آخر الأخبارإيران

“بين الموقف الصلب والرفض القاطع.. إيران تبدأ مفاوضات غير مباشرة مع أمريكا في عُمان”

في تطور دبلوماسي بارز، تستعد إيران والولايات المتحدة لبدء جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة في عُمان يوم السبت، وسط تأكيدات إيرانية على رفض أي تفاوض مباشر أو مساومات تحت الضغط.

وتأتي هذه الخطوة بعد أسابيع من التصعيد العسكري والتهديدات الأمريكية، لكن طهران نجحت في فرض رؤيتها للتفاوض، بدءًا من اختيار الوسيط وصولًا إلى رفض سياسة الإملاء. فما هي النقاط الأربع التي كسبتها إيران قبل انطلاق المفاوضات؟ وما الرسائل التي توجهها عبر إصرارها على أن تكون المحادثات غير مباشرة؟

الرئيس الامريكي دونالد ترامب
الرئيس الامريكي دونالد ترامب

المفاوضات بين وزير الخارجية الإيراني و”فيتكوف”، الممثل الخاص لترامب في شؤون غرب آسيا، ستُعقد يوم السبت في عُمان بحسب تأكيد الطرفين. وبغض النظر عن الشكل، فإن الوصول إلى هذه المرحلة يحمل دلالات تجيب عن سؤال:

وفقًا لتقارير وكالة “أماج” الإخبارية، فإن المفاوضات الإيرانية الأمريكية في عُمان أثارت تفسيرات مختلفة في الأوساط الدولية، خاصة بعد أن تناولها دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، خلال اجتماعه المشترك مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني.

حاول ترامب نفسه استغلال هذا التطور إعلاميًا لصالحه، وصوَّر نفسه كطرف منتصر في القصة. إلا أن التطرق لبعض الحقائق يُظهر أن ترامب لم يحقق ما كان يصبو إليه في هذه المرحلة، بينما تمكّنت إيران من فرض مطالبها عليه في أربع نقاط رئيسية قبل انطلاق المفاوضات.

النقطة الأولى تتعلق بقبول عُمان كوسيط للمفاوضات. إيران، نظرًا لعلاقاتها الجيدة والثقة المتبادلة مع عُمان، أصرّت منذ البداية على وساطة العُمانيين عند تداول أنباء عن نقل رسائل أولية بين طهران وواشنطن. في المقابل، كانت الولايات المتحدة تروج في أوساط مختلفة لإمكانية أن تلعب دولة أخرى، خاصة الإمارات، دور الوسيط.

النقطة الثانية هي تراجع ترامب عن النهج الإمبريالي السابق في التعامل مع أي اتفاق مع إيران. هذا النهج، الذي اُتبع تحت سياسة “الضغط الأقصى” أثناء تولي مايك بومبيو منصب وزير الخارجية في ولاية ترامب الأولى، عُرف بـ”الشروط الاثني عشر لبومبيو”. كان الهدف منه ليس التفاوض، بل فرض الشروط. لكن الرغبة الحالية في التفاوض النووي تُظهر نجاح إيران في مقاومة سياسة الإملاء وفشل السياسات الأمريكية السابقة.

النقطة الثالثة تتمحور حول إصرار إيران على أن تكون المفاوضات غير مباشرة، بينما يسعى ترامب للمفاوضات المباشرة، بل وظل حتى مساء الأمس يزعم ذلك لاستغلالها في تحسين صورته وبناء سجل إنجازات. لكن إيران، من خلال فرض أسلوب المفاوضات غير المباشرة، نجحت في إملاء رغبتها على الطرف الآخر.

في هذا السياق، أكد عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، بعد الإعلان عن بدء المفاوضات في عُمان: “المفاوضات، كما أُعلن، ستُعقد يوم السبت في عُمان وستكون غير مباشرة. نحن لا نقبل أي أسلوب آخر للتفاوض”.

وأضاف: “شكل التفاوض ليس مهمًا، المهم هو مدى جدية الطرفين وفاعلية المفاوضات، والإرادة للوصول إلى حل. هذا هو المعيار الأساسي. أما الشكل فيخضع لعوامل مختلفة، وشكلنا المفضل هو المفاوضات غير المباشرة”.

الوزارة الخارجية الايرانية : على لندن استخدام نفوذها لوقف جرائم كيان الاحتلال بدلا من توجيه الاتهامات
الموقف الإيراني يعكس رغبة طهران في اختبار نوايا ترامب

هذا الموقف الإيراني يعكس رغبة طهران في اختبار نوايا ترامب: هل يريد فعلاً التفاوض باحترام ومساواة، أم أنه يسعى لعرض استعراضي أو فرض شروط؟ إيران، بناءً على تجاربها السابقة مع واشنطن، تريد التحقق من صدقية الطرف الأمريكي قبل اتخاذ أي خطوات تالية. وإلا فإن مثل هذه الاجتماعات لن تكون “عقلانية، متوازنة، ومبنية على الاحترام المتبادل”، ولن يكون لإيران سبب لمواصلتها.

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي

كما أكد وزير الخارجية الإيراني أن “المفاوضات التي يريدون من خلالها فرض إرادتهم بالضغط والتهديد ليست مفاوضات، بل إملاءً، ونحن لا نؤمن بهذا الأسلوب مطلقًا”.

هذا الموقف يقودنا إلى النقطة الرابعة، وهي نجاح إيران في كبح التهديدات العسكرية. طوال الأسابيع والأشهر الماضية، ادعى ترامب في مناسبات عديدة أنه قد يحسم الأمر مع إيران عسكريًا. بل عزز تحركاته العسكرية في المنطقة لإضفاء المصداقية على تهديداته، مثل الادعاءات الأخيرة حول زيادة الطلعات الجوية الأمريكية، خاصة القاذفات الاستراتيجية، ونشرها في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.

هذا النهج العسكري كان أيضًا بتأثير من الكيان الصهيوني ونتنياهو. لكن اعتماد ترامب الآن على المفاوضات، وقوله إنه “يسعى للتوصل لاتفاق مع إيران”، قد يُفسر بأنه إما يفتقر للجرأة لضرب إيران، أو أن القوة العسكرية الإيرانية والمواقف الحازمة للمسؤولين، خاصة القائد الأعلى، أقنعته بأن أي ضربة عسكرية ستواجه برد مماثل، ولن يحقق النتيجة التي يريدها.

ختامًا، لطالما كانت التهديدات العسكرية خيارًا مطروحًا من واشنطن ضد إيران، لكن عدم انهزام الأخيرة، واستعدادها الدفاعي، وسياسة القيادة الثابتة، أفشلت دائمًا محاولات اللعب بالورقة العسكرية.

سياسة “الضغط الأقصى”، التي بدأت عام 2018 بخروج أمريكا من الاتفاق النووي، وما زالت أساس تعامل واشنطن مع طهران، هدفت إلى إخضاع الاقتصاد الإيراني. لكن الواضح أن إيران صمدت، بينما فشلت التهديدات والضغوط في تحقيق أهدافها.

بعد سنواتٍ من الانقطاع، يجتمعُ وفدا “إيران وأمريكا” في العاصمة العُمانية مسقط، السبت القادم؛ لإجراء محادثات غير مباشرة، في مسارٍ تفاوضي يعكسُ موقعًا متقدمًا لدبلوماسية طهران، ودليل عجزٍ أمريكي في كيفية التعامل معها.

وفي التفاصيل، يكشف الرئيس الأمريكي “ترامب” خلال استقباله مجرم الحرب “نتنياهو” في البيت الأبيض، عن محادثاتٍ مباشرة وغير مباشرة مع إيران، مؤكّـدًا أنه يتفادى التصادمَ معها، في لهجةٍ غير تهديدية أَو تصادمية كما هو معهودٍ منه.

اللقاءُ الوشيكُ في مسقط، أفرد الكثير من القراءات المتباينة؛ لذا وفي هذا التقرير نقدم تفاصيل المشهد وتداعياته، وفقًا للمعطيات، التي تؤكّـد أن “طهران” لن تمنح “ترامب” حصد ثمار الصورة.

في خطوةٍ استباقيةٍ، يأتي تصريحُ “ترامب” المفاجئ، لدى استقباله رئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني، “نتنياهو”، القائل: إن “اجتماعًا مهمًّا سيُعقد يوم السبت المقبل، على أعلى مستوى”، وأن نجاحَ هذه المفاوضات سيكون إيجابيًّا لإيران وإلا فستكون في “خطر كبير”، حَــدَّ زعمه.

وأكّـد أنه “لا واشنطن ولا الكيان الصهيوني يرغبان في المشاركة في أي صدام ما دام تجنبه ممكنًا”، ولم يحدّد “ترامب” مكانَ إجراء المحادثات، لكنه أكّـد أنها لن تكونَ عبر وكلاءَ، بل على “أعلى مستوى تقريبًا”.

ونقلت صحيفةُ “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إيرانيين قولهم: إن “إيرانَ منفتحةٌ على تفاوض مباشر مع واشنطن إذَا سارت المفاوضات غير المباشرة بشكلٍ جيد”، موضحةً أن طهران “تفهم المحادثاتِ بشكلٍ مختلف -إلى حَــدِّ ما- عما وصفه ترامب”.

في غضون ذلك، سارع الذُّبابُ الإلكتروني والإعلامُ المموَّل خليجيًّا، إلى تقزيم قراءاتهم وشيطنة إيران في تحليلاتهم، وانحصروا بين نقطتَينِ؛ لإقناع جمهورهم بأن، إيران إما “ضعيفة وذهبت صاغرة”، وإما أنها “تبيع وتشتري” بالمنطقة وبحلفائها وقواها في المحور.

وفي سياق التوصيف الأعرابي، وبحسب مراقبين، فَــإنَّ هذه “البروباغندا” هي نفسُها تمامًا والتي أقنعت جمهورَهم، بأن خرابَ “قادسية صدام” كانت حربًا مشرِّفة، وأن تحريرَ أفغانستان من “الكفارِ السوفييت” أجدى من تحرير القدس أولًا، وغيرها من التوصيفات التي أَدَّت بانحراف بوصلة الأُمَّــة عن وجهتها الحقيقية.

وفي الإطار؛ كان من الملفت أن “ترامب” يسعى لتفادي أي صدام، وهو ما يعني بأنه يأخذ بعين الاعتبار “هواجس تل أبيب” في التفاوض، لكنه لن يقبل بأية خطوة غير دبلوماسية يمكن أن تُقْدِمَ عليها “تل أبيب”، منفردة، وبالتالي فأيُّ عمل إسرائيلي مستقبلًا، لن يكون إلا بتنسيق مع واشنطن.

وحول اللقاء المرتقَب، أكّـد وزيرُ الخارجية الإيراني “عباس عراقجي”، أن المفاوضات ستجري يوم السبت، في عمان، وستكون غير مباشرة، مؤكّـدًا: “نحن لا نقبلُ أية طريقة أُخرى للمفاوضات”.

وبحسب “عراقجي” فَــإنَّ “شكلَ المفاوضات ليس هو الأهم. ما يهم هو فعالية المفاوضات أَو عدمها، وجدية الأطراف في المفاوضات، والإرادَة للوصول إلى حَـلٍّ، هذا هو المعيارُ الذي نعتمده. الشكل يعتمدُ على مسائل متعددة. الشكل الذي نفضله هو المفاوضات غير المباشرة”.

وبحسب مراقبين، فَــإنَّ المفاوضاتِ التي تسعى الإدارةُ الأمريكيةُ فيها إلى فرض إرادتها من خلال الضغط والتهديد، هي ليست مفاوضات، بل هي فرضُ شروط، وهو ما تعتبره إيران أنها “لا نؤمن بهذه الطريقة إطلاقًا”.

