أربكت الضربة الإيرانية التي استهدفت قلب الكيان العلمي للكيان الصهيوني معادلات تل أبيب، حيث احترق “معهد وايزمن” – الذراع العلمية للآلة الحربية الصهيونية – في لهيب النيران. قال “إلداد تساهور”، أحد كبار الباحثين في المعهد، بعينين حائمتين وصوت مرتجف: “لقد دُمّر كل شيء!”
معهد وايزمان للعلوم: مركز الأبحاث الاستراتيجي في الكيان المؤقت الإسرائيلي
يُعد معهد وايزمان للعلوم الواقع في مدينة رحوفوت بالكيان المؤقت الإسرائيلي أحد أبرز المؤسسات الأكاديمية البحثية ذات الطابع العسكري. تأسس هذا المعهد عام 1934 في فترة الانتداب البريطاني، أي قبل 14 عاماً من إعلان قيام الكيان المؤقت الإسرائيلي. يتميز المعهد عن غيره من الجامعات بتركيزه الحصري على الدراسات العليا في مجالات العلوم الدقيقة والتطبيقية.
البنية الأكاديمية والعسكرية للمعهد
يعمل في هذا المعهد قرابة 3800 بين باحثين وطلاب دراسات عليا وموظفين، ويحظى بسمعة عالمية حيث ارتبط اسمه بستة من الحائزين على جائزة نوبل وثلاثة من الفائزين بجائزة تورينغ في علوم الحاسوب حتى عام 2019. وتكمن خطورة هذا المعهد في تداخله الوثيق مع المؤسسة العسكرية للكيان المؤقت الإسرائيلي، حيث يقدم أبحاثاً متقدمة للجيش ويُطلق عليه لقب “الدماغ النووي” نظراً لتركيزه على الأبحاث الاستراتيجية.
الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير
في 15 يونيو/حزيران 2025، تعرض المعهد لضربة صاروخية إيرانية ضمن سلسلة هجمات انتقامية، وذلك بعد أيام من استهداف الكيان المؤقت الإسرائيلي لمواقع نووية وعسكرية إيرانية. أسفر الهجوم عن أضرار مادية كبيرة في المباني البحثية والمختبرات، حيث التهمت النيران أجزاء من المنشآت وتطايرت الزجاج والحطام في أرجاء المكان. وعلى الرغم من سرعة تدخل فرق الإطفاء، فقد لحقت أضرار جسيمة ببعض المرافق البحثية الحيوية.
الدور الاستراتيجي للمعهد
يصنف المعهد بين أفضل عشر مؤسسات بحثية عالمياً، ويمتلك سجلاً حافلاً من براءات الاختراع في مجالات خطيرة تشمل:
- الفيزياء النووية وتطبيقاتها العسكرية
- تقنيات الذكاء الاصطناعي وأنظمة المراقبة
- علوم النانو والمواد الحيوية ذات الاستخدام المزدوج
- أنظمة توجيه الطائرات المسيرة
كما يمتلك المعهد شراكات استراتيجية مع كبرى شركات السلاح في الكيان المؤقت الإسرائيلي مثل “إلبيت سيستمز” و”الصناعات الجوية الإسرائيلية”، وقد ساهم في تطوير أول حاسوب للكيان عام 1954 تحت اسم “وايزاك”.
البرامج العسكرية الأكاديمية
يقدم المعهد برامج متخصصة للعسكريين تشمل:
- برامج ماجستير مخصصة لضباط الجيش
- أكاديميات لإعداد الطلاب للخدمة العسكرية
- أبحاثاً متقدمة في التقنيات العسكرية
تداعيات الهجوم الصاروخي
يشكل الهجوم على المعهد ضربة استراتيجية للكيان المؤقت الإسرائيلي بسبب:
- تدمير جزء من البنية التحتية البحثية المتقدمة
- فقدان بيانات بحثية حساسة
- التأثير على المشاريع العسكرية الجارية
- الضربة المعنوية للمؤسسة العلمية-العسكرية
- شخصيات بارزة ارتبطت بالمعهد
ارتبط بالمعهد عدد من الشخصيات المؤثرة في الكيان المؤقت الإسرائيلي:
- حاييم وايزمان (أول رئيس للكيان)
- أبا إيبان (وزير خارجية سابق)
- علماء حازوا جوائز نوبل في الكيمياء
- مطورو خوارزميات تشفير مستخدمة عسكرياً
وفقًا لتقرير “آماج الإخبارية“، ردًا على اغتيال عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين فجر 15 يونيو/حزيران 2025، شنت إيران سلسلة ضربات صاروخية ضد أهداف حساسة للكيان الصهيوني. وكان من أهم هذه الأهداف “معهد وايزمن للأبحاث العلمية” في مدينة رحوفوت، الذي يُعتبر القلب النابض للتكنولوجيا المدنية-العسكرية في إسرائيل. هذه الضربة غير المسبوقة، التي استهدفت للمرة الأولى البنية التحتية العلمية الإسرائيلية بشكل جاد، لم تُحدث فقط صدى واسعًا في الأوساط العلمية والإعلامية العالمية، بل خلّفت أيضًا أضرارًا مادية تقدر بـ 300 إلى 500 مليون دولار.
يضم المعهد 286 مجموعة بحثية و191 عالمًا ومئات طلاب الدراسات العليا، وكان يختص بأهم مشاريع إسرائيل في الطب الحيوي والهندسة الوراثية والنانو-طبية. وقال “يعقوب حنا”، رئيس فريق أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، إن الهجوم الإيراني تسبب في انهيار سقوف المختبرات بالكامل وتدمير السلالم. أما البروفيسور “إلداد تساهور”، الأستاذ في الطب التجديدي بالمعهد، فقد صرّح: “لقد ضاع كل شيء”، حيث دُمرت عينات وأنسجة كانت نتاج سنوات من الأبحاث. ويؤكد الخبراء أن إعادة بناء المعهد واستئناف أنشطته قد يستغرق سنوات.
النشأة الأيديولوجية لمعهد يبدو علميًا!
تأسس معهد وايزمن عام 1934، وبدا للوهلة الأولى أنه مشروع علمي وإنساني بحت، إذ أسسه “حاييم وايزمن”، الكيميائي وأول رئيس للكيان الصهيوني. لكن بعد قرن من الزمن، تبين أن هذا المعهد كان أكثر من مجرد مؤسسة أكاديمية! فقد تحول تحت قشرته العلمية إلى بنية استراتيجية عسكرية وأمنية، ليصبح اليوم هدفًا للضربة الإيرانية الاستراتيجية.
لم يكن “حاييم وايزمن” مجرد عالم كيمياء عضوية ساهم في صناعات حيوية مثل إنتاج الأسيتون للجيش البريطاني، بل كان أيضًا أحد منظري الصهيونية السياسية. خلال الحرب العالمية الأولى، طوّر وايزمن عملية حيوية لإنتاج الأسيتون (المادة الأساسية في صناعة المتفجرات) باستخدام بكتيريا “كلوستريديوم أسيتوبوتيلكوم”، مما منحه نفوذًا سياسيًا ساعده في كسب دعم الغرب لإنشاء إسرائيل.
بدأ المعهد بتمويل من عائلة بريطانية (دانيال سيف)، ثم سُمي لاحقًا (1949) تيمنًا بمؤسسه. ومنذ البداية، كان له أهداف استراتيجية تتجاوز الأبحاث الأكاديمية إلى تعزيز القدرات النووية والعسكرية للكيان الصهيوني.
إنجازات علمية.. لكن في خدمة الحرب!
حقّق المعهد إنجازات علمية بارزة، مثل تطوير أول كمبيوتر إسرائيلي (وايزاك) وخوارزمية التشفير RSA، كما شارك في تصميم أدوية لعلاج التصلب المتعدد والسرطان. لكن خلف هذه الإنجازات، تكمن علاقته الوثيقة بالصناعات العسكرية. فقد استُخدمت خوارزمية RSA في أنظمة الاتصالات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
منذ السبعينيات، تعاون المعهد مع وزارة الدفاع وشركات مثل “إلبيت سيستمز” و”إسرائيل للطيران”، وساهم في تدريب كوادر البرنامج النووي في ديمونا. كما شارك في تطوير تكنولوجيا توجيه الصواريخ والأسلحة الإلكترونية وحتى الأدوات النفسية للحرب.
إيران.. نموذج مختلف للعلم في خدمة الإنسانية
على عكس “وايزمن” الذي حوّل العلم إلى أداة حرب، سعت إيران لمسار مختلف، من خلال جامعات مثل “شريف” و”بهشتي” و”إصفهان الصناعية”، ومراكز بحثية طورت تقنيات مثل اللقاحات والنانو-طب والفضاء. تقدم إيران نموذجًا يجعل العلم وسيلة للكرامة الإنسانية، لا للهيمنة.
في الذاكرة التاريخية
إذا كان التاريخ سيقيم المؤسسات العلمية بناءً على تأثيرها في مستقبل البشرية، فسيذكر تلك التي استخدمت العلم لخدمة الحياة، لا الحرب. قد يتردد اسم “وايزمن” في الأوراق البحثية، لكن في ذاكرة الشعوب، سيبقى جزءًا من آلة الحرب الصهيونية.
الخاتمة
يمثل معهد وايزمان نموذجاً للتداخل الخطير بين الأكاديميا والمؤسسة العسكرية في الكيان المؤقت الإسرائيلي، حيث يجسد حالة الانصهار الكامل بين البحث العلمي والأجندة العسكرية. ويبقى هذا المعهد أحد أهم مراكز تطوير القدرات التكنولوجية العسكرية للكيان، مما يجعله هدفاً استراتيجياً في أي مواجهة إقليمية.