا الاسم لأن أساس نضالهم نابع من الانقياد واتباع تعليمات الإمام الخميني (ره).
  • من بين هؤلاء العشرة، استشهد 9 قبل والدي، لذلك كان دائمًا يشعر بالأسف حتى اكتملت عهد العشرة باستشهاده.
الشهيد حاج عماد مغنية
الشهيد حاج عماد مغنية
  • منذ تأسيس حزب الله، كان والدي على تواصل مع جميع القادة في نفس الفترة. لا أريد أن أقول أصدقاء لأنهم كانوا إخوة لوالدي. من السيد عباس (موسوي) إلى الحاج عماد مغنية إلى السيد ذو الفقار (الشهيد بدر الدين) والحاج قاسم وغيرهم من المجاهدين.
  • في لحظة استشهاد هؤلاء القادة، فهمت المعنى الحقيقي للثبات والصمود في والدي. رغم علمي بمدى تقديره القلبي لهم، إلا أنه كان يحاول التصرف بقوة ليعزز الروح المعنوية لمن حوله.
  • استشهاد قائد لا يحدث خللًا في مسيرة المقاومة، بل يزيد من مشاعر الانتقام والمطالبة بالثأر ضد إسرائيل، ويعزز عزمنا وإرادتنا لمواصلة القتال والجهاد.
  • لن أنسى أبدًا حالة والدي عند استشهاد الحاج عماد. كانا معًا قبل دقائق من استشهاده. أعلم كم كان الحاج عماد عزيزًا وغاليًا على والدي. عند استشهاد الحاج عماد، وقف والدي بشموخ وشجاعة وحاول تهدئة وطمأنة الآخرين. وأكد أن استشهاد الحاج عماد يجب أن يجعلنا أقوى لمواصلة هذا الدرب.
  • عندما استشهد الحاج قاسم، رأيت الحزن والأسى فيه. شاهدت كم كان والدي متأثرًا. كان ينظر إلى استشهاد هؤلاء الإخوة بحزن عميق.
  • يجب أن يكون القائد هكذا، كما قال السيد حسن نصر الله عنهم، أشخاصًا يمكن الاعتماد عليهم في الأوقات الصعبة. كان والدي نموذجًا لهذا الثبات والصلابة عند استشهاد رفاقه.
  • رأيت والدي قبل يومين من استشهاده. كان اللقاء عاديًا تمامًا في زيارة عائلية. لكن في اليوم الذي استشهد فيه، تحدثنا معه عدة مرات.
  • كان آخر اتصال قبل دقائق من استشهاده. كان الأطفال يلعبون معًا، فسأل ابني ابنتي: إذا كان لديك مصباح سحري، ماذا تتمنين؟ كانت إجابة ابنتي أن أمنيتها الرئيسية هي محو إسرائيل وتدميرها.
    أتذكر جيدًا أن ابني قال لها آنذاك: لتحقيق هذه الأمنية لا تحتاجين إلى مصباح سحري، يكفي أن تخبري “الجَد سيد”. كان الأطفال يطلقون على والدي “الجَد سيد”. اتصلت بوالدي وأخبرته أن “آدم” و”جود” قالا ذلك.
    طلب مني التحدث مع ابني، وطلب من ابني إحضار ورقة وتدوين الأمنيات التي يجب أن نطلبها في الواقع من الله تعالى. معظمها كان متعلقًا بالآخرة رغم صغر سن ابني. أتذكر أنه طلب مني إنهاء المكالمة.
  • كتب والدي في وصيته: “أوصي ابني وأحفادي عندما تتاح لكم فرصة الاستشهاد وفرصة الجهاد في سبيل الله، ألا تتركوها لأي سبب كان.”
  • عندما وقع ذلك الهجوم في الضاحية واستُهدف أحد المباني، لم نكن نعلم أين يوجد والدي. مكان تواجد والدي كان من الأمور التي لم نكن نعرفها ولم نكن نسأل عنها.
  • عندما وقع الهجوم، لم نكن نعلم على الإطلاق من كان الهدف. عادة في مثل هذه اللحظات وفي مثل هذه الحالات، عندما تنشر أخبار من هذا النوع، ننتظر اتصال والدي أو أي إشارة منه تبعث فينا الطمأنينة بشكل عام.
  • بعد فترة قصيرة، أبلغونا أن والدي كان داخل المبنى وقت القصف، لكنهم لم يكونوا يعرفون شيئًا عن مصيره بعد.
  • استغرقت عملية البحث عن والدي وقتًا طويلاً. من اليوم الأول إلى اليوم الثاني، كانت لحظات شديدة الصعوبة. في ذلك الوقت، كنا في ترقب، ولم نكن نعلم إذا كان والدنا على قيد الحياة أم استشهد؟ هل هو تحت الأنقاض أم خرج من المبنى؟ كانت هذه من أصعب اللحظات.
  • في وقت متأخر من اليوم الثاني. لأن الانفجار قذف بوالدي من مبنى إلى آخر، بعد قرابة 24 ساعة، عثروا على جثة والدي. عندما أنزلوا الجثمان، أعلنوا خبر استشهاده.
  • كانت أمي وأخواتي في قمة الصبر والثبات. أدينّ واجبهن مثل جميع عائلات شهداء حزب الله، ليؤكدن مرة أخرى في تلك اللحظات للعدو أن أعلى ما يمكنكم فعله هو قتل آبائنا وإخوتنا وأبنائنا، وأن هذا الاستشهاد هو من أعلى المراتب لدينا، وأفضل شكل من أشكال الموت.
  • أكثر ما آلم قلوبنا كان الحزن النفسي الشديد الذي عانى منه السيد حسن نصر الله.
السید حسن نصر الله
الشهيد السید حسن نصر الله
  • اللحظة التي رأيت فيها جثمان والدي. مررت بظروف صعبة للغاية. لكنني شعرت بأقل قدر من اليتم لأنني دائمًا كنت أتخيل أن السيد حسن نصر الله هو الأب الأكبر لهذه العائلة.
  • بلا شك، تأثير خبر استشهاد والدي على السيد حسن نصر الله لم يكن قليلاً، خاصة مع الصورة التي كانت لدينا عن علاقة السيد حسن نصر الله بوالدي؛ تلك العلاقة الأخوية والصداقة والتعاون التي كنا نعلم أنها علاقة قوية ومتينة.
  • عندما استشهد والدي، أدركت أن العلاقة بينهما وقيمة والدي لدى السيد حسن نصر الله كانت أكبر بكثير مما كنا نتخيل. فهمنا هذا جيدًا. في كل اتصال كان السيد حسن نصر الله يتصل بنا، من طريقته في التحدث معنا، ومن مدى تأثير فقدان والدي عليه، ومن طريقته في الحديث معنا عن كيفية دعمه لهذه العائلة. كان للسيد حسن ابنة واحدة فقط قبل ذلك، والآن لديه ست بنات.
  • لكن السيد حسن نصر الله تأثر جدًا باستشهاد السيد محسن، لدرجة أننا لم نكن الوحيدين الذين شعروا بهذا الحزن، بل الجميع شهدوا هذا الحزن عندما تحدث السيد حسن في تأبين والدي.