وفي هذا السياق، يرى خُبراءُ أنه إذَا ما كانت هناك إرادَةٌ حقيقيةٌ من الأطراف الأُخرى، ونجحت المفاوضاتُ في بناء الثقة؛ فمن الطبيعي أن يتم رفع العقوبات التي فُرضت على إيران ظلمًا؛ بسَببِ اتّهامات باطلة، وهو الهدف الرئيس للمفاوضات المتضمن رفع هذه العقوبات.

ويعتقد الخبراءُ أن هذا الهدفَ قابلٌ للتحقيق، سواءٌ أكانت المفاوضات مباشرة أَو غير مباشرة، لكن في الوقت الراهن، تُفضَّلُ المفاوضات غير المباشرة؛ إذ لا يوجدُ اتّفاق لتحويلها إلى مباشرة؛ لأَنَّ كلا الطرفين لا يعتبران ذلك مفيدًا لأغراضِ المفاوضات الحالية.

وهو الأمر الذي اعتقده “عراقجي”، أنه “يمكن الوصولُ إلى اتّفاق، وبالتالي الكرة في ملعبِ الولايات المتحدة. إذَا جاءوا إلى عُمان بإرادَة حقيقية، فَــإنَّنا سنصلُ بالتأكيد إلى نتيجة”، وبحسب مراقبين، يفهمُ من هذا التصريح أن طهران لن تمنح “ترامب” حصدَ ثمار صورة نصر، وهي لم تنفِ تفاوُضَها عاليَّ المستوى، بل أكّـدته، لكنه سيكون غير مباشر، على غير ما صرح “ترامب”.

ولعل ‌‎الخطوطَ الحُمْرَ الإيرانية باتت معروفةً، وحصرية المِلفات واضحة، وإن كانت النتائج إيجابية، ستنعكس إيجابًا عليها داخليًّا وعلى المنطقة، غير أن التفاوض -وبحسب المراقبين- مسارُه طويل، ولا يمكن ترقُّبُ نتائجَ سريعة، كما يطمح “ترامب” أَو غيره.

ويرى مراقبون أن كُـلّ الأطراف معنية بتقديم تنازلات، لكن ليس على حساب الثوابت، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن “طهران” معتدىً عليها وليست معتدية، وهي دولة مؤسّسات، ذاتُ قرار سيادي، وعندما تقرّرُ التفاوض، لا تتخذ قرارَها تحت ضغط، بل عن دراسة.

وفي تحليلٍ أولي لجوهر الجولة المرتقَبة وثمارها، يمكن أن تقرأَ من خلال أن “طهران” اليومَ تحاكي الوقائع، والسعي الأمريكي للتفاوض معها ليس وليد اللحظة، أَو مرتبط بعودة “ترامب”، بل يعود لعقود من الزمن.

وكون العقلية الإيرانية فاوضت سابقًا، وتفهّم العقل الأمريكي جيِّدًا، ومآربه، وتقرأ كُـلّ مرحلةٍ بدقة، يبدو أن قرار التفاوض، مباشر أم غير مباشر، أخذ في مرحلةٍ حساسة، بعد الرد على رسائل التهديد بالتهديد، ونجحت “طهران”، بجر “واشنطن” نحو تفاوض دون شروط، وهنا جوهر الجولة المرتقبة، والتي تتكشف خلفياتها السبت، القادم.

وللتذكير، أجرت إيران وأمريكا محادثاتٍ غيرَ مباشرة خلال فترة الرئيس السابق “جو بايدن”، لكنها لم تحرز تقدمًا، وكانت آخر مفاوضات مباشرة بين الجانبَينِ في عهد الرئيس الأسبق “أوباما”، في عام 2015م، وهو الاتّفاق الذي انسحب منه “ترامب” لاحقًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى