نداء الإمام الخامنئي إلى حجاج بيت الله الحرام
قائد الثورة الإسلامية يؤكد على دور الحج في تعزيز الوحدة الإسلامية والروحانية ومواجهة التحديات العالمية
في رسالة بمناسبة موسم الحج لعام 1444 هـ، أكد قائد الثورة الإسلامية على الأهمية الروحية والاجتماعية لفريضة الحج، ودورها في تعزيز الوحدة الإسلامية ومواجهة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في ظل النظام العالمي الحالي.
جاءت الرسالة تحت عنوان “النداء الإبراهيمي للحج”، حيث استشهد قائد الثورة بالآيات القرآنية التي تدعو إلى الحج، مؤكداً أن الكعبة المشرفة هي المحور المركزي لتوجهات المسلمين، وأن الحج يمثل نموذجاً مصغراً للعالم الإسلامي المتنوع. وأشار إلى أن الحج يمكن أن يكون أداة لارتقاء المجتمع البشري روحياً وأخلاقياً، خاصة في ظل الحاجة الماسة للإنسانية إلى القيم الروحية في مواجهة الانحدار الأخلاقي الذي تعانيه.
وأوضح قائد الثورة أن الحج قادر على دحض مشاريع الاستكبار والصهيونية التي تهدف إلى إضعاف الأمة الإسلامية وإسقاطها أخلاقياً. وشدد على أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من المسلمين فهم الخطاب الحقيقي للحج، والعمل على تحقيقه عملياً من خلال تعزيز الوحدة والروحانية.
الوحدة والروحانية: ركيزتان أساسيتان
حدد قائد الثورة ركيزتين أساسيتين لتحقيق الأهداف المرجوة من الحج، وهما الوحدة والروحانية. وأكد أن الوحدة تعني تقارب القلوب والأفكار بين المسلمين، والتكامل العلمي والاقتصادي بين الدول الإسلامية، بالإضافة إلى التعاون السياسي ومواجهة الأعداء المشتركين. وأشار إلى أن الوحدة تعني أيضاً تجنب الوقوع في الفتن التي يخطط لها الأعداء لتفريق المسلمين.
كما دعا قائد الثورة إلى تعزيز التواصل والحوار بين الشعوب الإسلامية، وتبادل الزيارات، والتعرف على الإمكانات والطاقات المشتركة. وأكد على دور العلماء والنخب في تعزيز الأخوة الإسلامية والتعايش بين المذاهب المختلفة.
أما الروحانية، فقد أكد قائد الثورة أنها تعني الارتقاء بالأخلاق الدينية، مشيراً إلى أن الأخلاق دون دين هي أكذوبة تروج لها المصادر الفكرية الغربية، والتي أدت إلى الانهيار الأخلاقي في الغرب. ودعا إلى تعلم الروحانية من مناسك الحج، مثل البساطة في الإحرام، وإطعام الفقراء، واجتناب الفسوق والجدال.
مواجهة التحديات العالمية
وحذر قائد الثورة من العداء المتزايد للاستكبار والصهيونية تجاه وحدة المسلمين وتدين الشباب المسلم. وأكد أن أمريكا وأقطاب الهيمنة العالمية يعملون على عرقلة أي تقارب بين الشعوب والحكومات الإسلامية، ويواجهون التزام الشباب بالشريعة بكل الوسائل الممكنة.
وأكد قائد الثورة على مسؤولية الشعوب والحكومات الإسلامية في الوقوف في وجه المخططات الأمريكية والصهيونية، داعياً الحجاج إلى اغتنام فرصة الحج للتدبر في أسرار هذه الفريضة وجعلها زاداً لهم طوال حياتهم.
ختام الرسالة
اختتم قائد الثورة رسالته بالدعاء للحجاج الإيرانيين وغير الإيرانيين بحج مقبول ومشكور، متمنياً أن يشملهم الدعاء المستجاب للإمام المهدي (عجل الله فرجه). وجدد التأكيد على أهمية تعزيز روح البراءة من المشركين ونشرها في المجتمع.
جاءت الرسالة في السادس من ذي الحجة 1444 هـ، الموافق 25 يونيو 2023، لتؤكد على الدور الحيوي للحج في تعزيز الوحدة الإسلامية ومواجهة التحديات المعاصرة.
نص الرسالة الامام الخامنئي قائد الثورة الاسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على الرسول الأعظم محمّد المصطفى وآله الطيبين وصحبه المُنتجبين.
مرّة أخرى ينطلق النداء الإبراهيمي للحج ودعوته العالميّةمن عمق التاريخ مخاطباً أرجاء المعمورة فيلهب القلوب المستعدّة والذاكرة بالشوق والحماسة.
ويخاطب النداء الداعي جميع أفراد البشر: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (الحج، 27) والكعبة هي المضيف المبارك والدليل للبشرية جمعاء: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران، 96).
يمكن للكعبة بصفتها النقطة المركزيّة والمحور الرئيس لتوجّهات آحاد المسلمين، وكذلك لشعيرة الحج بصفتها نموذجاً مصغّراً لنطاق العالم الإسلامي المتنوّع، أن تكونا في خدمة ارتقاء المجتمع البشري وسلامة الناس جميعاً وأمنهم. يمكن للحجّ أن يرفد البشريّة كلّها بالاعتلاء المعنوي والارتقاء الروحيّ والأخلاقي، وهذه هي الحاجة المصيريّة للبشر اليوم.