في ذلك الوقت، عندما قال جملته الشهيرة: “لا أقول وداعًا لشهيدنا، بل أقول: إلى اللقاء في الاستشهاد، إلى اللقاء في جوار جميع الأصدقاء”، شاهد الجميع أن السيد حسن نصر الله كان يودع ويقدم التعزية لنفسه. هذه من الأمور التي أثرت فينا كثيرًا وكسرت قلوبنا عندما رأينا السيد حسن نصر الله بعد رحيل والدي يتمنى الشهادة لأنه كان بمثابة سند لنا.

  • لكن الله تعالى شاء أن يختار السيد حسن نصر الله أيضًا شهيدًا بعد والدي، فأصبحنا أيتامًا مرة أخرى وكررنا تجربة تلك اللحظات.
  • بطبيعة الحال، الحياة التي عشناها مع والدنا -أعني السرية في الأمور وأسلوب الحياة الذي كنا نعيشه- جعلت حضور والدي في لحظاتنا التذكارية كأبناء قليلاً. لم يحضر والدي حفل تخرجنا ولا حفل زفافنا.

والدي لم يحضر أبدًا حفلات عيد ميلاد أبنائه، وتلك التفاصيل التي يعيشها الأطفال صغارًا وكبارًا مع والدهم.

  • لم نتمكن، على سبيل المثال، من الخروج مع والدنا لشراء الملابس أو تناول الطعام معه في مكان عام. هذه الأمور التي حُرِمنا منها في لبنان، كنا نتمتع بها في إيران. أقصد الذكريات الخاصة بعلاقة الوالدين بأبنائهم. ذلك الجو الحر الذي يمكننا تسجيل ذكرى فيه، كان إلى حد كبير خلال وجودنا في إيران.
  • عندما كنا في إيران، كانت لدينا حرية التصرف. كنا نستطيع السير مع والدي. كنا نستطيع التواجد مع والدي في الأماكن العامة. عندما كنا في إيران، كنا نستطيع مناداة والدي باسمه، كنا نستطيع مناداته “بابا” أمام الناس. فترة وجودنا في إيران هي الفترة التي لدينا فيها أكثر الذكريات سعادة في أذهاننا لأننا كنا خارج الحدود وكنا نعيش ضغطًا أمنيًا أقل.
  • من أكثر اللحظات التي لا تنسى عندما كنا في إيران وسافرنا مع والدي إلى إيران، كانت لحظات اللقاء مع قائد الثورة الإسلامية. كانت لحظات انطبعت في العقل والقلب ولا تُنسى، وهذا الشعور الجيد وتلك اللحظات الجميلة بقيت معنا طوال هذه السنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى