تواجه المناطق الجنوبية من لبنان تحدياً بيئياً كبيراً إثر العدوان الصهيوني المستمر، الذي لم يقتصر على الخسائر البشرية والبنية التحتية فقط، بل شمل تأثيرات خطيرة على البيئة وموارد المياه والزراعة.
ومع الاعتماد الأساسي للعديد من البلدات الجنوبية على الزراعة، يشكل هذا التحدي تهديداً مباشراً للأمن الغذائي والمائي، مما يضع لبنان أمام أزمة بيئية وصحية قد تمتد آثارها لسنوات.
واستهداف البنية التحتية ومصادر المياه بشكل مباشر وغير مباشر أثر على جودة المياه، ما قد يؤدي إلى تلوث المياه الصالحة للشرب وتفاقم الأوضاع الصحية العامة، خاصة مع ترسّب المواد الكيميائية المتفجرة في التربة وتسرّبها إلى الطبقات الجوفية.
وفي السياق، أفاد مسؤول في وزارة الزراعة اللبنانية بأن جميع القطاعات العاملة في جنوب لبنان قد تأثرت تدريجيا بالعدوان، وكان أبرزها القطاعات الإنتاجية، أي الزراعة والصناعة، لأن هذه القرى والمدن والبلدات تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وتشكل حوالي 20% من الإنتاج الزراعي الوطني، بحسب “العربي الجديد”.
وأضاف المسؤول أنه كان لابد للوزارة أن تتحرك من أجل التشخيص الدقيق للحالة، ومتابعة الأضرار بشكل يومي، ووضع الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها أن تضمن استمرارية القطاع وتحفظ الأمن الغذائي للمواطن، وذلك بالتزامن مع ارتكاب العدو أكثر من 1500 اعتداء بالفوسفور الأبيض المحرم دوليا، على الثروات اللبنانية وأغلب الأراضي الجنوبية التي تقع ضمن منطقة جنوب الليطاني.
وتابع أن ذلك وضع القطاع في تحد كبير، ولكن لا يمكن التدقيق في وجود تلوث إلا من خلال فحص دقيق للتربة من أكثر من مكان من أجل تشخيص الحالة، ومدى تأثر التربة بتلك القذائف، وما هو الضرر الذي ألحق بالنبات أولا والإنتاج ثانيا، وذلك لا يمكن الوصول إليه إلا بعد عملية وقف لإطلاق النار، من أجل تأمين دخول الفرق الفنية إلى الأماكن التي تعتبر ساخنة.
من جانبه، صرح مدير مختبر علوم البيئة والمياه في الجامعة اللبنانية، جلال حلواني، بأن العدو الإسرائيلي استخدم جميع وسائل التدمير، بما فيها المحرّمة دولياً. وأوضح أن الهجمات شملت قذائف صاروخية تحتوي على مواد كيميائية ملوثة، بالإضافة إلى استخدام الفوسفور الأبيض. وأكد أن جميع المناطق التي تعرضت للقصف، سواء بالصواريخ أو الدبابات، أصبحت ملوثة.
وأشار إلى أن الجنوب يتميز بأراضٍ زراعية تُعد أساساً للأمن الغذائي في لبنان، مما يجعل تلوث هذه الأراضي كارثة، وأضاف أن بعض الأراضي أصبحت غير صالحة للزراعة لفترة لا تقل عن 10 سنوات بسبب التلوث، ما يتطلب استصلاحها بشكل كامل.
كما أعرب عن قلقه من احتمال تلوث المياه الجوفية، حيث تنتقل الملوثات من التربة إلى الطبقات الجوفية التي تُعد مصدراً رئيسياً لمياه الشرب.
وأضاف حلواني: “نحن أمام تهديد مزدوج يتمثل في تلوث التربة وخروجها عن الزراعة لفترة طويلة، مما يؤدي إلى نقص في المنتجات الزراعية. كما أن تلوث المياه يجعلها غير صالحة للشرب أو الري، مما يهدد الصحة العامة والأمن المائي والغذائي”.
وتوقع حلواني كارثة صحية وبيئية قد تتبعها أزمة مائية وغذائية في المستقبل، حيث إن الأمن المائي والغذائي مهددان بشكل خطير.
وأشار إلى أن الأوضاع الحالية تمنع إجراء أي دراسات ميدانية، حيث تعذّر على الباحثين الوصول إلى المناطق المتضررة لأخذ العينات، مما أدى إلى توقف عمل المختبرات. وأكد أن أي معطيات علمية دقيقة لن تتوفر إلا بعد وقف إطلاق النار وعودة المتخصصين لإجراء التحاليل المخبرية وتحديد أنواع الملوثات.
وأفاد بأنه بعد انتهاء العدوان، سيكون من الضروري وضع برنامج بيئي لاستصلاح التربة ومصادر المياه، نظرا لتضرر العديد من شبكات المياه والخزانات في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت بفعل القصف.