في استطاعة الحجّ أن يدحض جميع مشاريع الاستكبار والصهيونيّة الرامية إلى السقوط الأخلاقي للبشريّة في اليوم والغد، ويبطل مفاعيلها.
الشرط اللازم لهذا التأثير على المستوى العالمي أن يسمع المسلمون أنفسهم – كخطوة أولى – الخطاب الباعث على الحياة للحجّ على نحو صحيح، ويسخّروا كلّ ما لديهم من همم من أجل تحقّقه عملياً.
إنّ الركيزتين الأساسيّتين لهذا الخطاب هما الوحدة والروحانيّة. الوحدة والروحانيّة هما الضامن للارتقاء المادي والمعنوي للعالم الإسلامي وتَشعشع أنواره في أرجاء المعمورة. الوحدة تعني الارتباط الفكري والعملي، أي بمعنى تقارب القلوب والأفكار والتوجّهات، وكذلك بمعنى التكامل العلمي والتطبيقي، وبمعنى الترابط الاقتصادي بين الدول الإسلاميّة، وكذلك الثقة والتعاون بين الحكومات المسلمة، وأيضاً التعاضد في وجه الأعداء المشتَرَكين والمسلّم بعدائهم. الوحدة تعني ألّا تستطيع خطّة العدوّ المُعدّة جعل مختلف الفرق الإسلاميّة أو الشعوب والأعراق واللغات والثقافات المتنوّعة في العالم الإسلامي تقف في وجه بعضها بعضاً.
الوحدة تعني ألّا تتعرّف الشعوب المسلمة إلى بعضها بعضاً عبر التعريف الفتنوي للعدوّ، بل بالتواصل والحوار وتبادل الزيارات، وأن تطّلع على إمكانات بعضها بعضاً وطاقاتها وتخطّط للانتفاع بها.
والوحدة تعني أن يضع علماء العالم الإسلاميّ وجامعاته أيديهم بأيدي بعضهم بعضاً، وينظر علماء المذاهب الإسلاميّة إلى بعضهم بعضاً بحُسن الظنّ والمداراة والإنصاف، وينصتوا إلى كلام بعضهم بعضاً، وأن يُعرّف النُّخب في كلّ بلد ومن كلّ مذهب آحاد الناس على مشتركات بعضهم بعضاً ويشجّعوهم على التعايش والأخوّة.
كما أنّ الوحدة تعني أن يُعِدّ روّاد السياسة والثقافة في البلدان الإسلاميّة أنفسهم لمواجهة ظروف النظام العالمي المُقبل بتنسيق كامل، ويُحدّدوا بأيديهم وإراداتهم المكانة الجديرة بالأمّة الإسلاميّة في التجربة العالميّة الجديدة الزاخرة بالفرص والتهديدات، وألّا يسمحوا بتكرار تجربة الهندسة السياسيّة والجغرافيّة لغربيّ آسيا على يد الحكومات الغربيّة عقب الحرب العالميّة الأولى.
أمّا الروحانيّة، فتعني ارتقاء الأخلاق الدينيّة. إنّ أكذوبة الأخلاق دون الدين، التي طالما روّجت المصادر الفكريّة الغربيّة لها مآلها هذا الانهيار الأخلاقي الجامح في الغرب، والذي يتراءى أمام العالم بأسره. لا بدّ من تعلّم الروحانيّة والأخلاق من مناسك الحجّ، ومن البساطة في الإحرام، ومن نبذ الامتيازات الواهية، ومن: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} (الحج، 28)، ومن: {لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة، 197)، ومن طواف الأمّة كافّة حول محور التوحيد، ومن رمي الشيطان والبراءة من المشركين.
أيّها الإخوة والأخوات الحجّاج، اغتنموا فرصة الحجّ للتدبّر والتعمّق في أسرار هذه الفريضة الاستثنائيّة ودلالاتها واجعلوها زاداً لعمركم بأكمله. إنّ الوحدة والروحانيّة في هذه المرحلة من الزمان تتعرّضان لعداء الاستكبار والصهيونيّة وعرقلتهما أكثر من السابق. فأمريكا وسائر أقطاب الهيمنة الاستكباريّة يعارضون بشدّة وحدة المسلمين وتفاهم الشعوب والدول والحكومات المسلمة، وتديّن الجيل الشاب لهذه الشعوب والتزامه بالشريعة، وهم يواجهونها بأيّ وسيلة ممكنة.
إنّ مسؤوليّتنا جميعاً والشعوب كافّة وحكوماتنا هي الوقوف في وجه هذا المخطط الأمريكي والصهيوني الخبيث.
استعينوا بالله العليم القدير، وعزّزوا روحيّة البراءة من المشركين في أنفسكم، وعُدّوا أنفسكم مكلّفين بنشرها وتعميقها في بيئتكم.
أسأل الله العلي التوفيق للجميع وحجّاً مقبولاً ومشكوراً لكم، أيّها الحجّاج الإيرانيّون وغير الإيرانيّين. وأرجو للجميع أن يشملهم الدعاء المستجاب لبقيّة الله الأعظم، أرواحنا فداه.
والسّلام عليكم ورحمة الله.
السّادس من ذي الحجّة 1444
25 حزيران/يونيو 2023