الكتب الثقافية

كتاب ثقافة التطبيع والحرب الناعمة

مركز الحرب الناعمة

ثقافة التطبيع والحرب الناعمة

يحاول هذا البحث الإطلالة على مسألة التطبيع كونها أداة أو استراتيجيَّة من استراتيجيَّات الحرب الناعمة، والتي تنشط في تقديم فكر الصهيونيّ وثقافته وقيمه بشكل رقيق جذَّاب ليتمّ القبول بوجوده كأمر واقع. وإذا كان البحث عن التطبيع واسعًا ومتشعِّبًا، فإنَّ هذا المختصر لا يتّسع للإحاطة بكلّ أجزاءه، عدا أنَّ بعض تفاصيله لا يمكن فهمها بسهولة كونها تجري في الخفاء. لذلك كانت هذه الكلمات مشاركة مبدئيِّة تُمهِّد للغوص في جوانب التطبيع بكّ أوجهه وما يترتّب عليه من علاقات وطيدة مع الأنظمة وبين الشعوب والمجتمعات.
المقصود من التطبيع جعل ما هو غير طبيعي طبيعيًّا بحيث لا يكون مستنكرًا أو مرفوضًا، ولا يعني بالضرورة إعادة الأمور إلى طبيعتها. تأتي لفظة تطبيع في اللغة على وزن «تفعيل » (1) ، وهي عمليّة وصيرورة دائبة وصولاً لتحقيق غاية. التطبيع نهج وأداء وعقليَّةٌ جوهره كسر حاجز العداء الصهيوني بأشكال مختلفة، سواء أكانت ثقافيّة أو إعلامية أو سياسية أو اقتصادية أو سياحيّة أو دينيَّة أو أمنيّة أو استراتيجية أو غيرها.
مع العدو ويُستفاد من هذا المعنى أنَّ استخدام عبارات مثل «مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني» لا يُقصد منها مقاومة أمر ينحو باتّجاه العودة إلى الحالة الطبيعيّة؛ هذا في المبدأ، مع العلم أنَّ الدِّقة تُبيِّن أنَّ الصهاينة طارئون ولم يكن لهم وجود، ثمَّ حاول بعضهم إعادتهم إلى ما كانوا عليه(2)! إذًا التطبيع هو جعل العلاقات طبيعيّة بين طرفين ليست العلاقات بينهما طبيعية حاليًّا، سواء أكانت طبيعية سابقًا أم لا.

عرّف سماح إدريس (1) التطبيع على النحو الآتي: «التطبيع هو السعي إلى ترويض عقولنا على تقبّل الفكرة الآتية: لا إمكانية لعيشنا إلّا بقبول القامع وشروطه. وهذا التقبّل ناجم عن قناعتنا بأنّ القامع أقوى منا الآن، وربما إلى الأبد؛ أو هو ناجم عن جهلنا بلحظاتِ قُوَّةٍ وفَخار وانتصار في تاريخنا القديم أو الحديث»(2).
ويضيف قائلًا: (يتفاقم خطرُ هذا التفكير إلى حدّ اعتبار القمع الذي نتعرّض إليه أمرًا «طبيعيًّا»، لا مجرد استسلام للواقع. وقد يذهب بعضنا إلى القول بإنّنا «نستحق» هذا القمع لعلّةٍ فينا، في «عقلنا العربي» أو تاريخنا أو ديننا أو تركيبتنا الاجتماعية.
ذلك
في هذه الأثناء، يواصل القامع قمعه، ولكنّه يسعى . بالتوازي مع . إلى تلميع صورته، إذ يبدو حارسًا لقيم الحداثة، ومنقذا من الضلال وقاطرةً لتحرير الشعوب الضعيفة. هنا يحرص القامع على «الحوار» مع المقموع بهدف تشريبه قيمه «الإنسانيّة»؛ أي إنّه يحاول أن لا يفرضها عليه بالقوّة بل بأسلوب الندوات وورش العمل المشتركة، كي تصبح في النهاية موتة (internalized) راسخةً في ذات المقموع بشكل آلي، بحيث يستطيع المقموع «المقتنعُ حديثًا » أن ينشرها بين المقموعين الآخرين في العالم)(3).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى