مقالات

حينما يكون العراق في قلب “طوفان الأقصى”

أن مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى لن تكون كما قبلها

المحرر العراقي ٰ عادل الجبوري
محرر عراقي

يؤشر مجمل الحراك السياسي والشعبي في العراق المتمثل بالمواقف الرسمية وغير الرسمية حيال معركة “طوفان الأقصى”، إلى حقيقة مهمة وراسخة، ألا وهي أن هذا البلد كان في مقدمة الدول العربية والإسلامية التي ساندت ودعمت وآزرت الشعب الفلسطيني في معركته ضد الكيان الصهيوني، بل لم يبالغ البعض حينما اعتبره طرفًا مشاركًا من الناحية الفعلية في تلك المعركة بكل تفاصيلها وجزئياتها.

  • ما تحدث به رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في قمة السلام التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور ومشاركة عدد كبير من الزعماء وكبار الساسة العرب والأجانب. فضلًا عن البيانات التي صدرت عنه، والاتصالات التي أجراها مع مختلف الأطراف المعنية.

وما قاله السوداني وأكده لم يكن ليحتمل تفسيرات وتأويلات متعددة، ولا مواربات ولا ترضيات ولا تنازلات ولا مساومات من أي نوع كان، وربما كان هو الأوضح والأصدق من كل الزعماء والساسة العرب.

  • بيان المرجعية الدينية في النجف الأشرف، والذي صدر بعد ثلاثة أيام من اندلاع معركة “طوفان الأقصى”، حيث جددت فيه مواقفها الثابتة والمبدئية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المضطهد والمظلوم، وإدانة جرائم الكيان الصهيوني، وطرح الرؤية الواقعية والعادلة لحل مشكلة فلسطين جذريًا.
  • دخول المقاومة الإسلامية العراقية على الخط مباشرة، من خلال توجيه العديد من الضربات عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى عمق الكيان الصهيوني، في إيلات وتل أبيب ومدن أخرى، ناهيك عن عمليات القصف المستمرة للوجود العسكري الأميركي في عدد من القواعد العسكرية، مثل قاعدة عين الأسد في قضاء الحبانية التابع لمحافظة الأنبار، وقاعدة حرير في محافظة أربيل بشمال العراق، وغيرهما، إذ اعترفت الولايات المتحدة بتعرض قواتها هناك إلى أكثر من خمسين هجوما خلال الشهر الأول من معركة “طوفان الأقصى”.
  • المبادرات والخطوات العملية لتقديم مختلف أشكال المساعدات الإغاثية للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة. وبعض هذه المبادرات والخطوات جاءت عبر القنوات الرسمية الحكومية، وبعضها جاء من خلال المرجعيات والمؤسسات الدينية، البعض الآخر انطلق من فاعليات ونخب وفئات اجتماعية متنوعة.

أضف إلى ذلك، فإن التجمعات الشعبية الحاشدة على الحدود العراقية الأردنية، من جهة منفذ طريبيل الحدودي، كانت بمثابة رسائل بليغة وعميقة عن حقيقة وجدية مساهمة العراقيين بصورة مباشرة في معركة الأقصى. ولعل مثل هذه المواقف، تعد بشكل أو بآخر، امتدادًا للأدوار والمواقف التاريخية للجيش العراقي في الحروب ضد الكيان الصهيوني، ابتداءً من حرب عام 1948، مرورًا بحرب تشرين الأول-أكتوبر 1973 وغيرها، وصولًا إلى معركة “طوفان الأقصى”.

ومما لا يختلف فيه اثنان، هو أن المواقف العراقية اليوم لها جذور وخلفيات تاريخية، وهي تمثل استمراراً لتوجّه ونهج ثابت وراسخ، لم تشوّهه بقدر قليل إلا محاولات المتاجرة بالقضية الفلسطينية والمزايدة عليها من قبل نظام الحكم البعثي السابق (1968-2003)، للتغطية والتمويه على الكثير من ارتباطاته ومشاريعه الخارجية.

وحتى لا نذهب بعيدًا إلى الوراء، فإن الموقف العراقي العام، كان مشرفًا حيال معركة “سيف القدس”، قبل عامين، وكان بذات المستوى من مختلف مشاريع وأجندات التطبيع مع الكيان الصهيوني، رغم طبيعة الظروف والتحديات الاستثنائية التي واجهها العراق طيلة العشرين عامًا الماضية.

ولا شك أن كل هذه المصاديق والحقائق والمعطيات، كانت واضحة وجلية إلى حد كبير، بل إنها إلى جانب مبادرات الأطراف العربية والإسلامية والدولية الأخرى، كانت الأوضح والأسرع.

وإذا كان الكيان الصهيوني ومعه الولايات الأميركية وقوى غربية، وحتى أطراف عربية وإقليمية، يشعرون بالقلق الكبير من العراق، فذلك لأن هناك حقائق تاريخية ووقائع آنية، وقراءات مستقبلية، أكدت وتؤكد أنه كان ومازال وسيبقى لاعبًا فاعلًا ومؤثرًا في معادلات الصراع، وقد تجلى هذا الأمر بدرجة أكبر، حينما بات عنصرًا رئيسيًا في جبهة أو محور المقاومة، وبعدما وصلت كل محاولات ومخططات ومشاريع تدجينه وإخضاعه إلى طريق مسدود. ولعل واشنطن و”تل أبيب” وعواصم أخرى، لا ترى أهمية حقيقية لكل الخطوات المتحققة في مسيرة التطبيع مع بعض الدول والحكومات العربية والإقليمية، ما دامت لم تفلح في جر العراق إليها.

وما ينبغي عدم تجاهله أو نسيانه أو التغافل عنه، هو أن مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى لن تكون كما قبلها، وسوف يكون العراق رقمًا صعبًا، وطرفًا فاعلًا في إبراز وتكريس وترسيخ هذه البديهية، وفي صياغة ورسم المعادلات الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى